13 نوفمبر 2024
عن حراك الريف المغربي
يتواصل منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي ما بات يعرف في المغرب "حراك الريف"، نسبة إلى الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها منطقة جبال الريف في أقصى شمال المغرب، والتي اندلعت في مدينة الحسيمة (إحدى مدن أقصى شمال المغرب) على أثر مقتل بائع السمك، محسن فكري، في شاحنة جمع الزبالة في أثناء محاولته استرداد السمك الذي صادرته منه السلطات.
ومنذ تلك الحادثة المأساوية، والتظاهرات تتواصل بوتيرة أسبوعية، وتتمدّد عبر مدن وقرى المنطقة، لتحتج على الأوضاع الاجتماعية القاسية التي تعيشها المنطقة، وتكشف عن حجم الاحتقان الاجتماعي الذي يوجد فيها بسبب ارتفاع معدلات البطالة، خصوصا في أوساط الشباب، والإحساس بما يسميه نشطاء الحراك بـ "التهميش" و"الحكرة"، واستشراء الفساد، على الرغم من أن منطقتهم تعتبر من المناطق التي ضخت فيها الدولة استثمارات عمومية كثيرة زهاء عقد ونيف.
وحسب تصريحات والي (محافظ) المنطقة، فقد استثمرت الدولة حوالي 25 مليار درهم (1 يورو يعادل 10.8 دراهم مغربية) في المنطقة في ظرف 12 سنة، كما وضعت برنامجا للتنمية يمتد حتى 2019، رصدت له 9 مليارات درهم. من دون الحديث عما تتوفر عليه المنطقة من موارد طبيعية، ممثلة في الصيد البحري، وزراعة القنب الهندي الممنوعة في المغرب، إلا أنها موجودة في منطقة الريف التي تعتبر أكبر منتج لهذه النبتة المخدّرة في المغرب. وحسب تقرير للخارجية الأميركية عام 2017، فإن "إنتاج الحشيش في المغرب يقارب 23 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي يصل إلى 100 مليار دولار"، لكن هذا الرقم الفلكي، أي 23 مليار دولار، لا تصل عائداته إلى المزارعين الصغار الذين يبيعون زراعتهم كمادة خام بأسعارٍ بخسة لكبار المهرّبين. ومع ذلك، يعيشون مطاردين من السلطات المغربية، باعتبارهم الحلقة الأضعف في زراعة هذه النبتة التي تكاد تكون الوحيدة التي تجود بها عليهم طبيعة تضاريس منطقتهم.
جاء "حراك الريف" لكشف الغطاء عن هذه الأوضاع التي كانت دائما موجودة في المنطقة،
وأسبوعا بعد أسبوع، أخذ هذا الحراك الشعبي الذي ظل يحافظ على سلميته منذ انطلاقته، يأخذ بعدا وطنيا ودوليا، من خلال تأسيس لجنة وطنية للتضامن معه، وتنظيم وقفات تضامنٍ رمزيةٍ معه في الرباط، وفي عواصم أوروبية في بلاد المهجر التي يوجد فيها متحدرون كثيرون من المنطقة نفسها.
تعاملت الدولة، حتى الآن، بمرونة مع هذا الحراك، أحيانا بالتغاضي عن مسيراته الاحتجاجية الضخمة التي يبدع الناشطون أسبوعيا في أشكال إخراجها، أو من خلال المنع والقمع والتهديد والترهيب، أو عبر حملات إعلامية مضادّة تقودها وسائل إعلام مقرّبة من السلطة، تتهم الحراك بـ "العمالة للخارج"، وبـرفع مطالب لـ "الانفصال"، وبالسعي إلى "الفتنة". وآخر الردود الرسمية صدر الأسبوع الماضي عن اجتماعٍ لأحزاب الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، اتهم الحراك بتجاوز سقف "المطالب الاجتماعية"، وظهور مطالب سياسية تتجاوز "الخطوط الحمراء"، ما يعني في القاموس الرسمي المغربي "المسّ بالمقدّسات" التي يجسّدها في المغرب ثلاثي "الملك، والوحدة الترابية، الدين".
أحد أسباب توجيه هذه التهم الثقيلة إلى الحراك يجد له تبريره عند السلطة في استدعاء المحتجّين رموزاً تاريخية من منطقتهم، يرفعونها في أثناء تظاهراتهم، مثل صور الزعيم التاريخي محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي حارب الاستعماريْن الإسباني والفرنسي في المنطقة في عشرينيات القرن الماضي، ورفع العلم الذي اتخذه رمزا لحركة التحرّر التي كان يقودها، والتي تجاوز صداها آنذاك حدود المغرب.
لكن هذه ليست سوى تبريراتٍ تخفي الخوف الحقيقي لدى السلطة من انتقال العدوى إلى مناطق أخرى في المغرب أكثر هشاشة وتهميشا من منطقة الريف، وقد بدأت فعلا بوادر "حراك
وعلى الرغم من كل محاولات السلطة الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي زمن "الربيع العربي"، الذي جعل بعضهم يتحدّث عن "الاستثناء المغربي" في التعاطي مع ذلك الربيع، إلا أنه، وبعد مرور ستة أعوام، مازالت الشعارات نفسها تجد لها صدىً في الشارع، ولدى الفئات الأكثر فقرا وتهميشا، بعدما طال انتظارها ثمار التغيير الذي وعدت به السلطة.