06 نوفمبر 2024
عن امرأة قرّرت أن تحب العراق
عندما خرج العراق من حربه مع إيران مثخناً بالجراح، مثلما خرجت إيران هي الأخرى أيضا، وجد العراقيون أنفسهم في فسحةٍ من الفرح والزهو، لم يتذوّقوا مثلها منذ أكثر من عقد، وقد لوّحوا بأغصان الزيتون، بدءاً لزمن سلام ومحبة وراحة بال، ولم يعرفوا أن قادتهم يهيئون أنفسهم لحربٍ أخرى. في حينها امتلأت الساحة العراقية بالوافدين إليها من كل الأنحاء، سياسيين وإعلاميين وتجار ورجال أعمال، وكل له بغيته في استجلاء ما هو ماثل، وما لم يمثل بعد. وشهدت بغداد، في حينه، انعقاد مؤتمرات، وتجمعات، ولقاءات تبحث وتناقش، وتستعد لما قد يكون. وفي واحدٍ من هذه المؤتمرات، ضم حركات وأحزاباً ومنظمات، وقف صدام حسين خطيبا، وهو يحمل بيديه كرتين، كان الحاضرون يجهلون ما الذي يعنيه بهما. وعندما أفصح أنه بمثل هاتين الكرتين سيحرق نصف إسرائيل، إذا ما تجرأت واعتدت على العرب، ضجت القاعة بالهتاف والتصفيق. ووجد الحاضرون، في هذه الالتفاتة المثيرة، ما يعزّز التفاؤل بأن العراق، وقد خرج من حربٍ مريرة، يضع خطواته من جديد على طريق المشروع القومي النهضوي الذي كان يبشّر به، ويعيد إلى قضية فلسطين موقعها المركزي في العمل العربي.
ووسط الجمع الذي أخذته موجة ارتياح وغبطة، قفز كويتي من مقعده، وهو يرقص ويهلل ابتهاجا ودعما للوعد العراقي الذي أطلقه صدام، ولم يخطر في باله أبدا أن صدام يخطط لغزو بلاده! في حينه أيضا، وفي مهرجان المربد، قرّرت امرأة عربية كويتية أن تحب العراق الذي وقف جدارا حمى العرب من أطماع إيران ومشروعها العنصري الطائفي المشبوه. وأنشدت الشاعرة الكويتية، سعاد الصباح، في المهرجان "قصيدة حب إلى العراق":
"أنا امرأة قرّرت أن تحب العراق/ وأن تتزوّج منه أمام عيون القبيلة/ .../ مزاجي أن أتزوّج سيفا/ وأن أتزوّج مليون نخلة/ وأن أتزوج مليون دجلة/ مزاجي أن أتزوّج يوما/ صهيل الخيول الجميلة/ فكيف أقيم علاقة حب/ إذا لم تعمّد بماء البطولة". وتمضي الشاعرة في استرسالاتها، لتصل في النهاية إلى سؤال: "لماذا العراق؟/ لماذا الهوى كله للعراق/ .../ لماذا أحب العراق لماذا؟ / أيا ليتني قد ملكت الخيارا/ ألم تك بغداد درع العروبة/ وكانت أمام المغول جدارا؟".
لم تتصوّر سعاد الصباح، في حينه، أن صدّام سيكافئها على حبها العراق بغزو بلادها، في واقعة عدّت الأكثر مأساويةً وغرابة في تاريخ العرب الحديث، وطعنت في الصميم المشروع القومي النهضوي الذي كان البعثيون من أبرز دعاته، ولم تجد الشاعرة العروبية إلا أن تعلن طلاقها للجار الذي محضته حبها، وعلقت عليه كل آمالها، ووجهت له قصيدة عتابٍ مملوءة بالمرارة والشجن:
"أيها الجار الذي هدم داري/ وأنا عمرت في قلبي له ركنا ودارا/ إنني مكسورة.. مقهورة.. ذاهلة/ تقذف الخيبة أحلامي يمينا ويسارا/ .../ يا الذي أهديته نصرا من الله/ وأهداني احتلالا وانكسارا". وتخلص الشاعرة إلى تقرير حقيقة لم يغيبها الزمن حتى اليوم: "عندما يطعنني في الظهر سيف عربي/ يصبح التاريخ عارا/ عندما يذبحني أبناء عمي في فراشي/ يصبح الحلم العروبي غبارا".
في حينه أيضا، غنى المطرب الكويتي عبد الله رويشد لصدام "أهلا بسيف العرب"، ثم ندم على فعلته بعد الغزو العراقي لبلده، وسجّل في مقابلة له: "عليّ اللعنة يوم غنيت لصدام، ...، ويوم غزو الكويت كان أتعس يوم في حياتي".
ومثل هذه وتلك كثير من وقائع انشغل العالم العربي بها، بعد حماقة غزو الكويت، تلك الحماقة التي مثلت البداية لتشرذم العالم العربي، ونقطة الشروع في مسلسل الحروب العربية- العربية الذي نعيشه اليوم. ولا تسألوا كم خسر العراقيون، وكم خسر العرب جرّاء تلك الحماقة، وكم سيخسرون على مدى أجيال وعقود.
ومن عجبٍ أن الذين دعموا فكرة غزو الكويت، وصفقوا لها، أو صمتوا عن نقدها، وقد كان بإمكانهم، وهم في موقع المسؤولية النافذة، أن يقولوا كلمة حقٍّ، وأحجموا عن قولها خوفا وجبنا، جاؤوا اليوم ليعتذروا، بعد أن أدركوا، ولو بعد فوات الأوان، أن تلك الحماقة جلبت كل هذا الشر المستطير الذي يظلل اليوم عالمنا العربي، والذي سيمتد أعواما إن لم نقل عقودا طويلة، والأجدر بهم أن يتخلوا عن موقع القيادة في حزبهم الذي أورثوه خطايا وذنوبا كثيرة.
ووسط الجمع الذي أخذته موجة ارتياح وغبطة، قفز كويتي من مقعده، وهو يرقص ويهلل ابتهاجا ودعما للوعد العراقي الذي أطلقه صدام، ولم يخطر في باله أبدا أن صدام يخطط لغزو بلاده! في حينه أيضا، وفي مهرجان المربد، قرّرت امرأة عربية كويتية أن تحب العراق الذي وقف جدارا حمى العرب من أطماع إيران ومشروعها العنصري الطائفي المشبوه. وأنشدت الشاعرة الكويتية، سعاد الصباح، في المهرجان "قصيدة حب إلى العراق":
"أنا امرأة قرّرت أن تحب العراق/ وأن تتزوّج منه أمام عيون القبيلة/ .../ مزاجي أن أتزوّج سيفا/ وأن أتزوّج مليون نخلة/ وأن أتزوج مليون دجلة/ مزاجي أن أتزوّج يوما/ صهيل الخيول الجميلة/ فكيف أقيم علاقة حب/ إذا لم تعمّد بماء البطولة". وتمضي الشاعرة في استرسالاتها، لتصل في النهاية إلى سؤال: "لماذا العراق؟/ لماذا الهوى كله للعراق/ .../ لماذا أحب العراق لماذا؟ / أيا ليتني قد ملكت الخيارا/ ألم تك بغداد درع العروبة/ وكانت أمام المغول جدارا؟".
لم تتصوّر سعاد الصباح، في حينه، أن صدّام سيكافئها على حبها العراق بغزو بلادها، في واقعة عدّت الأكثر مأساويةً وغرابة في تاريخ العرب الحديث، وطعنت في الصميم المشروع القومي النهضوي الذي كان البعثيون من أبرز دعاته، ولم تجد الشاعرة العروبية إلا أن تعلن طلاقها للجار الذي محضته حبها، وعلقت عليه كل آمالها، ووجهت له قصيدة عتابٍ مملوءة بالمرارة والشجن:
"أيها الجار الذي هدم داري/ وأنا عمرت في قلبي له ركنا ودارا/ إنني مكسورة.. مقهورة.. ذاهلة/ تقذف الخيبة أحلامي يمينا ويسارا/ .../ يا الذي أهديته نصرا من الله/ وأهداني احتلالا وانكسارا". وتخلص الشاعرة إلى تقرير حقيقة لم يغيبها الزمن حتى اليوم: "عندما يطعنني في الظهر سيف عربي/ يصبح التاريخ عارا/ عندما يذبحني أبناء عمي في فراشي/ يصبح الحلم العروبي غبارا".
في حينه أيضا، غنى المطرب الكويتي عبد الله رويشد لصدام "أهلا بسيف العرب"، ثم ندم على فعلته بعد الغزو العراقي لبلده، وسجّل في مقابلة له: "عليّ اللعنة يوم غنيت لصدام، ...، ويوم غزو الكويت كان أتعس يوم في حياتي".
ومثل هذه وتلك كثير من وقائع انشغل العالم العربي بها، بعد حماقة غزو الكويت، تلك الحماقة التي مثلت البداية لتشرذم العالم العربي، ونقطة الشروع في مسلسل الحروب العربية- العربية الذي نعيشه اليوم. ولا تسألوا كم خسر العراقيون، وكم خسر العرب جرّاء تلك الحماقة، وكم سيخسرون على مدى أجيال وعقود.
ومن عجبٍ أن الذين دعموا فكرة غزو الكويت، وصفقوا لها، أو صمتوا عن نقدها، وقد كان بإمكانهم، وهم في موقع المسؤولية النافذة، أن يقولوا كلمة حقٍّ، وأحجموا عن قولها خوفا وجبنا، جاؤوا اليوم ليعتذروا، بعد أن أدركوا، ولو بعد فوات الأوان، أن تلك الحماقة جلبت كل هذا الشر المستطير الذي يظلل اليوم عالمنا العربي، والذي سيمتد أعواما إن لم نقل عقودا طويلة، والأجدر بهم أن يتخلوا عن موقع القيادة في حزبهم الذي أورثوه خطايا وذنوبا كثيرة.