غزة... رصاص الاحتلال يبتر الأحلام قبل الأقدام

10 ديسمبر 2018
رصاص الاحتلال يقلب حياة غزيين (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لن يتمكن الطاهي الفلسطيني أدهم الطهراوي (32 عاماً) من مدينة غزة المحاصرة، من مواصلة رحلته مع طبخ وتقديم المأكولات لزبائنه، بعد إصابته البالغة التي أدت تدريجياً إلى بتر ساقه اليسرى.

وفي مقر منظمة "أطباء بلا حدود" إلى الغرب من مدينة غزة، التقى مراسل "العربي الجديد" عدداً من المصابين المبتورة أطرافهم، لمعرفة تأثير تلك الإصابة على حياتهم الاجتماعية والمهنية، وسير حياتهم اليومية.

وبدا أن الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان يوماً مفصلياً في حياة الشاب الطهراوي، إذ رافق أصدقاءه إلى المسير البحري قبالة موقع "زيكيم" الإسرائيلي شمال القطاع، للمشاركة في المسيرات الشعبية السلمية التي تطالب بإنهاء الحصار والاحتلال الإسرائيلي.

وقال أدهم الطهراوي وهو أب يعيل أسرة مكونة من أربعة أفراد، إنه لم يشعر بقدميه لحظة الإصابة، إذ أصيب بطلق متفجر في ساقه اليمنى، خرج إلى ساقه اليسرى، واستقر فيها بعد انفجاره، ليبدأ رحلة طويلة من العلاج انتهت ببتر ساقه.

وعن تفاصيل ذلك أوضح: "تم نقلي إلى مستشفى الشفاء لحظة الإصابة، وهناك عالجوا القدمين (..) بقيت أتلقى العلاج لمدة شهر ونصف الشهر، إلى أن اقتربت من الشفاء، وتابعت العلاج مع طبيب العلاج الطبيعي".

وتابع "انفجر الشريان المغذي لقدمي بعد ذلك، ما استدعى إجراء عملية لربطه، لكن ذلك منع وصول الكمية المناسبة من الدم إليها، ما أدى إلى تأثرها تدريجياً حتى أخبرني الأطباء بضرورة بترها، وهذا ما حدث فعلاً".

الاحتلال يسبب إعاقات دائمة تعطل سير الحياة (عبد الحكيم أبو رياش) 

وواصل الطهراوي الذي امتزج حديثه بآهاته نتيجة آلام البتر: "توقفت حياتي، وفقدت عملي في المطعم الذي كنت أقتات منه أنا وعائلتي الصغيرة، ولم أعد قادراً على ممارسة حياتي بشكلها الطبيعي، واختلف كل شيء من حولي". وأوضح أنه لم يكن يشكل أي خطر على جنود الاحتلال حين أطلقوا عليه الرصاص، مشيراً إلى أنّ "الإصابة أقعدتني في بيتي، وجعلتني عاجزاً عن توفير أدنى متطلبات الحياة لأسرتي".

إلى جواره، كان يستلقي الشاب صلاح عُراب (15 عاماً)، وهو طالب في الصف الأول الثانوي في مدرسة سامي يوسف العلمي في منطقة الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، بعد أن اخترقت جسده النحيل رصاصة أفقدته قدمه وجعلته طريح الفراش.

وحكى عُراب لـ "العربي الجديد" كيف توقف عن الدراسة منذ اللحظة الأولى لإصابته، قبل قرابة خمسة أسابيع، ما تسبب بفقدانه نسبة كبيرة من دروسه، جراء عدم مقدرته على الالتزام بالدوام اليومي لأن إصابته بالغة. وعن تفاصيل إصابته، قال: "ذهبت مع مجموعة من أقاربي إلى مخيم ملكة شرق مدينة غزة للمشاركة في مسيرات العودة وكسر الحصار، كنا نهتف لزوال الاحتلال وإنهاء الظلم الواقع على المُحاصرين في غزة".

بانتظار شفاء الجروح كي يتابع دراسته(عبد الحكيم أبو رياش) 

وأخبر أنه أصيب بطلق ناري متفجر، غاب على أثره عن الوعي، ثم نقل إلى مستشفى الشفاء لتلقي العلاج اللازم، وتركيب البلاتين لإعادة قدمه لوضعها الطبيعي، إلى أن تدهورت حالته الصحية، وانفجر الشريان المغذي للقدم ثلاث مرات، ما دفع الأطباء إلى إخبار أهله بضرورة بتر القدم حفاظاً على حياتي.

وأوضح أنه يتابع مسيرته العلاجية مع منظمة "أطباء بلا حدود"، "للتغيير على الجرح، ومتابعة العلاج"، مضيفاً: "سأحاول التغلب على الإصابة وإكمال مسيرتي التعليمية بعد تماثلي للشفاء".

وأشار نائب منسق المشاريع في منظمة "أطباء بلا حدود" أيمن الجاروشة، إلى أنّ ما تقدمه المنظمة للجرحى هي خدمة ما بعد العمليات في مختلف العيادات الموجودة من شمال قطاع غزة حتى جنوبه. وقال الجاروشة لـ"العربي الجديد": "لدينا أربع فرق جراحة تجري العمليات بالتعاون مع وزارة الصحة، إلى جانب جلسات العلاج الطبيعي (..) نحاول تقديم الخدمة المثلى لتلك الحالات حتى يستعيدوا قدراتهم الجسدية".

وعن القدرة الاستيعابية لخدمات المنظمة، أوضح الجاروشة أن العيادات الموجودة في غزة تستقبل أعداداً كبيرة، وتوفر الخدمات اللازمة عبر طواقمها المحلية والدولية، بالإضافة إلى اختصاصيين وجراحي عظام دوليين.

وعن الأدوية والمستهلكات الطبية اللازمة لتغطية احتياجات الجرحى على الرغم من الصعوبات العلاجية التي أعلن عنها أخيراً، لفت الجاروشة إلى أن المنظمة "تسابق الزمن رغم الأوضاع الحالية حتى تستطيع توفير كل ما يلزم للجرحى، في حين تعمل فرقنا على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع لتحقيق ذلك".

وسبق لمنظمة "أطباء بلاد حدود" الدولية أن حذّرت من أن جرحى قطاع غزة، معرضون للخطر نظرا لارتفاع عددهم، وخطورة إصاباتهم، وعدم مقدرة الجهاز الطبي في القطاع على علاجهم.

وقالت المنظمة في بيان سابق، إن "العدد الكبير من جرحى العيارات النارية في غزة، ذوي الإصابات المعقدة والخطيرة، يفوق قدرة النظام الصحي على الاستجابة لها، وستؤدي هذه الجروح إلى إعاقات جسدية ترافق الكثيرين طيلة حياتهم، وقد تكون نتيجة التهابات الجروح البتر أو حتى الوفاة".
المساهمون