يبدو أن الرغبة بعودة الحياة الفنية إلى طبيعتها قد بدأت تتغلب على حالة الشلل العام التي فرضتها الإجراءات الوقائية التي أعقبت انتشار جائحة فيروس كورونا. فبعد أن ألغي العديد من المهرجانات الفنية حول العالم في الأشهر الأخيرة، مثل مهرجان "كانّ" السينمائي ومهرجان أفينيون المسرحي ومهرجان مارسيك لموسيقى الجاز وغيرها الكثير؛ ها هي الحياة تعود من جديد لأوصال المهرجانات العالمية، إذْ شهد الأسبوع الماضي انطلاقة الدورة السابعة والسبعين من مهرجان البندقية السينمائي الدولي، والذي يعتبر أقدم مهرجان سينمائي حول العالم، كما احتضنت مدينة نيويورك حفل توزيع الجوائز السنوية "فيديو ميوزك أوورد" بذات التوقيت.
لكن ذلك لا يعني أن هذه المهرجانات تم إحياؤها بشكل طبيعي، بل كانت مكبلة بالقيود التي تم فرضها لتتماشى مع الإجراءات الوقائية الصحية؛ إذْ أقيمَ حفل "فيديو ميوزك أوورد" بشكلٍ افتراضي، حاله كحال عدد كبير من العروض الفنية التي تم تقديمها في الآونة الأخيرة؛ لكنه تميز عنها جميعاً بأنه بدا كحفل حيّ اكتسح فضاء مدينة نيويورك كاملةً ليلة 31 أغسطس/ آب. وتم عرض فيديوهات الأداء المباشر في سائر أنحاء المدينة؛ ليتمكن المهرجان من خلال ذلك من أن يحافظ على حالته الحية، رغم عدم السماح للجمهور بالوجود في قاعة الأداء.
وبالمقابل، فإن القائمين على الحفل والمشاركين فيه، تمكنوا من استثمار الواقع الجديد المعيش، والذي فرضته جائحة كورونا، لإدخال بعض الإضافات الفنية. فاستحدث المهرجان فئتين جديدتين من الجوائز، هما: "أفضل فيديو موسيقي منزلي"، التي حصلت عليها أغنية Stuck with you لأريانا غراندي وجاستن بيبر، وجائزة "أفضل عرض برفورمانس في الحجر الصحي"، التي حصلت عليه فرقة CNCO.
وكان شكل الحياة الجديد والطارئ مسيطراً على المسرح، وتجلى ذلك بالأداء الذي قدمته ليدي غاغا التي نالت أكبر عدد من الجوائز في الحفل، إذْ تكوّن عرضها من ثلاث أغنيات بمشاركة أريانا غراندي، وبدت هذه الأغاني تجسيداً لقصة انفجار الوباء والموت والعودة للحياة من جديد، وفي هذا العرض، سيطرت الأقنعة الواقية على الأزياء. وكذلك، قامت دوجا كات التي نالت جائزة أفضل مغنية جديدة، باستحضار شكل الفيروس التاجي بأدائها الحي، لتغني وهي محاطة براقصين يرتدون زي كورونا.
أما في ما يتعلق بمهرجان البندقية، فهو فعلياً أول مهرجان سينمائي عالمي يفتح أبواب صالاته السينمائية للجمهور منذ بدء أزمة كورونا؛ لكن فُرض فيه الكثير من الإجراءات الوقائية التي نغصت هذه العودة لصالات السينما، إذْ لم تكن الأجواء طبيعية تماماً. وتُعتبَر عودة مهرجان البندقية السينمائي الحدث الفني الأبرز في الوقت الحالي، كونه المهرجان الذي أقيم للتأكيد على أهمية طقوس السينما وصالاتها في الوقت الذي باتت فيه منصات البث الرقمية تحتل مكانتها، وبدأت بعض الدور قريبة من إعلان إفلاسها؛ فهذه الدورة بدت انتصاراً للسينما التقليدية، وأشبه باعتراض على إلغاء دورها ومكانتها، سواء كان الإلغاء متعمدًا أو غير متعمد، وهو الأمر الذي ساهمت جائحة كورونا فيه بشكل كبير.
وفي هذه النسخة من المهرجان التي تنتهي يوم 12 سبتمبر/ أيلول، يتنافس 18 فيلماً على جائزة "الأسد الذهبي"، وهو عدد أقل من المعتاد؛ إذ تم تقليص عدد العروض، كما تم تقليص عدد الجمهور المسموح له بالدخول إلى الصالات، وفُرض على جميع الجمهور العديد من الإجراءات الوقائية المشددة؛ فعلى الأبواب يقف عدد كبير من الحراس ليتأكدوا من ارتداء الجمهور الكمامات ويقيسوا درجة حرارتهم. هذه الإجراءات لم ترق للجمهور الذي قام أفراده بانتقادها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليذكروا قصصًا حدثت معهم خلال المهرجان اعتبروها غير لائقة، وانتقدوا الإجراءات البيروقراطية التي فرضت بحجة الحفاظ على السلامة العامة.