غسّان سلامة.. تحدّي الداخل الليبي وتناقض الخارج

01 فبراير 2018

غسان سلامة في مؤتمر صحافي في روما (8/8/2017/الأناضول)

+ الخط -
استضافت أديس أبابا أعمال مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي، تحت شعار "الانتصار في معركة مكافحة الفساد، نهج مستدام نحو تحول أفريقيا". وكانت الأزمة الليبية حاضرة على جدول أعمال القمة. ونشط فيها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسّان سلامة، الذي أجرى عدة لقاءات مع مسؤولين وقادة أفارقة، في محاولته الدفع نحو إيجاد مخرج من الأزمة الليبية. وأكد، في تغريدات على "تويتر"، ضرورة زرع الأمل عند مختلف الأفرقاء بإمكانية خروج ليبيا من عثرتها، وضرورة عودتها دولة آمنة سيدة مستقلة، على الرغم من المصاعب والعثرات لما فيه خير أبنائها وجيرانها على السواء. وكان سلامة قد التقى رئيس تنزانيا السابق والممثل رفيع المستوى للاتحاد الأفريقي في ليبيا. وأجرى محادثات مع وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، وبحث مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، تطورات العملية السياسية في ليبيا.
يدرك المبعوث الأممي أهمية دور القوى الإقليمية الأفريقية في دعم خطته الطموحة "خطة العمل من أجل ليبيا" التي وضع لها سقفا زمنيا حتى سبتمبر/ أيلول 2018، للوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية، بانتخاب رئيس وبرلمان تحت إشراف الأمم المتحدة في بلدٍ مزقته الحروب الداخلية. ويعاني منه المواطن من ظروفٍ اقتصادية غاية في الصعوبة، لاسيما أن الاتفاق السياسي الليبي، بعد عامين على توقيعه في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، لم يؤدّ إلى حل الصراع السياسي والعسكري في ليبيا، أو إلى تقدم في مسار العملية السياسية. وما زالت ليبيا تئن تحت وطأة أزمات معقدة (سياسية، أمنية، اقتصادية وقبلية) قد تدخل البلاد في مزيد من الفوضى، يدفع ثمنها المواطن الليبي. لذا ارتكز غسان سلامة، في تحركاته الدبلوماسية، على قراءتين:
الأولى، قراءة المشهد السياسي والعسكري الداخلي: منذ اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، له مبعوثا جديدا له إلى ليبيا، بدأ وزير الثقافة اللبناني السابق، غسّان سلامة، عمله منذ نهاية يوليو/ تموز 2017 بعقد سلسلة من اللقاءات مع كل القوى السياسية
الليبية، فقد اجتمع برئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، وبالعقيد خليفة حفتر، وبرئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، وأجرى حوارات معمّقة مع كل القوى السياسية والمدنية في مدينة مصراته وطرابلس وبنغازي. على خلاف المبعوث السابق، مارتن كوبلر، ابتعد سلامة عن الإعلام والتصريحات. عمل مع فريقه بهدوء على صياغة خطته التي تبنّاها مجلس الأمن التي تقضي، بعد القيام بسلسلة من الإجراءات التشريعية والسياسية والأمنية، بإجراء انتخابات في سبتمبر/ أيلول 2018. وتمس التعديلات، على المستوى التشريعي، تعديل مواد في الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) وتركيبة المجلس الرئاسي ووضع الجيش الليبي، وطرح مشروع الدستور على البرلمان الليبي للتصديق عليه. أما المستوى السياسي فيتضمن عقد مؤتمر وطني برعاية أممية، يشمل مجلسي النواب والرئاسي، ومن همشوا واستبعدوا، بالتزامن مع إطلاق مصالحات محلية، مع التركيز على الكتائب المسلحة لدمجها بالمؤسسة العسكرية.
الثانية، قراءة خريطة التحالفات الإقليمية وتأثيرها على المشهد السياسي الداخلي الليبي: يسعى غسّان سلامة، من خلال الحراك الدبلوماسي، إلى الحصول على مزيد من الدعم لخطته، والتقليل من تأثير القوى الإقليمية في مسار الأزمة الليبية، أو على أقل تقدير جعله إيجابيا يخدم العملية السياسية، بدلا من أن يكون عاملًا معيقًا ومعقدًا لها. وفي النهاية، إيجاد حالة من التوافق الإقليمي في دعم خطته. إدراكًا منه أن النزاع الدائر في ليبيا لا يمكن فهمه وتوصيفه من دون التطرق إلى أدوار القوى الإقليمية، وفي مقدمتها الدول التي ترتبط جغرافيا فيها (مصر، الجزائر، تونس، تشاد) التي تملك شبكة من المصالح الاقتصادية والأمنية المعقدة في ليبيا، وقدرة على التأثير في مواقف القوى السياسية والعسكرية في ليبيا. وتسعى جاهدة أيضًا، في الوقت نفسه، إلى تعظيم دورها الإقليمي من البوابة الليبية. وهذا يستدعي، بالطبع، جهدًا مضاعفًا منه، ورغبة حقيقة من القوى المحلية (العسكرية والسياسية الليبية)، والقوى الإقليمية في التوصل إلى خريطة طريق، تقود، في نهاية المطاف، إلى الاستقرار في ليبيا.
05C60754-3195-4BA1-8C61-5E78E41A4B63
أحمد قاسم حسين

كاتب وباحث فلسطيني في مركز الأبحاث ودراسة السياسات، مقيم في الدوحة