عودة البوصلة

24 ديسمبر 2017
من القدس انطلقت الصرخة ليتردد صداها بالعالم (صالح أوغلو/الأناضول)
+ الخط -
تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة في جميع مناطقها مواجهات غضب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، المواجهات التي تتحسب تل أبيب من تحولها إلى انتفاضة شعبية شاملة، لم تألُ جهدا في قمعها بكل الأساليب العنيفة الممكنة، لكنه مع وقوع مزيد من الشهداء واعتقال المئات من المناضلين، كانت جذوة الهبة تزيد غضبا يوماً بعد يوم، ويتردد صداها في معظم عواصم ومدن العالم على شكل مسيرات وتظاهرات غاضبة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ما أعاد للقضية الفلسطينية مركزيتها في الضمير العربي والعالمي، ووضع السياسيين في مأزق البحث عن مخرج يمتص غضب الجماهير من جهة، وفرض عزلة سياسية على واشنطن، التي هدد رئيسها بإحصاء الأصوات التي تؤيد قرارا غير ملزم في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد سياسته من جهة ثانية.
وإن كان قرار ترامب جاء كنتيجة، لانقسامات فلسطينية وعربية، وحالة من الفوضى والتمزق التي تعيشها المنطقة العربية منذ القيام بثورات مضادة ضد الشعوب الثائرة لأجل حريتها، وكنتيجة لرؤية الرئيس الأميركي الجديد ذاته، الذي يدير السياسة الداخلية والخارجية لبلاده بعين التاجر الباحث عن الصفقات الأكثر ربحاً وأقل كلفة من وجهة نظره، إلا أن ذلك كان وقعه معاكسا على الشعوب، التي هبت نصرة للقدس والفلسطينيين، في جميع أرجاء العالم، بعد أن كادت القضية الفلسطينية أن تنزوي وراء صراعات إقليمية ودولية عدة.
لكن هذا الغضب الشعبي، ليس موجها فقط ضد الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل، بل يحمل رسالة غضب مكتومة أيضا ضد السياسيين وصناع القرار في بلدانهم، الذين ينتظر منهم اتخاذ قرارات على مستوى الحدث، وهو المفترض به، مع اتباع ترامب سياسة مناقضة ومخالفة لكل المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة بقضية فلسطين وغيرها، ولأنها فرصة سانحة، فهي لذلك تشكل امتحانا كبيرا للقادة والزعماء في الكشف عن مواقفهم الحقيقية وتحويل كلماتهم إلى أفعال.
لكن يبقى التعويل قائما على الشعوب ومواقفها، والتي هي حاضرة في المشهد، لممارسة الضغط على الحكومات من جهة، ودعم حركة الشارع في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي لم تبرح الميادين والساحات من جهة أخرى، أملا ليس في إبطال قرار ترامب فقط، وإنما في ضرورة استعادة الشعب الفلسطيني حقه في أرضه المحتلة.

(العربي الجديد)
المساهمون