العيد في ذاكرة العراقيين

15 يونيو 2018
هكذا يحتفل بالعيد (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
"لم تعد الأعياد مثلما كانت في العراق. الحياة كلها تغيرت". ويبدو أبو بشّار جازماً في حديثه عن العيد الذي "لم يعد سوى تحسّر على ماض انقضى، في ظلّ خوف من مجهول تحمله الأيام المقبلة". والعيد صار اليوم في العراق عادياً، لا يختلف عن الأيام الأخرى في بلاد تصحو وتنام على أزمة سياسية. حتى أفراح الأطفال صارت مرتبطة بالسياسة، ويرددون "لو الوضع الأمني زين جان رحنا لمدينة الألعاب".

يقول أبو بشّار إنّ "حال العراق تغيّرت كثيراً عمّا كانت عليه في السابق. كانت أيام العيد في الماضي بنكهة خاصة، وسط الطمأنينة وحب الناس. وكان الآباء يشترون ملابس العيد لأفراد العائلة قبل حلوله بأيام، بينما يبدو الأطفال فرحين وينتظرون ذلك اليوم بفارغ الصبر". يضيف لـ"العربي الجديد": "كنّا نذهب إلى المسجد لنصلّي صلاة العيد، ومعنا الأطفال، قبل أن نزور الجيران والأقارب والأصدقاء. وكنّا نأخذ أطفالنا وعوائلنا إلى الحدائق والمناطق الترفيهية العامة، وسط أجواء من الفرح والوئام". ويشير إلى أنّ "أيام العيد لا تنقضي من دون أن نكون قد تواصلنا مع الجميع، الأقارب والأحباب والأصدقاء وحتى الذين لنا معهم خلاف. فالعيد مناسبة لإنهاء الخلافات بين الجميع".




ويتابع أبو بشّار أنّ "العيد اليوم مختلف جذرياً عمّا كان عليه، حتى الأطفال لا ينتظرونه بتلك اللهفة التي كانت من قبل. والسبب هو أنّ متاعب الحياة ومشاغل الناس أنهكت الجميع، وراح يظهر انعكاس ذلك التعب والألم ومرارة العيش واضحاً على نفسية الكبار والأطفال. وكثيرة هي العائلات العراقية التي لا تستطيع إحياء طقوس العيد، ولا تستطيع أن تلبّي متطلبات الأطفال من الملابس الجديدة، ولا تستطيع اصطحابهم إلى المتنزهات وإلى أماكن الألعاب، بسبب العجز عن توفير المال الكافي لذلك، بسبب البطالة أو غيرها". ويؤكد أنّ "العيد اليوم حالة من التحسر والألم، وكثيرون هم الآباء الذين يتمنّون ألا يأتي هذا اليوم حتى لا يحرجهم أطفالهم".

في ساحة صغيرة في إحدى مناطق بغداد، أطفال يلعبون كرة القدم. نسألهم عن العيد وفرحتهم به، فتأتي ردودهم متوافقة على أنّه مناسبة لا تختلف من غيرها من الأيام، لا سيّما أنّ أهاليهم لا يسمحون لهم بالذهاب إلى مدينة الألعاب بسبب الأوضاع الأمنية. هذه حال أحمد عبد الله، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "أهلي لا يوافقون على ذهابي في العيد، ويقولون لو كانت الأحوال آمنة لكنّا ذهبنا". وعند سؤاله عن فرحة العيد، يجيب أنّ "فرحة العيد هي فرحتنا بشراء الملابس الجديدة، وباللعب في المتنزهات والحدائق ومدينة الألعاب وحديقة الحيوانات". يضيف: "لقد اتفقنا نحن الأطفال في المنطقة أن نجتمع هنا في هذه الساحة صباح يوم العيد ونلعب كرة القدم مثلما نلعب الآن. وسوف نشتري كرة قدم جديدة". ويشير إلى أنّه "مع ذلك، سوف أستمر بالضغط على أبي والطلب منه الذهاب إلى مدينة الألعاب. لا طعم للعيد من دون مدينة الألعاب".

وكان الوضع الراهن في البلاد قد تسبب في إغلاق عدد كبير من المتنزهات العامة التي كان العراقيون يقصدونها خصوصاً في أيام العيد. ويربط عراقيون كثر فرحة العيد بالوضع السياسي المتأزم في العراق، مؤكدين أنّ الأزمات السياسية وما يرافقها من تداعيات تنعكس على الوضع العام للبلاد، وقد أثّرت بالتالي على حياة العراقيين ومناسباتهم بوضوح.

يقول أبو مهند، وهو صاحب مطعم داخل متنزه في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عائلات بغداد بمعظمها كانت تحتفي بالعيد وتنتظره يوماً بعد يوم. وكانت تأتي إلى المتنزهات والحدائق والمطاعم، وتبقى حتى ساعات متأخرة من الليل". يضيف أنّ "المشكلة اليوم هي في ارتباط الحياة كلها بالسياسة، حتى فرحة العيد. عندما يكون الظرف السياسي مناسباً يقبل الناس على الاحتفاء بالعيد والتنزه، أمّا اليوم فمعظم سكان بغداد يتجنبون المناطق المزدحمة في العيد، إذ إنّهم يخشون التفجيرات وأعمال العنف، لا سيّما مع أزمة سياسية كبيرة من قبيل أزمة الانتخابات الأخيرة".




الأمن يعوّق المحتفلين
خلال عيد الفطر، والأعياد عموماً، تتخذ القوات الأمنية العراقية تدابير وإجراءات مشددة، فتنتشر في الشوارع بطريقة مكثّفة في حين تعمد إلى قطع عدد منها. كذلك، تنتشر تلك القوات بالقرب من المتنزهات وفي داخلها، والهدف إبقاء الوضع الأمني المتزعزع في البلاد تحت السيطرة. وتتسبب تلك التدابير في اختناقات مرورية، الأمر الذي يمنع كثيرين من الاحتفال.