عن لين... والغثيان

03 يوليو 2014
أيام قليلة وتحمل جواز سفرها الكندي وتعود إلى مونتريال(Getty)
+ الخط -

في حديقة منزل جدَّيها الجبليّ، تدور لين حول نفسها فيطير فستانها الأصفر.. وتعلو ضحكتها. يقترب جدّها منها ويحملها بين ذراعَيه، ثمّ يضمّها إلى صدره كأنه يحاول تنشّقها. "جدّو.. بحبّك!"، تقول له قبل أن يضعها مجدّداً على الأرض ويبتعد مسرعاً. فهو لا يريد أن تسأله حفيدته بفضولها المعتاد، عن سبب تلك الدموع التي أغرقت عينَيه.

تتركه يذهب وتقفز بين شتول جدّتها، قبل أن تنضمّ إلى الجميع في غرفة الجلوس. هناك في الداخل، الهدوء مسيطر. هم يشاهدون نقلاً مباشراً لعمليّة مداهمة ذلك الفندق في بيروت حيث فجّر انتحاري نفسه، وقد حاصرته قوات الأمن. المشاهد: أسلحة وعناصر أمنيّة بثياب عسكريّة وأناس مصدومون وكلاب بوليسيّة وسيارات دفاع مدني... وتعلو صفارات الإنذار. ثمّ تُعرَض لقطة لجثّة الانتحاري المتفحّمة.

تضع لين يدَيها على عينَيها لتحجب نظرها. وقهقرةً تخرج من الغرفة. ثم تنده أمها لتشكو من الغثيان الذي راحت تشعر به. ابنة السنوات الثماني لم تعتدْ مثل هذه المشاهد.

يسأل الأب حماه: "هل تظنّ أن علينا التفكير جدياً في قطع إجازتنا؟". لا يجيب الأخير. ربما كانت المرّة الأولى التي لا يجد فيها الكلمات.. أي كلمات.. للردّ. 

فقطع الإجازة يعني عودتهم إلى كندا.. يعني أنه لن تتاح له الفرصة لينعم أكثر بأحفاده الثلاثة. فهذه هي المرّة الأولى التي يرى فيها الصغيرة. أما البنت والصبي الأكبر سناً، فلم يرهما منذ أكثر من عامَين. كبرا، ولم يرهما. صحيح أن صورهم وتسجيلات فيديو خاصة بهم تصله باستمرار، إلا أن البعد لا يرحم.

ما زال المراسل في بثّ مباشر من أمام الفندق في بيروت، ينقل البلبلة والقلق اللذَين يخيّمان على المكان. أما لين التي سمعت ما قاله والدها، فتسأل من خلف الباب: "ليش بدنا نرجع على كندا بكّير؟". وتجهش بالبكاء.

هي تحبّ كندا. وتشتاق إليها وإلى أماندا وليزا وراجا.. رفيقاتها هناك. لكنها ما زالت موعودة بالكثير هنا. الإجازة ما زالت في بدايتها. من ثمّ، ستشتاق سريعاً إلى "تيتا" و"جدّو" إذا عادت الآن.

لا يجيبها والدها. وتسرع خالتها إليها، لتهدئتها.

ينتهي البث المباشر ويجلس الجميع إلى مائدة العشاء. هدوء على غير العادة. لا تفهمه لين، لكنها تقطعه سائلة: "ليش صار هيك؟".

صمت. لا أحد يملك إجابة. وإن فعل، فهي ليست مخصّصة لمن هو دون الثامنة عشر.. أو قل لمن ليس "لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات". فتحاول خالتها تغيير الموضوع والسؤال عن مشاريع الغد. تنظر لين إليها حانقة. كأنها تقول: "هل تستخفّين بعقلي؟ لماذا تستخفّون جميعكم بعقلي؟".

أيام قليلة، وتحمل لين جواز سفرها الكندي لتعود إلى مونتريال. أيام قليلة ويفرغ منزل تيتا وجدّو من الصغار وضحكاتهم وشقاوتهم، على أمل اللقاء.. قريباً.

أيام قليلة وتودّع العائلة الكبيرة العائلة الصغيرة، ولا أحد يعرف إلى متى ستدوم حالة الغثيان هنا.

المساهمون