عن تلويح المغرب عسكريا في الصحراء

24 ابريل 2018
+ الخط -
تعيش الدبلوماسية المغربية طوال شهر إبريل/ نيسان الجاري على صفيح ساخن، بعدما دخلت قضية الصحراء منعطفا خطيراً، بسبب التطورات الميدانية المتلاحقة التي بلغت حد تهديد المغرب باللجوء إلى الخيار العسكري، على لسان ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة، لأول مرة منذ وقف إطلاق النار المُوقع قبل 27 سنة. ويُعزى هذا التصعيد غير المسبوق في تاريخ النزاع إلى تغيير طرفيه أوراق اللعب، فالمغرب راهَن، منذ سنوات، على أسلوب الاختراق البطيء والتدريجي للقارة الأفريقية، مستثمرا نتائج هذا التغلغل لصالحه، بدفع عدة دول أفريقية نحو مراجعة مواقفها من ملف الصحراء، أو على الأقل ضمان حيادها الإيجابي. كما تبنى منطقا براغماتيا في دبلوماسيته أخيرا، يعتمد على محدّد الربح والخسارة في كل مواقفه وتحركاته على الصعيد الدولي. متجاوزا بذلك حدود حلفه التقليدي (واشنطن/ باريس)، نحو إقامة شراكات استراتيجية مع روسيا والصين والهند. وقد بلغ الأمر حد الانفتاح وإقامة علاقات صداقة وتعاون مع أعداء وخصوم وحدته الترابية التاريخيين (كوبا، نيجيريا، جنوب أفريقيا...).

تسعى جبهة بوليساريو من جهتها إلى تغيير الخريطة على الأرض، مستغلةً التغييرات التي طرأت على الفريق الدولي الماسك ملف الصحراء في منظمة الأمم المتحدة، والذي استكمل عملية تجديده طاقمه؛ بدءا بالأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس، مرورا بالمبعوث الشخصي الألماني، هورست كوهلر، وصولا إلى المسؤول الجديد عن بعثة الأمم (المينورسو) إلى منطقة الصحراء، الكندي كولين ستيوارت. كما أن الدعم والمساندة اللذين توفرهما بوليفيا، من موقعها الحالي عضوا من بين الأعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن، بالسعي الدؤوب إلى حشد المواقف المعادية للمغرب، داخل أروقة هيئة الأمم المتحدة، عنصر مشجع لجبهة بوليساريو للقيام بمزيد من التحرك قصد ممارسة ضغط أكبر.
إضافة إلى تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتطرف جون بولتون مستشارا للأمن القومي، والذي عرفه المغاربة سنة 2003، فهو المهندس الحقيقي لما سمي مخطط جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، عندما كان مبعوثا شخصيا للأمين العام في نزاع الصحراء، والمتمثل في منح ساكنة الصحراء حكما ذاتيا خمس سنوات، يليه استفتاء يتم فيه تقرير المصير. وعاد الرجل للدفاع عن أطروحته، في كتابه "الاستسلام ليس حلا"، تضمن رؤيته السياسية للملفات التي عمل عليها حين كان سفيرا لبلده في الأمم المتحدة.
ناهيك عن الفتور الذي تشهده العلاقات المغربية الأميركية، إذ لم يحدث حتى الآن أي لقاء بين الملك محمد السادس ودونالد ترامب، كما أن البيت الأبيض لم يعين سفيراً له في الرباط، على الرغم من مضي أكثر من سنة ونصف السنة على تولي ترامب الرئاسة. في مقابل ذلك، أقدم السفير الأميركي في الجزائر، جون ديدروخ، قبل أيام، على زيارة مخيمات تندوف، واضعا تلك الخطوة في إطار إنساني.
استغلالا لهذا السياق المثالي، حاولت جبهة بوليساريو التحرك ميدانيا، بإحداث تغييرات على أرض الواقع، بإعادة التموقع في المنطقة العازلة. وليس هذا التكتيك جديدا في هذا الصراع؛ فقد شهدت المنطقة وقائع مماثلة، مثل مناورات سنة 2015 في بئر لحلو وتفاريتي، وكذا التحرك العسكري في المعبر الاستراتيجي الكركرات سنة 2017. غير أن جديد العام الجاري وضع التحرّك ضمن خطة ترمي إلى إيجاد "بنية دولة" من خلال إعمار المنطقة العازلة، ونقل السكان المدنيين إليها، مع ما يتطلب ذلك من هيئاتٍ ومؤسسات. وبذلك سيكون المغرب مستقبلا أمام "دولة" قائمة، بحكم الأمر الواقع، في منطقة تخلّى عنها لصالح "المينورسو" قصد ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار.
سبقت هذه التحرّكات الميدانية حملة قادتها الجبهة في المحافل الدولية، بغرض التضييق الاقتصادي على المغرب، من خلال المطالبة بمنع تصدير المنتوجات الزراعية والبحرية والمعدنية المستخرجة من الصحراء إلى الأسواق الدولية. وحققت بذلك تشويشا على مفاوضات المغرب مع الاتحاد الأوروبي، بشأن اتفاقية الصيد البحري. كما نجحت تلك المساعي، بمساعدة من حكومة جنوب أفريقيا، في حجز سفينة مغربية محملة بالفوسفات، وإصدار قرار قضائي أجاز بيع حمولتها في المزاد العلني.
يجد تلويح المغرب بخيار العودة إلى السلاح مبرّرا له في كل ما سبق، فبعدما اطمأن إلى اتجاه أقدم نزاع في القارة الأفريقية نحو الحل السلمي تحت رعاية أممية، وفق مبادرة مشروع الحكم
الذاتي تحت السيادة المغربية التي اقترحها سنة 2007، وحظيت بقبول ودعم ومساندة دوليين، يجد نفسه اليوم أمام محاولاتٍ ترمي لإرجاع مسلسل التسوية إلى المربع الأول، والسعي نحو زجّه قسرا في مفاوضاتٍ مباشرة مع جبهة بوليساريو من دون شروط مسبقة، فضلا عن رغبة أطراف في توريط منظمة الاتحاد الأفريقي في هذه المفاوضات.
وتأتي ورقة الخيار العسكري كذلك ردًا من المغرب على الغبن الذي لحقه من بعض حلفائه التاريخيين، خصوصا الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، ممن راجعوا مواقفهم، في ما يشبه ابتزازا للمغرب، بشأن مقترح الحكم الذاتي الذي ساندوه منذ بداياته الأولى. في وقتٍ نجحت فيه الرباط في إقناع دول كبرى، مثل روسيا والصين، بجدية مقترحها وفعاليته بشأن هذا النزاع.
العودة إلى السلاح الذي يلوح في الأفق، بسبب الانقسام الحاد في مجلس الأمن، خصوصا بين الدول الدائمة العضوية، تخدم مصالح جبهة بوليساريو التي تطمح إلى تغيير الخريطة، أكثر مما تخدم مصالح المغرب الذي يتمتع بالسيادة الإدارية على أكثر من ثلثي الإقليم. كما أنها تمنح شرعية جديدة للأمين العام للجبهة، إبراهيم غالي، والذي تحفّظ على اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين، وكان من أنصار الخيار العسكري. ويفسح ذلك المجال أمام الجبهة لفرض واقع جديد على أي مفاوضات مستقبلا بين الطرفين. لكن الأكيد أن هذا الخيار لا يخدم مطلقا المنطقة برمتها، فلا القارة السمراء قادرةٌ على تحمل بؤرة توتر جديدة في ترابها الملتهب في أكثر من رقعة، ولا القارة الأوروبية مستعدة للسماح لنيران الحرب بالاشتعال على أبوابها، ولا منطقة شمال أفريقيا تقوى على حربٍ إضافية لتلك التي تشهدها ليبيا.
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري