فبراير الجزائري

13 مارس 2019
كانت الموجة أكبر من أن تحتويها مؤسسة أمنية(العربي الجديد)
+ الخط -
حديث الجزائريين يقول: كنا قوماً نعيش في جاهلية سياسية، نُمنع من الحق في التظاهر والتنظم وحرية التعبير، تقهرنا الشرطة والسلطة، ويقبع في ظلمة السجون كل حر وصاحب رأي، وتُزور علينا الانتخابات وتصادر إرادة الفرد والمجموعة، ويضيق على الناس عيشهم ويتبخر النفط ويُمطر في بنوك في الخارج، وندفن آمالنا في الرمل وتقطع أوصالنا، ويأكل البحر شبابنا اليافع، ويطمع الفاسد في قوتنا، ويمضغ القاضي القانون ويحكُم بالهاتف، ويطلق الرئيس الوعود ولا يفي، وتكذب الحكومة على الشعب، حتى جاء حراك 22 فبراير مبشراً.

كان حلم الجزائريين قبل 22 فبراير/ شباط 2019 ليس أكثر من الحقوق البدائية والمبدئية في أي مشهد ديمقراطي، وهي الحق في التظاهر والإضراب. لم تكن هذه الحقوق كثيرة على الجزائريين الذين دفعوا الكثير خلال أكثر من استحقاق في التاريخ السياسي للبلاد. اكتشف الجزائريون، الذين انكفأوا على ذاتهم، بعد صدمة العشرية السوداء، أن الوعود الكثيرة والمتكاثرة منذ 20 سنة بتأسيس الدولة المدنية لم تكن سوى سراب، والتعهد بإنشاء دولة القانون لم يكن مقصوداً به سوى إنشاء قانون الدولة المحتكرة، والتطلع لإنشاء جمهورية ثانية، بعد جمهورية الاستقلال، لم يكن سوى حلم باهت. انكشف الوضع على صحافة تُبتز بالإشهار، وقضاء يحتكم إلى خط الهاتف والإملاءات أكثر من القانون، وإلى مؤسسة حزبية مغلقة ومضيق عليها، وبرلمان ممنوع من المبادرة التشريعية، وإلى كارتل مالي يستنزف المال العام.

اكتشف الجزائريون أن الدولة برمتها تقف على رمل، واختطفها الكارتل المالي المتواطئ مع أجهزة سياسية، وأن أعلى مؤسسة في هرم الدولة تغرق في التخبط، وأن الأجهزة الأمنية تتحسس الهواتف وتفتقد إلى الأدوات السليمة لتقدير الموقف. وإذ ذاك كان لا بد من مد شعبي يكون أعلى من كل توقع وأكبر من كل تقدير. وكانت الموجة أكبر من أن يرصدها جهاز استخبارات أو تحتويها مؤسسة أمنية، وأوسع من أن يهيمن عليها الجيش، وأكثر امتداداً من أن يسيطر عليها حزب أو تركبها مجموعة. وكان 22 فبراير تاريخاً لا يضاهيه في التاريخ غير ذلك الفاتح الثوري في نوفمبر/ تشرين الثاني 1954. ومثلما أحيا نوفمبر 1954 روح الثورة في شعوب أفريقيا وأحرار العالم، فقد بث فبراير الجزائري روحاً متجددة في الشعوب العربية التي تعثر مسارها التحرري والتقدمي، وفتح بصيص أمل بأن الشعوب تمرض لكنها لا تموت.
المساهمون