18 أكتوبر 2024
فدرالية عون تهدد المسيحيين في لبنان
أزمة تعطيل الحكومة اللبنانية التي اعتمدها التيار الوطني الحر، بزعامة النائب، ميشال عون، ومساندة حزب الله، تحت عنوان الحقوق المسيحية، والتهميش الذي يعانيه المسيحيون من شركائهم المسلمين في لبنان (وفقاً لنظرة عون)، لا سيما من رئيس الحكومة والتيار السياسي الذي يمثله، أي تيار المستقبل، لم تنته بعد، على الرغم من انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، بعد انقطاع دام ثلاثة أسابيع، فالخلاف على تفسير الصلاحيات ما زال قائماً، خصوصاً صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتقلت، بموجب الدستور، إلى الحكومة مجتمعة، بعد الفشل المتكرر للمجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد. فالتيار الوطني الحر، بزعامة عون، يتمسك بتفسير يجعل من كل وزير في الحكومة رئيساً للجمهورية، وهو بالطبع ما يشل عمل الحكومة، في بلد يعيش انقسامات حادة على أكثر من مستوى، في حين تذهب بقية الأطرف، من دون حزب الله، إلى ضرورة تفعيل العملين، الحكومي والنيابي، بما يحقق مصالح اللبنانيين، خصوصاً الحياتية.
يبدو ذلك رأس جبل الجليد المخفي في العلاقة بين المكونات اللبنانية، ويبدو أن التيار الوطني الحر، وزعيمه ميشال عون، بعد الفشل في الوصول إلى سدة الرئاسة الأولى، يستخدم كل الوسائل التي تثبت قدرته على شل البلد، وتعطيله من ناحية، وتظهر من ناحية ثانية فشل الصيغة المعتمدة في النظام السياسي (اتفاق الطائف) في تلبية متطلبات المرحلة الحالية، بما يستدعي، حسب وجهة نظر عون، وبعض حلفائه، إعادة النظر في هذه الصيغة لصالح إنتاج صيغة أخرى، تعكس حجم القوى السياسية الجديد. وهنا، يبرز الحديث عن المؤتمر التأسيسي الذي تحدث عنه حزب الله قبل سنوات، والذي قيل إن مضمونه يقوم على أساس المثالثة في النظام السياسي، بمعنى أن تتوزع الصلاحيات بمقدار ثلث للشيعة، وثلث للسنة والدروز، وثلث ثالث للمسيحيين. ومن هذه الزاوية، لوّح التيار الوطني الحر بالمطالبة بالفدرالية (فدرالية الطوائف)، رداً على تمسك رئيس الحكومة بصلاحياته، وبنصوص الدستور الذي ينظم الحياة العامة والسياسية في لبنان.
وفي السياق ذاته، ذهب ممثل التيار الوطني الحر في الحكومة وزير الخارجية، جبران باسيل، (حديث إلى جريدة الأخبار 7/7/2015) إلى التهديد بفرط النظام السياسي، المستند إلى وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) والقائم على مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والدعوة إلى اعتماد خيار الفدرالية، باعتبار المسيحيين مهدّدين في وجودهم، وفقاً لرؤية التيار الوطني الحر ووزيره. فلماذا التلويح بالفدرالية في هذا التوقيت؟ وما نتائج مثل هذه الدعوة؟
في توقيت التلويح بطرح الفدرالية ما يبدو انعكاساً لأزمة التيار الوطني الحر، ورئيسه تحديداً، لجهة فقدان الأمل بوصوله إلى سدة الرئاسة الأولى. لذا، لجأ إلى التلويح بالفدرالية، بحيث يتم تنصيبه، وفقاً لقناعات ربما تكون تشكلت عنده، زعيماً لـ "متصرفيّة" جديدة، يريد التيار إعادة المسيحيين إليها، ويكون عندها بمثابة محافظ يدير واحدة من محافظات البلد، في حين أن دور المسيحيين في لبنان، اليوم، أكبر من ذلك بكثير، حيث يشكلون شراكة حقيقية مع المسلمين في إدارة البلد.
أما المسألة الثانية، فإن التوقيت يرسم علامة استفهام كبيرة حول النيّة من هذا الطرح، خصوصاً وأنه يتماهى ويحاكي ما يُحكى عن مشاريع أوروبية أو أميركية أو دولية، لتقسيم المنطقة، وفقاً لاعتبارات جديدة عرقية وطائفية ومذهبية، تحوّلها إلى دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها، وتكون إسرائيل الدولة الكبرى الراعية، بل ربما الحامية لتلك الأقليات بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا، يذهب بعضهم، من سيئي النيّة ممن يفسّرون تطورات الأحداث والمواقف، إلى القول إن التلويح بالفدرالية جزء من مشاريع حلفاء عون الذين يعملون على الخيار الآخر، أو الخطة "ب" في سورية، والقائمة على إنشاء دولة مذهبية في الشريط الساحلي، وصولاً إلى العاصمة دمشق مروراً بحمص، بعد أن فشلت محاولاتهم في إنقاذ النظام السوري، وبعد أن بات فقدانه السيطرة على دمشق مسألة وقت. وجاءت، في هذا السياق، تصريحات مسؤولين في دول إقليمية مهتمّة بالشأن السوري وداعمة للنظام، دعت إلى نقل العاصمة ومركز القرار من دمشق إلى الساحل. وهنا، يمكن القول إن هذا التلويح يأتي مقدمة جدّية وتمهيداً لمرحلة يتم فيها الانتقال إلى تنفيذ تلك الخطة التي تتناول تقسيم المنطقة، ومنها لبنان، على أساس هذه القاعدة.
وبشأن ما يمكن أن ترتبه هذه الدعوة من تداعيات على لبنان، وعلى الوجود المسيحي فيه بشكل عام، فيما لو أخذت طريقها إلى التنفيذ، فإن أول هذه التداعيات ستكون في العودة بلبنان إلى ما قبل عام 1921 أي إلى زمن ونظام المتصرفية الذي كان قائماً في الجبل، مع ما يعنيه ذلك من وصاية خارجية، مع أن الجبل لن يكون للمسيحيين وحدهم، وصيغة "القائمقامية" التي كانت سابقة لـ "المتصرفية" دليل على ذلك. وبالتالي، سيجد الميسيحيون الذين يتحدث باسمهم التيار الوطني الحر اليوم أنفسهم في عزلة، وفي منطقة أشبه بمحافظة جل، ما يمكن أن يتمتعوا بها هي حقوق المحافظات. فهل هذا ما يريده المسيحيون؟ أم إن الجنرال (عون) يريد أن يلبي طموحاته الشخصية في الزعامة، ليكون صاحب الفخامة ولو على مرقد عنزة من أرض لبنان، وبعدها، ليكن ما يمكن أن يكون؟ ما من أحد يظن أن مصلحة المسيحيين، ولا حتى المسلمين، في لبنان تكمن في ذلك، بل مصلحة كل اللبنانيين أن يعيشوا مع بعضهم بعضاً، في ظل تفاهم ينصف الجميع، من خلال تطبيق الصيغة القائمة المعمول بها، وتطويرها عندما تتوفر الظروف الملائمة، بما يحقق السعادة والراحة لكل المكوّنات اللبنانية.
أمام هذه المواقف المستجدة، يبقى المطلوب من الساحة المسيحية أن تجيب بوضوح عن خيارها الذي تريده في إكمال مسيرة الشراكة التي تحدث عنها البطريرك بشارة الراعي ذات يوم، وجعلها شعاراً لوجوده في الصرح البطريركي، أو أن تقرر الانفصال والانضمام إلى محور الأقليات الذي يريد أن يبقي النزيف مستمراً، حتى ولو كان على حساب الجميع.
يبدو ذلك رأس جبل الجليد المخفي في العلاقة بين المكونات اللبنانية، ويبدو أن التيار الوطني الحر، وزعيمه ميشال عون، بعد الفشل في الوصول إلى سدة الرئاسة الأولى، يستخدم كل الوسائل التي تثبت قدرته على شل البلد، وتعطيله من ناحية، وتظهر من ناحية ثانية فشل الصيغة المعتمدة في النظام السياسي (اتفاق الطائف) في تلبية متطلبات المرحلة الحالية، بما يستدعي، حسب وجهة نظر عون، وبعض حلفائه، إعادة النظر في هذه الصيغة لصالح إنتاج صيغة أخرى، تعكس حجم القوى السياسية الجديد. وهنا، يبرز الحديث عن المؤتمر التأسيسي الذي تحدث عنه حزب الله قبل سنوات، والذي قيل إن مضمونه يقوم على أساس المثالثة في النظام السياسي، بمعنى أن تتوزع الصلاحيات بمقدار ثلث للشيعة، وثلث للسنة والدروز، وثلث ثالث للمسيحيين. ومن هذه الزاوية، لوّح التيار الوطني الحر بالمطالبة بالفدرالية (فدرالية الطوائف)، رداً على تمسك رئيس الحكومة بصلاحياته، وبنصوص الدستور الذي ينظم الحياة العامة والسياسية في لبنان.
وفي السياق ذاته، ذهب ممثل التيار الوطني الحر في الحكومة وزير الخارجية، جبران باسيل، (حديث إلى جريدة الأخبار 7/7/2015) إلى التهديد بفرط النظام السياسي، المستند إلى وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) والقائم على مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والدعوة إلى اعتماد خيار الفدرالية، باعتبار المسيحيين مهدّدين في وجودهم، وفقاً لرؤية التيار الوطني الحر ووزيره. فلماذا التلويح بالفدرالية في هذا التوقيت؟ وما نتائج مثل هذه الدعوة؟
في توقيت التلويح بطرح الفدرالية ما يبدو انعكاساً لأزمة التيار الوطني الحر، ورئيسه تحديداً، لجهة فقدان الأمل بوصوله إلى سدة الرئاسة الأولى. لذا، لجأ إلى التلويح بالفدرالية، بحيث يتم تنصيبه، وفقاً لقناعات ربما تكون تشكلت عنده، زعيماً لـ "متصرفيّة" جديدة، يريد التيار إعادة المسيحيين إليها، ويكون عندها بمثابة محافظ يدير واحدة من محافظات البلد، في حين أن دور المسيحيين في لبنان، اليوم، أكبر من ذلك بكثير، حيث يشكلون شراكة حقيقية مع المسلمين في إدارة البلد.
أما المسألة الثانية، فإن التوقيت يرسم علامة استفهام كبيرة حول النيّة من هذا الطرح، خصوصاً وأنه يتماهى ويحاكي ما يُحكى عن مشاريع أوروبية أو أميركية أو دولية، لتقسيم المنطقة، وفقاً لاعتبارات جديدة عرقية وطائفية ومذهبية، تحوّلها إلى دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها، وتكون إسرائيل الدولة الكبرى الراعية، بل ربما الحامية لتلك الأقليات بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا، يذهب بعضهم، من سيئي النيّة ممن يفسّرون تطورات الأحداث والمواقف، إلى القول إن التلويح بالفدرالية جزء من مشاريع حلفاء عون الذين يعملون على الخيار الآخر، أو الخطة "ب" في سورية، والقائمة على إنشاء دولة مذهبية في الشريط الساحلي، وصولاً إلى العاصمة دمشق مروراً بحمص، بعد أن فشلت محاولاتهم في إنقاذ النظام السوري، وبعد أن بات فقدانه السيطرة على دمشق مسألة وقت. وجاءت، في هذا السياق، تصريحات مسؤولين في دول إقليمية مهتمّة بالشأن السوري وداعمة للنظام، دعت إلى نقل العاصمة ومركز القرار من دمشق إلى الساحل. وهنا، يمكن القول إن هذا التلويح يأتي مقدمة جدّية وتمهيداً لمرحلة يتم فيها الانتقال إلى تنفيذ تلك الخطة التي تتناول تقسيم المنطقة، ومنها لبنان، على أساس هذه القاعدة.
وبشأن ما يمكن أن ترتبه هذه الدعوة من تداعيات على لبنان، وعلى الوجود المسيحي فيه بشكل عام، فيما لو أخذت طريقها إلى التنفيذ، فإن أول هذه التداعيات ستكون في العودة بلبنان إلى ما قبل عام 1921 أي إلى زمن ونظام المتصرفية الذي كان قائماً في الجبل، مع ما يعنيه ذلك من وصاية خارجية، مع أن الجبل لن يكون للمسيحيين وحدهم، وصيغة "القائمقامية" التي كانت سابقة لـ "المتصرفية" دليل على ذلك. وبالتالي، سيجد الميسيحيون الذين يتحدث باسمهم التيار الوطني الحر اليوم أنفسهم في عزلة، وفي منطقة أشبه بمحافظة جل، ما يمكن أن يتمتعوا بها هي حقوق المحافظات. فهل هذا ما يريده المسيحيون؟ أم إن الجنرال (عون) يريد أن يلبي طموحاته الشخصية في الزعامة، ليكون صاحب الفخامة ولو على مرقد عنزة من أرض لبنان، وبعدها، ليكن ما يمكن أن يكون؟ ما من أحد يظن أن مصلحة المسيحيين، ولا حتى المسلمين، في لبنان تكمن في ذلك، بل مصلحة كل اللبنانيين أن يعيشوا مع بعضهم بعضاً، في ظل تفاهم ينصف الجميع، من خلال تطبيق الصيغة القائمة المعمول بها، وتطويرها عندما تتوفر الظروف الملائمة، بما يحقق السعادة والراحة لكل المكوّنات اللبنانية.
أمام هذه المواقف المستجدة، يبقى المطلوب من الساحة المسيحية أن تجيب بوضوح عن خيارها الذي تريده في إكمال مسيرة الشراكة التي تحدث عنها البطريرك بشارة الراعي ذات يوم، وجعلها شعاراً لوجوده في الصرح البطريركي، أو أن تقرر الانفصال والانضمام إلى محور الأقليات الذي يريد أن يبقي النزيف مستمراً، حتى ولو كان على حساب الجميع.