02 نوفمبر 2024
غزة .. دعوة إلى التفكير في صيغة دولية
يعاني قطاع غزة محنة أليمة، فجيش الاحتلال الإسرائيلي يجد في القطاع الضيّق، والمكتظ بسكانه، مجالاً نموذجياً لاستعراض ساديته العسكرية، وإرهاب الرازحين تحت الاحتلال في الضفة الغربية. وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن احتمال اجتياح بريّ، فإن القيادة الصهيونية السياسية والعسكرية ترتئي على الدوام (باستثناء الحرب بين نهاية 2007 وبداية 2008) استعراض سلاحها الجوي الفتاك، وإمطار القطاع بالقنابل: 440 غارة حتى فجر الخميس 10 يوليو/تموز الجاري.
يُراد بالتصعيد الدوري الذي يلجاً إليه الاحتلال منع أهل القطاع من التمتع بحياة عادية، وإدامة الفصل بينهم وبين شعبهم في الضفة الغربية المحتلة، وتدمير البنى التحتية، والحؤول دون امتلاك فصائل المقاومة أية قوة دفاعية يُعتدّ بها، وتجريدها، إن أمكن، من أي سلاح. يراد كذلك استهداف حركة حماس، قياداتٍ وأفراداً ومناصرين، وإشعارها بأن الخطوة الوفاقية التي خطتها مع السلطة في رام الله لن توفر لها أية حماية من بطش الاحتلال. ويستذكر المرء الهستيريا التي أصابت حكومة نتنياهو، والمجتمع السياسي الصهيوني، إزاء تلك الخطوة قبل أشهر.
من الواضح أن التحضير لهذا التصعيد بدأ مع الإعلان عن اختطاف ثلاثة مستوطنين، ثم اكتشاف مقتلهم قرب الخليل. قام الاحتلال بالتهويل من شأن هذه العملية، ولأغراضٍ سياسيةٍ غير خافية، في مقدمها الإيحاء بأن وجود الغزاة المستوطنين في الضفة الغربية طبيعي و"راسخ"، كشأن وجود الفلسطينيين أبناء الضفة الغربية، وأن المساس بهؤلاء الغزاة اختراق لمحرمات. جرى توجيه الاتهام لحركة حماس منذ البداية. وتم اعتقال كوادر للحركة في الضفة الغربية إثر ذلك. والتصعيد الوحشي والاستعراضي الجديد ضد القطاع، وأهله، فصل جديد من هذه الهستيريا التي يمتاز بها اليمين الأشد تطرفاً، صاحب العقيدة التوسعية العنصرية عن إسرائيل كبرى، ومشروعها.
أبدت الفصائل صموداً مشهوداً، وتكرست الوحدة الوطنية الفصائلية الميدانية على أفضل ما يكون في مواجهة العدوان المتواصل، حتى ساعة كتابة هذه المتابعة. وكشفت هذه الفصائل عن قدراتٍ عسكريةٍ في استهداف تل أبيب وحيفا بصواريخ، وهي السلاح الوحيد المتاح في غيبة الأسلحة الأخرى من طائرات ومدفعية وقوات نظامية. وقيمتها رمزية، ودلالتها سياسية في إبلاغ الإسرائيليين بأنهم، على الرغم من تفوقهم العسكري، ليسوا في مأمن حيثما يكونون، والخطر يمكن أن يهددهم هم أيضاً، لا الفلسطينيين فحسب.
ولأن الصمود قيمة وطنية، وإطلاق الصواريخ ذو دلالة رمزية في النزال شبه العسكري، من الجانب الفلسطيني، فإن من الواجب العمل على تثمير هاتين الميزتين، لموازنة الخسائر الفادحة في الأرواح، والبليغة في الممتلكات، خصوصاً البيوت السكنية. وهنا يسترعي الانتباه إلى أن رد الفعل الخارجي الدولي بات يتسم أكثر فأكثر بالانحياز إلى الجانب الإسرائيلي المعتدي، وحتى من دون الحرص على توازن دبلوماسي شكلي. ليس هذا الأمر جديداً، لكنه مطّرد في سلبيته. وقد استغلت تل أبيب جيداً الانشغال الدولي بأوكرانيا وسورية والعراق، وبالمونديال والصعود الإعلامي لداعش، من أجل تجريد حملة شرسة، مُريحة سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً.
الجانب الفلسطيني، في غزة ورام الله، يتخذ موقفاً دفاعياً مشروعاً باللجوء إلى مجلس الأمن، لكنه موقف روتيني وغير كاف، فمنذ الإعلان عن خطوات المصالحة وتشكيل حكومة ائتلافية، لم يتصر إلى بلورة رسالة سياسية إلى العالم، مفادها أنّ هذه الخطوة تعكس وحدة شعب فلسطين ووحدة أرضه المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليست مجرد ضم حماس لحكومة ائتلافية، ولم يُصَر إلى بلورة وثيقة تجسد رؤىً مشتركة، وتعكس التنوع السياسي والاجتماعي القائم، كما في كل المجتمعات والبلدان. لم يزر أحد من رموز السلطة في رام الله غزة، ولا أبدت حماس ترحيباً بمثل هذه الزيارات. لذلك، بقيت الخطوة الوفاقية معلقة في فراغ سياسي، أو ازدواجية سلطوية. خصوصاً أن شيئاً كثيراً لم يتغير في القطاع، فبدلاً من حكومة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، فقد واظبت الحركة على إدارة القطاع منفردة على الصعيد الأمني والإداري. ولذلك، يسهل، الآن، على تل أبيب ادعاء أنها تستهدف حماس، فيما يسقط المدنيون بالعشرات. وتخفق الفصائل الأخرى، اليسارية خصوصاً، في الدفع نحو واقع وحدوي، وتنشغل، بدلاً من ذلك، بفُرَص المحاصصة مع الفصيلين الكبيرين (فتح وحماس). وحتى في موضوع المستوطنين الثلاثة واختطافهم ومصرعهم، فإن أحداً لم يهتبل الفرصة، لإثارة موضوع الاستيطان غير الشرعي في أرض الغير، وللتأشير بأوضح العبارات إلى أن أفضل سبيل لضمان سلامة المستوطنين هو عدم الاستيلاء على أرض الغير، وعودة هؤلاء من حيث أتوا. هذا فيما يواصل الاحتلال تطبيع نظرة العالم إلى المستوطنين على أنهم مجرد سكان مدنيين. وحتى في مسألة الانسحاب من قطاع غزة، منذ صيف العام 2005، فالواجب تظهير أن القطاع ما فتئ يتعرض لحصار بحري وجوي وبرّي مع الضفة الغربية، وأن كلاً من مصر والسلطة الفلسطينية وحماس فشلوا في تنظيم العلاقة حول معبر رفح، المنفذ الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي، ما جعل نحو مليون و850 ألفاً من أبناء القطاع عرضة لمنع التحرك ومغادرة القطاع والعودة إليه، في أي وقت، نظراً للإغلاقات المتكررة من الجانب المصري، علماً أن لمصر حقوقاً لا تُنازَع في حفظ أمنها، ومن الحصافة، وحتى البداهة، مراعاة حقوق الآخرين وراء الحدود.
ليس هذا وقت إلقاء دروس ومواعظ، ولا يرغب الكاتب في إلقائها في أي وقت كان، غير أن بطولة غزة، المقترنة بمحنتها المتوالية فصولاً، ومنها المحنة الراهنة، تتطلب تشكيل ما يمكن تسميته خلية أزمة دائمة تدرأ عن القطاع وأهله الاستضعاف الدائم من طرف الاحتلال، أو انفراد فصيل ما بنشاط عسكري غير متفق عليه. بما في ذلك السعي إلى تنظيم العلاقة مع الدولة المصرية، وصولاً إلى السعي إلى صيغة مرْعيّة دولياً، تمنع الاحتلال من استهداف القطاع، وترفع الحصار عنه، وتعترف، عملياً وسياسياً، بأن القطاع كيان قائم خارج الاحتلال، ولا سلطة للدولة العبرية عليه بأي وجه، مع ما يترتب على ذلك من التزامات وتعاقدات، لا تمس بوحدة أرض فلسطين وشعبها، وإلا فما قيمة انسحاب العام 2005 من القطاع، إذا لم يستوفِ جوانبه القانونية و"السيادية"؟
يُراد بالتصعيد الدوري الذي يلجاً إليه الاحتلال منع أهل القطاع من التمتع بحياة عادية، وإدامة الفصل بينهم وبين شعبهم في الضفة الغربية المحتلة، وتدمير البنى التحتية، والحؤول دون امتلاك فصائل المقاومة أية قوة دفاعية يُعتدّ بها، وتجريدها، إن أمكن، من أي سلاح. يراد كذلك استهداف حركة حماس، قياداتٍ وأفراداً ومناصرين، وإشعارها بأن الخطوة الوفاقية التي خطتها مع السلطة في رام الله لن توفر لها أية حماية من بطش الاحتلال. ويستذكر المرء الهستيريا التي أصابت حكومة نتنياهو، والمجتمع السياسي الصهيوني، إزاء تلك الخطوة قبل أشهر.
من الواضح أن التحضير لهذا التصعيد بدأ مع الإعلان عن اختطاف ثلاثة مستوطنين، ثم اكتشاف مقتلهم قرب الخليل. قام الاحتلال بالتهويل من شأن هذه العملية، ولأغراضٍ سياسيةٍ غير خافية، في مقدمها الإيحاء بأن وجود الغزاة المستوطنين في الضفة الغربية طبيعي و"راسخ"، كشأن وجود الفلسطينيين أبناء الضفة الغربية، وأن المساس بهؤلاء الغزاة اختراق لمحرمات. جرى توجيه الاتهام لحركة حماس منذ البداية. وتم اعتقال كوادر للحركة في الضفة الغربية إثر ذلك. والتصعيد الوحشي والاستعراضي الجديد ضد القطاع، وأهله، فصل جديد من هذه الهستيريا التي يمتاز بها اليمين الأشد تطرفاً، صاحب العقيدة التوسعية العنصرية عن إسرائيل كبرى، ومشروعها.
أبدت الفصائل صموداً مشهوداً، وتكرست الوحدة الوطنية الفصائلية الميدانية على أفضل ما يكون في مواجهة العدوان المتواصل، حتى ساعة كتابة هذه المتابعة. وكشفت هذه الفصائل عن قدراتٍ عسكريةٍ في استهداف تل أبيب وحيفا بصواريخ، وهي السلاح الوحيد المتاح في غيبة الأسلحة الأخرى من طائرات ومدفعية وقوات نظامية. وقيمتها رمزية، ودلالتها سياسية في إبلاغ الإسرائيليين بأنهم، على الرغم من تفوقهم العسكري، ليسوا في مأمن حيثما يكونون، والخطر يمكن أن يهددهم هم أيضاً، لا الفلسطينيين فحسب.
ولأن الصمود قيمة وطنية، وإطلاق الصواريخ ذو دلالة رمزية في النزال شبه العسكري، من الجانب الفلسطيني، فإن من الواجب العمل على تثمير هاتين الميزتين، لموازنة الخسائر الفادحة في الأرواح، والبليغة في الممتلكات، خصوصاً البيوت السكنية. وهنا يسترعي الانتباه إلى أن رد الفعل الخارجي الدولي بات يتسم أكثر فأكثر بالانحياز إلى الجانب الإسرائيلي المعتدي، وحتى من دون الحرص على توازن دبلوماسي شكلي. ليس هذا الأمر جديداً، لكنه مطّرد في سلبيته. وقد استغلت تل أبيب جيداً الانشغال الدولي بأوكرانيا وسورية والعراق، وبالمونديال والصعود الإعلامي لداعش، من أجل تجريد حملة شرسة، مُريحة سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً.
الجانب الفلسطيني، في غزة ورام الله، يتخذ موقفاً دفاعياً مشروعاً باللجوء إلى مجلس الأمن، لكنه موقف روتيني وغير كاف، فمنذ الإعلان عن خطوات المصالحة وتشكيل حكومة ائتلافية، لم يتصر إلى بلورة رسالة سياسية إلى العالم، مفادها أنّ هذه الخطوة تعكس وحدة شعب فلسطين ووحدة أرضه المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليست مجرد ضم حماس لحكومة ائتلافية، ولم يُصَر إلى بلورة وثيقة تجسد رؤىً مشتركة، وتعكس التنوع السياسي والاجتماعي القائم، كما في كل المجتمعات والبلدان. لم يزر أحد من رموز السلطة في رام الله غزة، ولا أبدت حماس ترحيباً بمثل هذه الزيارات. لذلك، بقيت الخطوة الوفاقية معلقة في فراغ سياسي، أو ازدواجية سلطوية. خصوصاً أن شيئاً كثيراً لم يتغير في القطاع، فبدلاً من حكومة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، فقد واظبت الحركة على إدارة القطاع منفردة على الصعيد الأمني والإداري. ولذلك، يسهل، الآن، على تل أبيب ادعاء أنها تستهدف حماس، فيما يسقط المدنيون بالعشرات. وتخفق الفصائل الأخرى، اليسارية خصوصاً، في الدفع نحو واقع وحدوي، وتنشغل، بدلاً من ذلك، بفُرَص المحاصصة مع الفصيلين الكبيرين (فتح وحماس). وحتى في موضوع المستوطنين الثلاثة واختطافهم ومصرعهم، فإن أحداً لم يهتبل الفرصة، لإثارة موضوع الاستيطان غير الشرعي في أرض الغير، وللتأشير بأوضح العبارات إلى أن أفضل سبيل لضمان سلامة المستوطنين هو عدم الاستيلاء على أرض الغير، وعودة هؤلاء من حيث أتوا. هذا فيما يواصل الاحتلال تطبيع نظرة العالم إلى المستوطنين على أنهم مجرد سكان مدنيين. وحتى في مسألة الانسحاب من قطاع غزة، منذ صيف العام 2005، فالواجب تظهير أن القطاع ما فتئ يتعرض لحصار بحري وجوي وبرّي مع الضفة الغربية، وأن كلاً من مصر والسلطة الفلسطينية وحماس فشلوا في تنظيم العلاقة حول معبر رفح، المنفذ الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي، ما جعل نحو مليون و850 ألفاً من أبناء القطاع عرضة لمنع التحرك ومغادرة القطاع والعودة إليه، في أي وقت، نظراً للإغلاقات المتكررة من الجانب المصري، علماً أن لمصر حقوقاً لا تُنازَع في حفظ أمنها، ومن الحصافة، وحتى البداهة، مراعاة حقوق الآخرين وراء الحدود.
ليس هذا وقت إلقاء دروس ومواعظ، ولا يرغب الكاتب في إلقائها في أي وقت كان، غير أن بطولة غزة، المقترنة بمحنتها المتوالية فصولاً، ومنها المحنة الراهنة، تتطلب تشكيل ما يمكن تسميته خلية أزمة دائمة تدرأ عن القطاع وأهله الاستضعاف الدائم من طرف الاحتلال، أو انفراد فصيل ما بنشاط عسكري غير متفق عليه. بما في ذلك السعي إلى تنظيم العلاقة مع الدولة المصرية، وصولاً إلى السعي إلى صيغة مرْعيّة دولياً، تمنع الاحتلال من استهداف القطاع، وترفع الحصار عنه، وتعترف، عملياً وسياسياً، بأن القطاع كيان قائم خارج الاحتلال، ولا سلطة للدولة العبرية عليه بأي وجه، مع ما يترتب على ذلك من التزامات وتعاقدات، لا تمس بوحدة أرض فلسطين وشعبها، وإلا فما قيمة انسحاب العام 2005 من القطاع، إذا لم يستوفِ جوانبه القانونية و"السيادية"؟