غول أسعار في لبنان

07 يوليو 2020
كثرت أعداد الفقراء (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

في المكان نفسه، تقف مجموعة من الأشخاص بأعمار متفاوتة، حتى يكاد الفارق بين أكبرهم وأصغرهم يصل إلى ستين عاماً. الكبار من بينهم يتذكرون أنّهم كانوا يقفون في المكان نفسه قبل أكثر من ثلاثين عاماً. ما هوية المكان هذا؟ ليس غير مخبز، بينما يقف هؤلاء المواطنون اللبنانيون أمامه في طابور متجدد تسببت به الأزمة المعيشية الأخيرة، وتخبط سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، ووصوله إلى مستويات تفوق الخيال (10 آلاف ليرة للدولار الواحد)، وما تسبب به كلّ ذلك من أزمات بطالة ومحروقات وطحين وغيرها مما يمسّ حقوق المواطن الأساسية، التي ضُربت بأقسى مما ضرب فيروس كورونا العالم بأسره، حتى تبدو معاناة اللبنانيين ثلاثية الأضعاف وربما أكثر.
وبينما يتذكر هؤلاء طوابير تلك الأيام، يرفقونها بتذكر الحرب الأهلية، التي انتهت آخر زخات رصاصها وقذائفها عام 1990، لكنّهم مع ذلك لا يتوانون عن التأكيد أنّ أيام الحرب تلك كانت أفضل بكثير مما نعيشه اليوم من حرب على لقمة المواطن، تقتله ببطء مع قتل طموحه وآفاقه وكلّ أمل لديه بالخروج من الأزمة.
ليست المسألة أنّ السيدة الستينية لم تعد قادرة على وضع أكثر من أوقية لحم في طبختها، أو أنّها استبدلت الزبدة الدنماركية الشهيرة التي تحبها في طبخة الأرزّ، بزيت نباتي رخيص الثمن، بعدما ارتفع سعر أوقية الزبدة تلك من 4000 ليرة إلى 14 ألفاً. المسألة أخطر بكثير من ذلك وترتبط بأسعار لا تثبت على حال وهي دائمة الارتفاع كما البطالة دائمة الارتفاع، فيما رواتب من بقي في عمله لم تعد تكفي للحاجات الأساسية حتى. هل يعقل مثلاً أنّ راتب الأستاذ الجامعي الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً في منصبه، لم يعد يتجاوز 800 دولار أميركي (بحسب سعر الصرف في السوق السوداء)؟ هل يعقل أنّ ثمن الهاتف المحمول يصل إلى 18 ضعف الحدّ الأدنى للأجور (675 ألف ليرة أي ما يعادل 450 دولاراً رسمياً، فيما سعر الصرف غير الرسمي يجعل ذلك الحدّ الأدنى مجرد 67 دولاراً)؟ هل يعقل أنّ موظفاً رسمياً متقاعداً لم يهنأ أكثر من عام بتعويض نهاية خدمته الصرفي الذي بلغ 200 مليون ليرة لبنانية، كانت تعادل نحو 133 ألف دولار أميركي يوم وضعت في حسابه المصرفي، لم تعد تعادل اليوم أكثر من 20 ألف دولار؟ الأسوأ أنّه وغيره من المودعين في المصارف، خصوصاً بالدولار الأميركي، لا يملكون حرية التصرف بأموالهم.

موقف
التحديثات الحية


وفي هذه الأجواء، تنتشر في البلاد إشاعات حول حرب مقبلة، يربطها البعض بالعدو الصهيوني، وآخرون يؤكدون أنّها داخلية، لكنّ التوقعات الجدية لا ترى أفقاً لمثل هذه الحروب التي لا ينشر شائعاتها غير المستفيدين من إبقاء الوضع على ما هو عليه. فمن هم هؤلاء غير ثالوث الزعماء والرأسماليين الكبار وبعض رجال الدين، ممن لم يعرفوا يوماً، كما لم يعرف أبناؤهم، أيّ طابور خبز؟

المساهمون