يقلل الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بالماسوف، من واقعية الوعود برجوع السياحة الروسية إلى المنتجعات المصرية أثناء الموسم السياحي الشتوي الحالي والذي بدأ في أكتوبر ويستمر حتى مارس/ آذار، بعدما توقفت قبل أكثر من 4 سنوات، على خلفية حادثة تحطم طائرة "إيرباص 321" في سيناء في 31 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015، وهو رأي يؤيده مصدر رفيع بقطاع السياحة الروسي (فضل عدم الكشف عن هويته لارتباط الأمر بسياسات للدولة)، مشيراً إلى أن شركات السياحة الروسية لم تضع مصر كوجهة محتملة ضمن برامجها السياحية للموسم الشتوي 2019 - 2020.
وتحطمت رحلة متروجت 9268 بينما كانت في طريقها من منتجع شرم الشيخ إلى سان بطرسبورغ، بينما كان على متنها 224 راكباً (217 مسافراً و7 من الطاقم) قتلوا جميعاً في الحادثة، التي وقعت على بعد 100 كيلومتر جنوبي مدينة العريش المصرية.
وجرى توزيع جميع الطائرات المتاحة للنشاط السياحي الروسي إلى وجهات أخرى حتى نهاية مارس/ آذار المقبل، وفق ما يؤكده المصدر المطلع على تفاصيل الوضع السياحي الروسي، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لم يعد أحد يأمل في استئناف الرحلات في الموسم الحالي، وحتى إذا حدثت معجزة وتم رفع الحظر عن مصر، ستحتاج شركات السياحة الروسية إلى نحو شهرين لتعديل برنامج الرحلات جزئياً".
ويعبر المصدر عن تشاؤمه، مضيفاً: "أصدرت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران مؤخراً تقريراً أفادت فيه بخطورة الطيران فوق سيناء، وهذه ضربة قاضية، ونحن متشائمون جداً، لم تعد شركات السياحة الروسية تراهن على استئناف الطيران العارض هذا العام".
وبعد تقييمها مخاطر الطيران فوق شبه جزيرة سيناء، أعلنت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA) في بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن المخاطر لا تزال عالية، مؤكدة أن الوضع الخطر الذي يعود إلى التهديد الكبير أثناء تحليق الطائرات وعبورها فوق شبه جزيرة سيناء على ارتفاع أقل من 25000 قدم، ما يعادل 6620 متراً.
واعتمد الخبراء في تقريرهم على معلومات من إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، التي أشارت إلى أن الطائرات المدنية التي تحلق فوق سيناء معرضة لخطر الهجمات الإرهابية باستخدام الصواريخ، والتي يمكن أن تضرب أهدافاً على ارتفاع أكثر من 6 آلاف متر.
وقالت الوكالة الأوروبية إنه بناء على هذه المعلومات لا يُنصح بالتحليق فوق مصر على ارتفاع منخفض، مضيفة أن هذا التحذير يبقى سارياً حتى 30 مارس/ آذار 2020.
عوامل أمنية وسياسية
عقب الأجواء الإيجابية التي سادت قمة "روسيا - أفريقيا" برئاسة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي، والتي جرت في منتجع سوتشي في أكتوبر الماضي، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، تسوية مسألة استئناف رحلات الطيران العارض (تشارتر) في أقرب وقت، إلا أن وكالة إنترفاكس الروسية أفادت في الشهر التالي بأنه لن تجرى مناقشة مسألة عودة الرحلات إلا في العام المقبل، وهذه ليست أول مرة يتكرر فيها الأمر وفق ما وثقه معدّ التحقيق عبر الوعود المتكررة التي كان الإعلام المصري يحتفي بها.
ويرجع الخبير بالماسوف تأخر عودة السياحة الروسية إلى مجموعة من العوامل الأمنية والاقتصادية والسياسية، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد": "أولاً، لم يتلق الجانب الروسي براهين كافية تضمن عدم تكرار ما حدث قبل أربع سنوات، لا سيما في ظل استمرار المواجهات بين الجيش المصري ومسلحي تنظيم "ولاية سيناء" الإرهابي التابع لـ"داعش"، ولم يتم الانتهاء من العملية العسكرية في سيناء وإلحاق هزيمة نهائية بالمسلحين بعد. أشك أن من يتخذ قراراً في روسيا سيكون مستعداً لتحمل المسؤولية عن أي حادثة محتملة".
وقبل حادثة الطائرة، كانت مصر الوجهة الثانية للسياحة الخارجية الروسية بعد تركيا طوال العام، والوجهة الأولى في الموسم الشتوي. لا يزال هناك في روسيا إقبال على فكرة إيفاد هؤلاء إلى منتجعي سوتشي وشبه جزيرة القرم لدعم السياحة الداخلية، وفق إفادة بالماسوف والتي تتطابق مع ما قاله عدد من السياح الروس ممن سافروا إلى مصر بطرق بديلة عن الطيران المباشر وخاصة إلى منتجعي الغردقة وشرم الشيخ، وفق إفادات عدد منهم التقاهم معدّ التحقيق في المدينتين، وأكدوا لـ "العربي الجديد" وصولهم إلى المنتجعات المصرية إما عن طريق القاهرة أو إسطنبول أو على متن الرحلات المباشرة من العاصمة البيلاروسية مينسك والتي لم تتوقف يوماً.
ويذكر بالماسوف أيضاً العقبات البيروقراطية مثل التنسيق بين الجهات المعنية في البلدين، دون أن يستبعد احتمال سعي روسيا لتدعيم صفقة عودة السياحة بعوائد اقتصادية إضافية مثل تسويق طائرات الركاب "سوخوي سوبرجيت-100" قصيرة ومتوسطة المدى الروسية لمصر.
واستأنفت مصر وروسيا في أكتوبر الماضي المفاوضات بشأن تزويد مصر بـ 12 طائرة من طراز "سوخوي سوبرجيت-100"، وذلك ضمن حزمة عودة الطيران الروسي العارض إلى مصر. ويوضح بالماسوف أن مصر شريك أساسي لروسيا في أفريقيا، ولذلك يصعب رفض طلب عودة السياحة صراحة. ويعتبر أن عودة السياحة البريطانية إلى شرم الشيخ علامة مبشرة، مشيراً إلى أهمية قطاع السياحة للدولة المصرية ليس كمصدر لإيرادات ضرائبية مباشرة فحسب، وإنما أيضاً من ناحية توفير مصدر رزق لملايين المصريين من سائقي سيارات الأجرة والعاملين بالفنادق وغيرهم.
لا بوادر لعودة السياحة
يتحمّل الجانب المصري خسائر كبيرة بسبب تراجع عدد السياح الروس من 2.5 مليون سائح سنوياً قبل الحظر إلى نحو 150 ألفاً فقط حالياً، وفق ما يكشف عنه المصدر المطلع على بيانات شركات السياحة الروسية، قائلاً: "لا تعاني شركات السياحة الروسية من وقف الرحلات إلى مصر في الموسم الصيفي، ولكننا لم نجد بديلاً في الشتاء، حين يتراكم الطلب المؤجل، أي نحو 1.5 مليون مواطن روسي كانوا يسافرون إلى مصر في الخريف والشتاء، ويختارون البقاء في روسيا حالياً".
ومع ذلك، يتوقع المصدر عودة تدريجية لرحلات السياحة الروسية إلى مصر، مستشهداً في ذلك بتجربة استئناف الرحلات إلى تركيا بعد احتواء أزمة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" الروسية على الحدود السورية التركية من قبل سلاح الجوي التركي في نهاية عام 2015، ويقول: "أتوقع أن يتم أولاً استئناف حجز الرحلات على متن الطيران المنتظم فقط إلى الغردقة وشرم الشيخ، على أن يليها استئناف رحلات الطيران العارض، مثلما حدث في الحالة التركية".
وبالفعل، استأنفت روسيا رحلات الطيران المنتظم إلى القاهرة في ربيع عام 2018، بعد التوصل إلى حل وسط فيما يتعلق بوجود خبراء روس بجميع مراحل تفتيش المسافرين إلى موسكو، دون أن يتم البت في مسألة عودة الطيران إلى الغردقة وشرم الشيخ حتى الآن.
وبات خبراء أمنيون روس موجودين بالفعل في بوابة خاصة للمسافرين إلى موسكو بمبنى الركاب 2 في مطار القاهرة الدولي، إلا أن دورهم يقتصر على متابعة عملية تفتيش الركاب دون التدخل فيها، وفق ما أوضحه عدد من المسافرين بين العاصمتين الروسية والمصرية لـ"العربي الجديد".
تكيف قطاع السياحة المصري
مع طول أمد انتظار عودة الرحلات المباشرة من موسكو، يأمل المصدر في قطاع السياحة الروسي أن يساعد طريق شرم الشيخ الجديد في تسهيل عملية نقل السياح الروس من مطار القاهرة كحل مؤقت.
وبعد مرور أربع سنوات على غياب السياح الروس، تمكن كثير من القرى السياحية في المنتجعات المصرية من التكيف مع غيابهم، وفق ما يؤكده عدد من العاملين في القرى السياحية لـ"العربي الجديد"، ويؤكد أحدهم، وهو يعمل في الغردقة، أن: "نسبة الإشغال حالياً نحو 60 في المائة، لكننا نناهز الـ100 في المائة في بعض الأوقات بفضل اعتمادنا على السياحة القادمة من أوكرانيا وغيرها من الجمهوريات السوفييتية السابقة، بالإضافة إلى السياح الأوروبيين والآسيويين والنزلاء المصريين". ومع ذلك، يؤكد آخرون أن الأوكرانيين لم يعوضوا غياب الروس الذين بات يقتصر وجودهم على حالات فردية قادمة بمعرفتها بعيداً عن الشركات السياحية.