غياب استراتيجية لمحاربة الإرهاب في ليبيا

27 فبراير 2016
+ الخط -
تعد غارة المقاتلات الأميركية على معسكر تدريب تابع لتنظيم داعش في منطقة قصر العلالقة في مدينة صبراتة في الغرب الليبي، وأسفرت عن مقتل خمسين شخصاً كانوا متجمعين فيه، وأغلبهم تونسيون، الأسبوع الماضي، أول غارة من نوعها، تستهدف مدينة صبراتة. والواضح أن الولايات المتحدة، ومعها دول غربية ودول الحلف الأطلسي، تستعجل الحرب على تنظيم داعش في ليبيا، وتبدو في عجلة من أمرها، حتى لو لم يصادق البرلمان الشرعي في طبرق على حكومة الوفاق الوطني الليبية، بقيادة فايز السراج التي أعلن عن تشكيلها أخيراً، لا سيما بعد أن تواترت أنباء عن وصول مقاتلين من أنصار "داعش" من جمهوريات روسيا ومن دول خاضعة للنفوذ الروسي إلى ليبيا، وهي أنباء ذكرت أن ليبيا باتت الوجهة الجديدة للسلفيين المتشددين الصينيين، بعد التضييق الشديد الذي تتعرض له الجماعات السلفية الجهادية في سورية والعراق.
وكانت الدول الغربية التي أبدت استعدادها لضرب أوكار التنظيم الإرهابي في ليبيا تنتظر بدء الحكومة مهامها حتى يتسنى لها الطلب من المجتمع الدولي التدخل العسكري لإنقاذ ليبيا من الإرهابيين ومساعدتها، بيد أن التدخل العسكري الدولي في ليبيا تعتبره السلطات التونسية، ومعها مكونات المجتمع المدني، كارثياً، ليس فقط على ليبيا، ولكن أيضاً على دول الجوار، ومنها تونس. فهذا التدخل سيصاحبه رفض شعبي، وسيسعى أمراء الحرب وأنصار الإرهاب وأقارب "أنصار الشريعة" وباقي التنظيمات الجهادية إلى استثمار هذا الموقف لمصلحتهم، وسيرفعون رايات الجهاد، وسيجدون حتماً استجابةً من الرأي العام، ومن ثم مزيداً من القوة لهم. وسيحدث هذا السيناريو بأشكال مختلفة في ليبيا وتونس ومصر، وسيكون بمثابة قبلة الحياة للمتطرفين، قد تعيدهم إلى صدارة المشهد بقوة السلاح.
يعتقد المناهضون للتدخل العسكري في ليبيا أنه إذا حدث تدخل غربي في ليبيا، فسوف يصبح هذا البلد عراقاً آخر أو صومالاً جديداً، فالتدخل الأميركي في هذه الدول زاد أزماتها ومزّق وحدتها الوطنية، كما مزّق التدخل الفرنسي في مالي الدولة أيضاً. وإذا حدث تدخل دولي في ليبيا، فهذا يعني انتهاك سيادتها بشكل أوسع ومدة أطول، لأن طرابلس لا تزال تحت البند السابع للأمم المتحدة، والذي يعطي الحق لمجلس الأمن بالتدخل في ليبيا في أي وقت، وأي تدخل دولي من شأنه التجديد، وبقاء ليبيا أطول فترة ممكنة تحت هذا البند. وتستعد الولايات المتحدة لإصدار قانون جديد، يسمح بقصف مواقع محددة في ليبيا بطائرات بدون طيار، واستهداف الجماعات التي تصفها بالإرهابية للثأر من مقتل السفير الأميركي في ليبيا في 2012.
غير أن موضوع محاربة الإرهاب في ليبيا يحتاج إلى بلورة استراتيجية وطنية وإقليمية عربية، تكون ليبيا طرفاً رئيساً فيها، لأنه لا يجوز لدول الجوار العربية القريبة والبعيدة ترك ليبيا لمصيرها.. من ينقذ ليبيا من آفة الإرهاب، إذا كان أبناء الجلدة (أبناء الأمة الواحدة) يتهرّبون من واجبهم تجاه دولة شقيقة. إذاً، ما الفرق بينهم وبين صناع الأزمات وحرّاسها في ليبيا، أم إن هناك من يمنعهم من أداء هذا الواجب، شأنهم شأن الحكومة والبرلمان الليبيين؟
تقتضي أية استراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب، وبناء الدولة الوطنية، أي دولة كل المواطنين
الليبيين، أن يُغَلِّبَ الليبيون منطق الحوار الوطني فيما بينهم، فلا سبيل لنجاح الحوار الوطني بين الليبيين، ما لم تكن للقبائل، بمختلف تموقعاتها ومواقفها، مع المرحلة السابقة أو ضدها، موافقة على ذلك. فقد سعت القبائل، في مختلف المناطق الليبية، إلى حماية نفسها وحياضها وأفرادها عبر جمع كميات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك المدرعات والدبابات والمدافع، قصد تأمين توازن الرعب مع الجهات والقبائل الأخرى. ولهذا، فالقبائل اليوم عنصر مهم في السنوات الثلاث الأخيرة، وهي التي تتحكّم جزئياً في المليشيات، وهي القادرة على إقناعها بالاندماج والتخلي عن هذه الكميات الهائلة من السلاح وإيجاد الحوار الوطني.
وعلى من يريد للحوار السياسي أن ينجح، وأن يجمع الليبيين إلى طاولة المفاوضات، أن يأخذ في الحسبان المعطى القبلي، وأن يدمجه في أي برمجةٍ مستقبليةٍ شريطة تجاوز الاختلاف والصراعات السياسية والجهوية. ولهذا، على الليبيين أن يغلّبوا منطق الحوار في ما بينهم، وأن تساعدهم دول الجوار، أي تونس والجزائر ومصر، في إنجاح هذا الحوار. فقد كان المجتمع الليبي دائما، وعلى امتداد قرون طويلة لا يحلّ مشكلاته الداخلية، إلا إذا ما تدخل المعطى الخارجي أي دول الجوار، حسب قول الباحث الأكاديمي المتخصص في الشؤون الليبية، منصف وناس.
على أي استراتيجية ناجحة لمحاربة الإرهاب في ليبيا أن تأخذ بالاعتبار الدور المفصلي الذي يجب أن يقوم به الجيش الجزائري في هذه الاستراتيجية على الصعيد الإقليمي، حيث صنّف‮ ‬المعهد‮ ‬الأميركي‮ "‬الدفاع‮ ‬الاستراتيجي‮ ‬والاستعلام‮" ‬في‮ ‬أحدث ‬تقرير‮ ‬له‮ ‬الجيش‮ ‬الوطني‮ ‬الشعبي‮ الجزائري ‬في صدارة ‬جيوش‮ ‬شمال‮ ‬إفريقيا،‮ ‬منتزعاً هذه ‬الصدارة‮ ‬لأول‮ ‬مرة‮ ‬‬من‮ ‬الجيش‮ ‬المصري‮. ‬وأبرز التقرير الذي اهتم بمستقبل الصناعة الجزائرية في مجال الدفاع أهمية التجهيزات العسكرية التي يتوفر عليها الجيش الوطني الشعبي الذي انخرط في مسار العصرنة لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة في المنطقة، ويأتي الجيش المصري ثانيا، ويحل المغربي ثالثاً، متبوعاً بالجيشين التونسي والليبي في المرتبتين الرابعة والخامسة، ويختم الجيش الموريتاني القائمة.
وتتزايد مخاوف تونس والجزائر ومصر من تعرّضها لهجمات إرهابية، جرّاء تهريب الأسلحة، وتسلل الإرهابيين إليها من جارتها ليبيا التي تشهد اشتباكات ضارية بين متشددين إسلاميين، والجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر .وتحاول هذه الدول إغلاق حدودها في وجه أنواع مختلفة من الأسلحة تعج بها ليبيا، حتى لا تتكرّر تجربة وصول أسلحة متقدمة كانت تستخدم في معسكر جنوب ليبيا إلى جماعات مسلحة في تونس والجزائر ومصر، فالإدارة الأميركية وصلت إلى قناعة بأن الفراغ في السلطة داخل الدولة الليبية يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للولايات المتحدة، بدأ بقتل سفيرها في بنغازي، وتصاعد مع تقارير الأجهزة الاستخباراتية حول استيلاء الميليشيات المسلحة على مخازن السلاح الأميركي المكدّس بمعسكرات أقامها البنتاغون لتدريب الجيش الليبي، ثم أغلقها إثر تصاعد الاضطرابات في أنحاء البلاد.
وتسعى الولايات المتحدة الأميركية جاهدة إلى إقناع الجزائر للتدخل في ليبيا، بتقديم الدعم لها، في الحملة الدولية لمحاربة "داعش"، لا سيما أن الجزائر تمتلك بنكاً من المعلومات الاستخباراتية المهمة عن تحركات ومناطق تمركز التنظيمات الإرهابية في ليبيا، لتسهيل العمليات العسكرية ضدها، وأرسلت لهذا الغرض كاتب الدولة المساعد المكلف بالشؤون السياسية، توماس شانون، إلى الجزائر مباشرة بعد الضربات الجوية على صبراتة، والتي تحفظت عليها الجزائر التي تتخذ موقفاً مبدئياً من التدخل الأجنبي يصعب تغييره، لا سيما أنها تعمل من أجل ثني الولايات المتحدة عن التدخل العسكري، وتدعوها إلى العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. وبعد لقاء شانون وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الجزائري، رمضان لعمامرة، قال بيان وزارة الخارجية الجزائرية إن اللقاء تطرق إلى قضايا تخص المنطقة وعددا من الدول، ومحاولة تبادل المعلومات والمفاهيم بشأنها، لا سيما التعاون في مكافحة الإرهاب .وصرّح لعمامرة، عقب اللقاء، إن "البلدين ملتزمان بضرورة الحل السلمي والسياسي للأزمة في ليبيا، على أن تكون محاربة الإرهاب في إطار الشرعية الدولية، وفي ظل احترام سيادة هذا البلد وأمنه واستقراره".

E8457B4F-E384-4D2B-911B-58C7FA731472
توفيق المديني

كاتب وباحث تونسي، أصدر 21 كتاباً في السياسة والفكر والثقافة