"وكأن الاقتصاد لم يكن"، بهذه الكلمات بدأ التاجر الغزي، خليل الكحلوت، وصف وضع أسواق القطاع بعد العدوان الإسرائيلي، الذي لم يُبق ولم يذر، بل وضرب بيد ممتلئة بالمتفجرات، كل القطاعات التجارية، "لتصبح أسواقنا مدناً للأشباح".
أيام قليلة من العدوان كانت كفيلة لإعادة الأسواق واقتصاد غزة إلى عام 2007، حين وصل الحصار المالي والاقتصادي والتجاري الى أوجه، بل ورفعت، أيام العدوان، البطالة إلى نسب غير مسبوقة محلياً، لتستقر عند 50٪ ، وفقاً لمحللين اقتصاديين.
البدء من الصفر
وعلى الرغم من تراجع أرقام أنشطة الأعمال، والتي تصدر شهرياً عن سلطة النقد الفلسطينية (المؤسسة القائمة بأعمال البنك المركزي)، من 14٪ خلال النصف الأول من العام الماضي، إلى -11٪ خلال يونيو/ حزيران الفائت، بسبب تشديد الحصار ممثلاً بإغلاق الأنفاق وهدمها مع مصر، إلا أن أيام الحرب قطعت جهاز التنفس عن الاقتصاد المحلي نهائياً، بحسب حديث للخبير الاقتصادي نافذ أبو بكر.
وقال أبو بكر خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن كافة النشاطات الاقتصادية في غزة، ستحصي خسائرها جرّاء العدوان الحالي، بدءاً من الشركات والمصانع، وليس انتهاءً بمحال البقالة الصغيرة، في حارات القطاع.
وأضاف إن "أسواق التجزئة في غزة ستبدأ العمل من الصفر، حالَ انتهاء الحملة العسكرية، حيث لا بنية تحتية، ولا رأس مال يبدأ التاجر فيه عمله، ولا زبائن لديهم القوة الشرائية الطبيعية، "حيث استنزفت البطالة المرتفعة أية مدخرات للأفراد والعائلات".
وقدر أبو بكر حجم الخسائر الاقتصادية اليومية بملايين الدولارات، "الأسواق مغلقة، والمصانع دمرت، والمزارع والدفيئات الزراعية قصفت، والمؤسسات العاملة مغلقة حتى أجل غير مسمى، وبالتالي لا بيع ولا إنتاج".
توقف عمل المصانع
يذكر أن مؤتمراً للاستثمار، كان من المزمع عقده في غزة نهاية الشهر القادم، بمبادرة من القطاع الخاص الفلسطيني، لتحريك عجلة نموه، خصوصاً مع تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتواصل "العربي الجديد" مع أحد القائمين على المؤتمر، إلا أنه أكد أن الموضوع معلق حالياً، انتظاراً لما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض".
وبحسب أرقام رسمية صادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني، يعمل في قطاع غزة، حتى نهاية الربع الأول الماضي، قرابة 400 مصنع، كانت تمارس عملها حتى قبل أسبوع، والآن هي متوقفة بالكامل.
ويرى الباحث الاقتصادي من غزة، عمر شعبان، بأن العدوان على القطاع، جاء تزامناً مع تراجع اقتصادي كبير، "حيث لا أنفاق عاملة، ولا سماح إسرائيلياً بإدخال المواد الخام، وأزمة مالية وأزمة رواتب".
وقال إن العدوان، الذي طال الاقتصاد المتهالك، "سيكون ضرره مضاعفاً، لأننا في هذه الحالة سنبدأ من أرقام أقل من صفر بكثير، لأن البنية التحتية دمرت بالكامل".
وتابع، "على سبيل المثال، فإن 350 منزلاً دمر بالكامل خلال أيام الحرب العشرة، عدا عن تدمير جزئي لأكثر من 1250 منزلاً آخرَ. هذه تبلغ تكلفتها في السوق قرابة 50 مليون دولار أميركي".
ومضى قائلاً، "من سيعيد بناء هذه المنازل؟ ومن أين له رأس المال لذلك (...)؟ مئات العائلات، التي تضررت منازلها من حرب 2008 و 2012، ما زالت تعيش في العراء، وكذلك الحال سينسحب على متضرري الحرب الحالية".
وباستثناء بعض المخابز، والمحال التجارية في المناطق الأقل قصفاً، فإن الحركة في السوق سيئة، وعجلة الإنتاج متوقفة، مما يعني أن الناتج المحلي توقف بشكل كامل خلال عشرة أيام في غزة.
بطالة وفقر
ولم يكن القطاع المصرفي في غزة أفضل حالاً، فقد توقف قبل أيام من العدوان، بسبب الخلافات المرتبطة برواتب موظفي حماس، مما يعني أن آلاف عمليات التحويل، والمعاملات المصرفية متوقفة.
ويبلغ إجمالي ودائع سكان قطاع غزة نحو 860 مليون دولار أميركي، أي 10٪ من إجمالي الودائع في فلسطين، بينما يبلغ عدد السكان قرابة 1.8 مليون نسمة، فيما يبلغ حجم التسهيلات المقدمة لهم حتى نهاية الربع الأول الماضي، قرابة 500 مليون دولار أميركي من أصل 4.6 مليار دولار إجمالي التسهيلات في الضفة وغزة.
وفي سؤال لمراسل "العربي الجديد" حول النتائج غير المباشرة للعدوان، قال شعبان إنه من الصعوبة بمكان إحصاء قيمة أو حجم النتائج الاقتصادية غير المباشرة، لأنها مرتبطة باستشهاد ما لا يقل عن 100 معيل لأسرته، وارتفاع نسب البطالة والفقر، والبحث عن فرص عمل جديدة بين الدمار".
ومضى قائلاً: "نسب الفقر المرتفعة أصلاً ستزداد مع استمرار الحرب، وأتوقع أن تتجاوز حاجز 50٪ في حال استمر العدوان عدة أيام قادمة، مما يعني أن غزة ستخرج من العدوان منكوبة".
وأشار إلى أن الحالة النفسية ستدفع أصحاب رؤوس الأموال في القطاع إلى التفكير أكثر من مرة قبل ضخ أي شيكل في السوق، "غزة تعيش وتعمل فوق قنبلة موقوتة، بأية لحظة معرضة للانفجار".
وأكد شعبان أن سكان القطاع تجاوزوا موضوع حكومة التوافق، "لأنها بعد شهرين تقريباً لم تفعل شيئاً إيجابياً للسكان، بل على العكس تفاقمت مشكلة الرواتب وأغلقت البنوك بسببها".
وأشار إلى أن السكان لم يعودوا يعولون على الحكومة كثيراً، "بل إنهم الآن أكثر إيماناً بأن المصالحة وما تبعها من تشكيل للحكومة ولجان اقتصادية وقانونية لم تكن إلا عرضاً إعلامياً".
وكذلك، ينسحب الحال على الدعم العربي والدولي، المتراجع أساساً، بسبب الأوضاع الإقليمية، والحروب والاضطرابات في عدد من دول الطوق. يقول الباحث الاقتصادي.