وبإعلان ترشحه، أمس الإثنين، من العاصمة التونسية، وبشكل غير متوقع، يعود القذافي الابن إلى دائرة الجدل، بعد غيابه لسبع سنوات إثر القبض عليه في صحراء ليبيا وإيداعه سجناً بمدينة الزنتان، إذ لم يظهر إلا مرات معدودة دون أن يدلي بتصريح أو يتحدث عن ظروف حبسه.
وعرض ممثل لسيف الإسلام، أمس، من تونس، ملخصا لما سماه بـ"البرنامج الانتخابي"، تضمن دعوة للمصالحة الوطنية، وآماله في "مستقبل سياسي واقتصادي أفضل للبلاد"، قبل أن يحث الشباب على "الانخراط في الانتخابات المقبلة" للدفع به إلى كرسي الحكم.
وأكدت مصادر ليبية مطلعة من داخل الزنتان لــ"العربي الجديد"، أن "نجل القذافي مثله مثل أي طرف ليبي آخر يقع في دائرة التجاذبات السياسية الحاصلة في ليبيا، من خلال أطراف دولية وإقليمية تتصارع حماية لمصالحها في البلاد".
وأكدت أن سيف الإسلام "أحد أوراق فرنسا في ليبيا"، مشيرة إلى أنه "لم يغادر الزنتان ولا يزال يتنقل بين عدة منازل على أطرافها وداخل الرجبان المحاذية لها"، وأنه لم يخرج منها إلا مرات معدودة لمقابلة ممثلي دول فاعلة في الملف الليبي، أو لقاء أفراد من أسرته وأبناء قبيلته، و"كل هذا يتم بشكل سري".
وبحسب المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، فإن "سيف الإسلام التقى ممثلين عن سفارات روسيا وهولندا وبريطانيا في الرجبان، كما أنه يتواصل بشكل مكثف مع الجانب الفرنسي"، مؤكدة أن "الجزائر من ضمن الدول العاملة بشكل كبير في دعم عودة سيف كخيار من خيارات الاستقرار في ليبيا".
وأفادت بأن "فرنسا لها حضور في الجنوب الليبي، وهناك تتركز بكثافة القبائل الليبية التي لا تزال تحتفظ بالولاء والتأييد للنظام السابق، وهي محتاجة لنفوذ سيف الإسلام، كما تلتقي مصالحها مع مصالح الجزائر، التي تدعم فصيلاً مسلحاً من قبائل الطوارق يقوده اللواء السابق في جيش القذافي علي كنه".
وأشارت إلى أن "الزنتان عاشت خلافات كبيرة بسبب الموقف من بقاء سيف الإسلام داخل سجون المليشيا المعروفة باسم كتيبة أبوبكر الصديق، التي أعلنت إطلاق سراحه في يونيو/ حزيران الماضي، لكنه لا يزال تحت حمايتها، ويعد العجمي العتيري، آمر تلك الكتيبة التي أعلن عن حلّها لاحقاً، أحد مرافقي نجل القذافي الشخصيين".
وأضافت المصادر الرفيعة نفسها أن "الخلافات الداخلية في الزنتان حول سيف الإسلام تعكس بشكل كبير خلافات دول مؤثرة في الملف الليبي حوله. فمن الواضح أن دولة الإمارات تعارض بشكل كبير عودته للمشهد، ويؤكد ذلك معارضة داخلية من قبل شخصيات تمثل أبوظبي، مثل عبد المجيد مليقطة، نائب حزب "تحالف القوى الوطنية"، وشقيقه عثمان، آمر "كتيبة القعقاع"، كما أن حكومة الوفاق هي الأخرى مدعومة من أطراف، أبرزها إيطاليا، تعارض عودته. تدل على ذلك جبهة داخلية أخرى تعارض استمرار وجود القذافي في الزنتان، ممثلة في أسامة الجويلي، قائد المنطقة العسكرية الغربية المعين من حكومة الوفاق".
وكانت الإمارات قد استبقت ظهور القذافي ودفعت بإبراز العارف النايض، سفير ليبيا السابق لديها وأحد حلفائها الليبيين، في العاشر من الشهر الجاري، للإعلان عن ترشحه للانتخابات المقبلة.
وتعليقاً على هذا، اعتبر المحلل السياسي الليبي، جمعة بوسعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإمارات، التي تورطت في عدة ملفات من إرث النظام السابق، من بينها الأموال الليبية وعلاقات مشبوهة مع رموز النظام السابق، لا تريد للقذافي الابن الرجوع مطلقاً، كما أن فرنسا لا تستخدمه سوى ورقة للتهديد والضغط، فهي تعرف أنه لا يتوفر على إمكانيات للبروز مجدداً، وظروفه أسوأ من ظروف أي طرف بارز في المشهد الحالي".
وأضاف أن "كلا من الإمارات وفرنسا تسعى لتواجد عسكري أكبر في البلاد. باريس لها وجود عسكري حقيقي في الجنوب، والإمارات توجد فعلياً داخل قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في العديد من المعارك وعلى الصعيد السياسي. فرنسا تراقب تحركات الإمارات، وقد سبق أن افتكت منها مبادرة التقارب بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، إذ رعت لقاء بينهما في باريس بعد شهرين فقط من رعاية الأولى للقاء في أبوظبي، وعبّر بيان الخارجية الفرنسية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي صدر عقب الإعلان عن اتصال هاتفي بين ماكرون وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، عن انزعاج فرنسي واضح، إذ دعا الإمارات إلى (الانخراط ضمن الجهود الدولية للاستقرار في ليبيا)، في إشارة واضحة إلى (انزعاجها) من مساعي الإمارات للاستفراد بالقرار الليبي".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "إبراز سيف الإسلام الآن، وبعد أيام فقط من إعلان النايض الترشح، تهديد رسمي للإمارات، فالقذافي يمكنه فتح ملفات ليبية كبيرة تكشف تدخلات أبوظبي في الشأن الليبي، على رأسها الأموال الليبية وإرسال الأسلحة إلى عدة جبهات، منها الزنتان".
وتابع بوسعدة: "داخليا، من الواضح أن حفتر هو الآخر منزعج من الحديث المتنامي عن القذافي الابن. فتصريحاته لمجلة (جون أفريك) الفرنسية، مطلع الشهر الماضي، تبدي انزعاجه من فرنسا ومحاولات دعمها لظهور سيف الإسلام، إذ اعتبر أن القذافي (مسكين)، وأن البعض من السذج لا يزال يعتقد أنه يمكن أن يكون حلا، وهي تصريحات يبدو أنها أغضبت باريس، ليعلن حفتر بعدها بيومين أنها تصريحات كاذبة لم يدلِ بها".
وأكد المحلل السياسي الليبي أن "سيف الإسلام لا يمتلك رصيدا للنجاح في الانتخابات، فالكل يعرف أنها لم تكن ولن تكون طريقا للوصول إلى الحكم، والشواهد كثيرة، آخرها الانتخابات البرلمانية في 2014 التي انتهت إلى انقسام سياسي". وتساءل: "كيف لرجل مطلوب محليا ودوليا التسجيل رسميا في قوائم الانتخابات عند فتحها؟"، متابعا: "رجل يدعي أنه سينقذ ليبيا وهو مختف تماما، ولا يستطيع الخروج، وحتى ممثله عندما أراد أن يعلن عن عزمه على الترشح ذهب إلى تونس".
وذكر بوسعدة أن "من دفع بسيف الإسلام للخروج يعرف أن لا حظوظ له، وبذلك فهو يعدمه سياسيا، من خلال رسالة وجهها لليبيين بإعلانه الترشح للانتخابات، أمس، 19 مارس/ آذار، الذي يتزامن مع ذكرى اليوم الأسود الذي أرسل فيه القذافي الابن رتلا عسكريا لاقتحام بنغازي، ما اضطر المجتمع الدولي للتدخل".