غاز مصر المستباح.. إذ يترك الشباب بلا موارد

18 ديسمبر 2014
يشكل نقص الغاز أحد العوامل الأساسية لأزمة مصر الاقتصادية(Getty)
+ الخط -

أثيرت في الأيام الماضية قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل بعد أن غابت عن الساحة لفترة، وإن غابت هذه القضية التي لطالما كانت محل جدل دائم خلال السنوات السبع الماضية، فقد عادت مجددًا وبقوة إلى الرأي العام عقب تزايد الحديث عن حقل "أفروديت" والذي يدور حول التنازع الثلاثي "الإسرائيلي – القبرصي – المصري".

يعود أصل القضية عندما قام رجل الأعمال المصري الهارب، حسين سالم، بإنشاء شركة بترول تدعى "غاز شرق المتوسط EMG"، والتي قامت سلطة الاستثمار في الحكومة المصرية بمنح رخصة حصرية لبيع الغاز المصري لشركة غاز شرق المتوسط التي أنشأها سالم، و كان سامح فهمي حينها وزيرًا للبترول في عهد المخلوع حسني مبارك، وكان نص العقد ينصب حول بيع مصر الغاز لشركة EMG، لتقوم الشركة بدورها ببيع الغاز إلى إسرائيل بثمن بخس، ومما ضاعف الجدل حول هذه الصفقات هو أن يوسي ميمون، العميل السابق لجهاز الموساد الاسرائيلي للمهام الخارجية، كان شريكًا لسالم في هذه الشركة، وقد عيّن بدوره شابتاي شافيت، الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، في منصب رفيع في الشركة.

ويدور الصراع حاليًا بين الدول الثلاث "مصر – إسرائيل – قبرص" حول أحقية كل منها في الاستحواذ على حقل غاز أفروديت في حين أن الفيصل هنا هو الترسيم الحدودي، وبعد الحقل عن شواطئ كل من هذه الدول، يأتي ذلك بعد اكتشاف قبرص لأحد أكبر احتياطات الغاز الطبيعي في العالم.

وتقدر المؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجى "United States Geological Survey" حجم الموارد النفطية والغازية فى شرق البحر المتوسط بـ1.7 بليون برميل من النفط و122 تريليون قدم مكعب من الغاز. والنزاع على المخزون النفطى ومخزون الغاز الطبيعى مشتعل فى المنطقة غير المستقرة أساساً.

وفي إطار الصراع المصري القبرصي على "أفروديت"، توصل الطرفان لعقد اتفاق في عام 2004 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة حتى يتم حسم الأمر على أساس خط المنتصف، وبالاطلاع على الخريطة البحرية الدولية أن يتم الاتفاق بين الطرفين، بناء على طلب أي منهما، على إجراء أي تعديلات إضافية لزيادة ودقة توقيع خط المنتصف عند توافر بيانات أكثر دقة وموثقة.

كما نصت الاتفاقية على أنه "في حالة وجود امتدادات للموارد الطبيعية، تمتد بين المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الأطراف وبين المنطقة الاقتصادية الخالصة للطرف الآخر، يتعاون الطرفان من أجل التوصل إلى اتفاق حول سبل استغلال تلك الموارد"، ونصت أيضًا على أنه "إذا دخل أحد الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقته الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى".

ويبدو أن الأمر الذي استدعى الشك هنا، هو عدم مطالبة الحكومة المصرية بأحقية امتلاكها لحقل أفروديت بعد أن اكتشفته قبرص، لماذا لم تتحرك الحكومة المصرية لإثبات حقها في امتلاك أفروديت؟ هل كان هنالك تواطؤ ملحوظ من قبل الحكومة المصرية لصالح إسرائيل في هذا الأمر؟

في ديسمبر/كانون الأول 2013 وقع الرئيس المصري السابق عدلي منصور اتفاقية وضع الكثير من علامات الاستفهام حول توقيعها مع الجانب القبرصي، والتي بدورها تحظر على مصر التنقيب في طول 10كم داخل المياه المصرية دون موافقة قبرص، ودون أن يتم الحظر على قبرص بنفس المسافة في المياه القبرصية، وهو ما أشبه بعقد الاذعان في القانون، ويعني ذلك أنه من حق قبرص القيام بأعمال الحفر والتنقيب والتطوير في حقل أفروديت بأرباح تصل إلى 10 مليارات دولار سنويا، بينما مصر لن يسمح لها بالقيام بتلك الأعمال التي هي من حقها الأصيل، ولكن ذلك قد تم إهداره بتوقيع الرئيس المؤقت، منصور، لاتفاقية هزلية كانت من ضمن سلسلة هزلية من الأدوار التي قامت بها القيادة المصرية في إطار إهدار ثروات مصر المتمثلة في الطاقة، في مواقف غير مفهومة على الإطلاق.

وفي هذا السياق، يرى الباحث المصري، عمروعبد العاطي، أن "المشكلة الرئيسيىة بين مصر والاحتلال الإسرائيلي في أساسها تتعلق بالجانب القانوني، والمشاكل القانونية التي تنتج في حال المساس بالمعاهدات بغرض تعديلها أو إلغائها، والتي تعتمد على أساس "توريث المعاهدات" بمعنى أنه لا يستطيع النظام الجديد الذي يمسك بالحكم أن يلغي أو يعدل الاتفاقات التي تمت في عهد الرؤساء السابقين، حتى إن إرتأى النظام الجديد أن الاتفاقات المبرمة مسبقا لا تصب في المصالح العليا للبلاد، وتضر بها، وحتى يتم التعديل في الاتفاقيات لا بد أن يقوم الطرفان بالتفاوض حول الاتفاقية المبرمة مسبقا وأن يكون التعديل بما يتفق عليه إجماعا كلا الطرفين".

وليس خافيا أن الغاز المصري حلقة تدور حول العلاقات المصرية الإسرائيلية في إطار سياسي دولي، فالجانب المصري قد حصل "مكاسب" سياسية من الجانب الإسرائيلي بنيله الرضا من الولايات المتحدة، وهو ما تهدف إليه القاهرة، كون علاقتها بتل أبيب تبدأ من واشنطن، وظهر ذلك أيضا في الدعم الذي يحصل عليه الجانب المصري من داخل الكونغرس الأميركي، عن طريق الدور الذي يلعبه "اللوبي الصهيوني" داخل الكونغرس، لتحقيق بعض المصالح للنظام المصري وتمريرها، كالتصويت بعدم قطع المعونة الأميركية عن مصر، وهو ما تقابله أثمان يؤديها النظام المصري لتل أبيب في أكثر من ملف يتعلق بمصر والمنطقة، وبشكل مركزي القضية الفلسطينية.

ومما لاشك فيه، أن المسؤولين المصريين قد أسآؤوا التقدير حينما ظنوا أن لمصر مخزوناً كافياً من الوقود يكفيها لسنوات في المستقبل، فقاموا بتصدير الغاز لإسرائيل، ناهيك عن الثمن البخس الذي صُدر به، إلا أن فساد تلك الحكومة أعماها عن كل ذلك وجعلها تصدر الغاز بكميات كبيرة، غير آبهة بمستقبل طاقة مجتمع جله من الشباب وتزداد نسبة المواليد من عام إلى عام، مما فاقم أزمة نقص الغاز الطبيعي، وانعكس بالتالي على الحياة الداخلية، متمثلاً في إحداث إحدى أكبر الأزمات المعيشية التي تمر بها مصر، وهي أزمة انقطاع التيار الكهربائي وأزمة اسطوانات غاز الطهي.

وعقب الخبير الاقتصادي، محمود كمال، على الاتفاقيات التي تقوم بها مصر بشأن الغاز مع إسرائيل، ومجمل الرؤية المستقبلية لموضوع الطاقة، بأن مصر "تهدر جانبا ضخما من ثروتها بشكل غير منطقي، ولا يراعي حاجات مجتمعها المتوالد، وحجم شريحة الشباب فيه التي تبشر بزيادة سكانية غير هينة في المستقبل القريب. والوضع الحالي معقد للغاية، حيث إن مصر تعيش أزمة اقتصادية حادة يشكل نقص الغاز فيها أحد العوامل الرئيسية".

ومما لا متسع للشك فيه، أن النتيجة، أو الأفق المستقبلي لهذه الأزمة، ولأي حراك شعبي للضغط باتجاه حلها يبقى مبهما، أو ربما منعدما، خاصة بعد تتبع مسيرة تعاطي النظام الحالي فيما يتعلق بالجانب السيادي المصري أمام الإسرائيلي، وهو ما يعكس غموض مستقبل الطاقة في مصر، ويهدد بمزيد من الاستقواء الإسرائيلي على المصالح القومية المصرية، إنه مستقبل أكثر من 80 مليون مصري يواجهون مشاكل الطاقة، إنه مستقبل مجتمع فتي معظم أفراده ما يزالون في بداية طريقهم، فأي تنمية يمكن تحقيقها دون اطمئنان على مقدرات الطاقة لأي مجتمع يبتغي هذه التنمية.


*مصر

المساهمون