يحلّ عيد الفطر والحرب قائمة في سورية. وفي حين يرى أهل الاختصاص أنّ تبدّل العادات أمر طبيعي مع التطوّر المسجّل في العالم اليوم، تساهم الأزمة أكثر فأكثر في تغيير طقوس توارثها السوريون لأجيال عدّة وفي اندثارها أحياناً.
أمام باب خيمته، إن جاز تسميته بالباب، يجلس أبو عمر - ستيني - وهو نازح من مدينة دوما إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، ويستعيد مع مجموعة من أقرانه وبعض الشباب أيام العيد في مدينتهم. قبل نحو عام، اضطروا إلى الخروج منها.
بصوت متعب، يتحدّث أبو عمر لـ"العربي الجديد" عن ذكريات العيد قبل الحرب، مؤكداً أنّه "أستطيع الجزم بأنّ عاداتنا في الشام كانت الأجمل في العيد". ويعود خمسين عاماً إلى الوراء، قائلاً: "كنت لا أزال في العاشرة من عمري، ولم يكن العيد بالنسبة إلينا يقتصر على ثلاثة أيام فقط. فتحضيرات ما قبل العيد كانت بحدّ ذاتها عيداً آخر لنا". ويضيف مبتسماً: "لم تكن الألبسة الجاهزة منتشرة كما يومنا هذا، إنّما كان يتوجّب علينا تفصيلها قبل أيام عند خياط في العاصمة دمشق. وكان لباسنا شروالاً أسود - سروالاً واسعاً يعرفه أهل الشام - وقميصاً أبيض مزيّناً بتطريز ذهبي بالإضافة إلى بدريسة نرتديها فوق القميص". ويشير إلى أنّ "ذهابنا إلى السوق بالباصات القديمة كان يمثّل لنا فرحة لا توصف".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يحكي الحاج حمدو درويش - سبعيني - الذي لم يغادر مدينته إدلب (شمال)، عن العادات الاجتماعية في العيد. ويستعيد "لمّة العائلة في صباح العيد"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّه "بصفتي الأكبر سناً بين إخوتي ومن وجهاء عائلتي، فإنّ العائلة كانت برجالها وشبابها وأطفالها، تجتمع عندي في المنزل - بيت الضيافة - صباح اليوم الأول من كل عيد. أحياناً، كان يصل العدد إلى ستين أو سبعين شخصاً". ويوضح درويش أنّ "هذا الاجتماع صباح العيد، كان يعقب صلاة العيد وزيارة المقابر ووضع نبات الآس على القبور. وبعد الاجتماع، يتوجّب على أفراد العائلة التوجّه إلى بيت آخر شخص من العائلة توفي خلال العام المنصرم. هذا كان قبل أن تندلع الحرب".
أمّا حلويات العيد، فهذه قصّة خاصة ولها طقوسها بين أهل سورية. من يتجوّل في الشوارع خلال الأيام الأواخر من رمضان، لا شكّ أنّ رائحتها الزكية سوف تملؤه. واليوم، نفتقد هذه الرائحة إمّا لعدم توفر الكهرباء أو الغاز للطهي وإمّا لغلاء المعيشة في مناطق سورية كثيرة. وتقول أم سامر - خمسينية - من قرية الهبيط بريف إدلب الجنوبي، إنّ "لمّة النساء في الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان لتجهيز المعمول وكعك العيد، كانت أساسية. أمّا اليوم فنفتقدها". تضيف لـ"العربي الجديد": "كنا نجتمع كجارات نتشارك تسديد ثمن المواد التي نحتاجها لصنع تلك الحلويات. وكان عملنا يبدأ بعد صلاة العشاء ويستمر حتى السحور، على مدى ثلاثة أيام. وكنّا نعدّ كميات كبيرة، فالزائرون كثر والأطفال يسعدون بها". وتكمل أم سامر: "أمّا اليوم، فلا لمات ولا سهرات ولا صنع حلوى. الأمان غائب والنساء لا يغادرنَ بيوتهنّ مساءً. كذلك فإنّ الكهرباء التي تحتاجها الأفران غير متوفرة، في حين صارت أسعار المواد الأولية مرهقة. في ظروفنا الحالية، ثمّة أوليات. لكنّ زوجي يشتري بعض الحلوى الجاهزة من السوق من أجل أولادنا".
في السياق، يحكي محمد الحاج علي - أربعيني - وهو طبيب من مدينة حماة، عن ذكريات العيد التي ترافقه مذ كان صبياً صغيراً مع أصدقائه. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في أيام الطفولة، ليلة العيد تعني أنّه لا نوم. فنحن، عندما كنا صغاراً، كنا نرتدي الملابس من منتصف الليل وننتظر الفجر بفارغ الصبر". يضيف :"كنت أرافق أبي إلى صلاة العيد، وكانت التكبيرات تأسر قلبي. كذلك كان اجتماع مئات الناس في المسجد وتبادلهم السلام والتهاني بوجوه بشوشة وطيّبة من الأمور الرائعة. بعدها، كنا نعود إلى المنزل ونستقبل الضيوف". ويتابع: "كنت أجلس أنا وأخي الصغير وابن عمنا ونحصي عدد الأحذية أمام باب الصالون. كانت كثرتها تلفت انتباهنا. أذكر أنّها كانت تتجاوز الثمانين والتسعين أحياناً، إن لم أكن مخطئاً في العد".
اقــرأ أيضاً
أمّا بهاء أمين - عشريني - وهو من دمشق، فيعبّر لـ"العربي الجديد" عن حزنه إزاء واقع الأطفال خلال سنوات الحرب، خصوصاً في مناسبات مثل الأعياد. ويقول إنّ سنوات الحرب تتراكم، "ومن كان يبلغ من العمر ثمانية أعوام قبيل الحرب، صار اليوم مراهقا وحُرم خلال السنوات الماضية من كل براءة الطفولة التي لم يعرفها". يضيف: "ربما نحن محظوظون لأنّنا عشنا طفولتنا قبل الحرب وعرفنا الأعياد قبل الحرب. لم يكن في بالنا يوم العيد إلا اللعب واللهو وزيارة الأقرباء لجمع العيدية".
أمام باب خيمته، إن جاز تسميته بالباب، يجلس أبو عمر - ستيني - وهو نازح من مدينة دوما إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، ويستعيد مع مجموعة من أقرانه وبعض الشباب أيام العيد في مدينتهم. قبل نحو عام، اضطروا إلى الخروج منها.
بصوت متعب، يتحدّث أبو عمر لـ"العربي الجديد" عن ذكريات العيد قبل الحرب، مؤكداً أنّه "أستطيع الجزم بأنّ عاداتنا في الشام كانت الأجمل في العيد". ويعود خمسين عاماً إلى الوراء، قائلاً: "كنت لا أزال في العاشرة من عمري، ولم يكن العيد بالنسبة إلينا يقتصر على ثلاثة أيام فقط. فتحضيرات ما قبل العيد كانت بحدّ ذاتها عيداً آخر لنا". ويضيف مبتسماً: "لم تكن الألبسة الجاهزة منتشرة كما يومنا هذا، إنّما كان يتوجّب علينا تفصيلها قبل أيام عند خياط في العاصمة دمشق. وكان لباسنا شروالاً أسود - سروالاً واسعاً يعرفه أهل الشام - وقميصاً أبيض مزيّناً بتطريز ذهبي بالإضافة إلى بدريسة نرتديها فوق القميص". ويشير إلى أنّ "ذهابنا إلى السوق بالباصات القديمة كان يمثّل لنا فرحة لا توصف".
من جهته، يحكي الحاج حمدو درويش - سبعيني - الذي لم يغادر مدينته إدلب (شمال)، عن العادات الاجتماعية في العيد. ويستعيد "لمّة العائلة في صباح العيد"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّه "بصفتي الأكبر سناً بين إخوتي ومن وجهاء عائلتي، فإنّ العائلة كانت برجالها وشبابها وأطفالها، تجتمع عندي في المنزل - بيت الضيافة - صباح اليوم الأول من كل عيد. أحياناً، كان يصل العدد إلى ستين أو سبعين شخصاً". ويوضح درويش أنّ "هذا الاجتماع صباح العيد، كان يعقب صلاة العيد وزيارة المقابر ووضع نبات الآس على القبور. وبعد الاجتماع، يتوجّب على أفراد العائلة التوجّه إلى بيت آخر شخص من العائلة توفي خلال العام المنصرم. هذا كان قبل أن تندلع الحرب".
أمّا حلويات العيد، فهذه قصّة خاصة ولها طقوسها بين أهل سورية. من يتجوّل في الشوارع خلال الأيام الأواخر من رمضان، لا شكّ أنّ رائحتها الزكية سوف تملؤه. واليوم، نفتقد هذه الرائحة إمّا لعدم توفر الكهرباء أو الغاز للطهي وإمّا لغلاء المعيشة في مناطق سورية كثيرة. وتقول أم سامر - خمسينية - من قرية الهبيط بريف إدلب الجنوبي، إنّ "لمّة النساء في الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان لتجهيز المعمول وكعك العيد، كانت أساسية. أمّا اليوم فنفتقدها". تضيف لـ"العربي الجديد": "كنا نجتمع كجارات نتشارك تسديد ثمن المواد التي نحتاجها لصنع تلك الحلويات. وكان عملنا يبدأ بعد صلاة العشاء ويستمر حتى السحور، على مدى ثلاثة أيام. وكنّا نعدّ كميات كبيرة، فالزائرون كثر والأطفال يسعدون بها". وتكمل أم سامر: "أمّا اليوم، فلا لمات ولا سهرات ولا صنع حلوى. الأمان غائب والنساء لا يغادرنَ بيوتهنّ مساءً. كذلك فإنّ الكهرباء التي تحتاجها الأفران غير متوفرة، في حين صارت أسعار المواد الأولية مرهقة. في ظروفنا الحالية، ثمّة أوليات. لكنّ زوجي يشتري بعض الحلوى الجاهزة من السوق من أجل أولادنا".
في السياق، يحكي محمد الحاج علي - أربعيني - وهو طبيب من مدينة حماة، عن ذكريات العيد التي ترافقه مذ كان صبياً صغيراً مع أصدقائه. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في أيام الطفولة، ليلة العيد تعني أنّه لا نوم. فنحن، عندما كنا صغاراً، كنا نرتدي الملابس من منتصف الليل وننتظر الفجر بفارغ الصبر". يضيف :"كنت أرافق أبي إلى صلاة العيد، وكانت التكبيرات تأسر قلبي. كذلك كان اجتماع مئات الناس في المسجد وتبادلهم السلام والتهاني بوجوه بشوشة وطيّبة من الأمور الرائعة. بعدها، كنا نعود إلى المنزل ونستقبل الضيوف". ويتابع: "كنت أجلس أنا وأخي الصغير وابن عمنا ونحصي عدد الأحذية أمام باب الصالون. كانت كثرتها تلفت انتباهنا. أذكر أنّها كانت تتجاوز الثمانين والتسعين أحياناً، إن لم أكن مخطئاً في العد".
أمّا بهاء أمين - عشريني - وهو من دمشق، فيعبّر لـ"العربي الجديد" عن حزنه إزاء واقع الأطفال خلال سنوات الحرب، خصوصاً في مناسبات مثل الأعياد. ويقول إنّ سنوات الحرب تتراكم، "ومن كان يبلغ من العمر ثمانية أعوام قبيل الحرب، صار اليوم مراهقا وحُرم خلال السنوات الماضية من كل براءة الطفولة التي لم يعرفها". يضيف: "ربما نحن محظوظون لأنّنا عشنا طفولتنا قبل الحرب وعرفنا الأعياد قبل الحرب. لم يكن في بالنا يوم العيد إلا اللعب واللهو وزيارة الأقرباء لجمع العيدية".