06 نوفمبر 2024
عن العراق أيضاً.. وأيضاً
... والآن كيف ترى العراق؟
العراق أكبر من أن يُختزل في نتائج عمليةٍ انتخابيةٍ تجري كل أربع سنوات، وقد شابها هذه المرة، كما في كل مرة سابقة، كثير من الخروقات والتزوير ومواضع الخطأ والفساد. وهي، قبل ذلك وبعده، تمت في ظل "عملية سياسية" هندسها الأميركيون، واعتمدت المحاصصة الطائفية والعرقية، وأثبتت فشلها في بناء نظام جديد، كما أراد العراقيون، ثم أن مشكلات العراق وعقده وأزماته أكثر اتساعاً من أن يضمّها جدول عمل لحكومةٍ تتشكل عبر عملية انتخابية كهذه. وما أعتقده أن العراق الذي عانى كثيراً من تعقيدات أوضاع الحكم فيه عقوداً طويلة، سيما في السنوات العجاف منذ الغزو، سوف يظلّ فترة أطول مسرحاً لمعارك ومواجهات في السر والعلن بين قوى دولية وإقليمية.. وأيضاً محلية، يضاف إلى ذلك أن "النخبة"، (أطلق هذه التسمية مجازاً على من يتصدّى لحكم البلاد اليوم) ليست في وارد تصنيفها في خانة مشاركين في "الصناديق" أو مقاطعين لها، ولا في تموضعها يميناً أو يساراً، ولا حتى في تصنيف رجالها بأنهم راغبون فعلاً في إصلاح الأوضاع، أو غارقون في الفساد إلى الأذقان، إنما المشكلة أننا نفتقد، في مرحلتنا هذه، رجالاً يدركون حركة العالم، ويقرأون ما يحيط ببلادهم، ويتوافقون مع حراك الزمن المتسارع، إلى درجة أنه لا يتيح فرصةً لمن يتلكأ أو يتباطأ في سيره، نفتقد رجالاً من النمط الذي تحدث عنه مرة أندريه مالرو في وصفه صديقه الجنرال ديغول، "الرجال القمم" الذين تشرئب أعناقنا إليهم عندما يدلهم الخطب، ويستطير الشر ويمتد، لكن ما باليد حيلة!
.. لكأنك هنا تضع أمامنا خطوطاً سوداء، وتقتل كل إمكانية قد تكون متاحة للتغيير؟
لا هذا ولا ذاك.. أردت أن أقول إن التحولات الكبرى لا تأتي على طبقٍ من ذهب، وأشكال التغيير التقليدية التي تحدثت عنها الأيديولوجيات لم تعد قابلةً للرهان، تصور أن حزباً شيوعياً يسعى، في جذوره، إلى ثورة مصبوغة بالدم، يتحالف بعد مئتي عام على ولادة أبيه كارل ماركس مع حزب ديني، بهدف إنضاج مشروع وطني مدني يحقق العدالة الاجتماعية. وبغض النظر عن رأينا في هذا الفريق أو ذاك، إلا أنني أرى في هذا المثال حالة اجتراح حلٍّ لتحقيق هدف مرحلي مطلوب.
.. وماذا ترى في رؤية بعضهم أن التغيير في العراق لا يمكن أن يأتي إلا عبر "ثورة مسلحة"؟
لا أريد أن أسخر من رؤية كهذه، لكنني أقول إن الذين ينادون بهذه الفكرة يتصوّرون الأمنيات حقائق، ويبنون على أساسها طروحاتهم، وليت الذين يرفعون هذا الشعار، وهم يقيمون في الخارج، يعودون إلى البلاد، ليقودوا الثورة التي يطمحون لها، أو ليكفّوا عن أوهامهم التي ينثرونها على مواقع التواصل، وهم يشربون القهوة.
.. ما زلت أرى في طروحاتك مسحةً ضبابيةً قد لا توحي بإمكانية حل واضح يقود إلى الطريق الذي نريد.
سأضيف لك إن التغيير أيام زمان كان يصدر من أعلى، أو على الأقل هذا ما كان يصوّره الوهم لنا، وقد عاودنا هذا الوهم اليوم إلى درجة أننا بدأنا ننتظر حفنة "عساكر" يزفّون إلينا "البيان الأول" عبر الراديو، كي يعبّدوا لنا الطريق لحل كل مشكلات البلاد. وفي أحايين أخرى، تتلبسنا فكرة أن نتوجّه صوب الأميركيين الذين غزونا، واحتلوا بلادنا، لعلهم يصنعون لنا التغيير الذي نريد، وهذا هو الخطل في الرأي. في عصرنا يبدو الأمر مختلفاً، التغيير لا يمكن أن يأتي لا من أولئك، ولا من هؤلاء. إنه يأتي من أسفل، من العمق، ويحفر في الأرض، قبل أن يصعد ليجد مساراً آمناً. أصدقاؤنا اللاتينيون في واحدةٍ من أغنياتهم الشعبية يردّدون أن التغيير مطلوب، لكنه لا يأتي من الرأس، إنه يأتي من القدم.
أقف هنا لآخذك ثانيةً إلى حكاية "الرجال القمم".. لدى "الرجال القمم" المسبار الذي يقيسون به حركة مواطنيهم، كي يمكنهم اقتفاء خطواتهم، وسحب المسامير التي انغرزت في بواطن أقدامهم، وهم وحدهم الذين يستطيعون أن يرفعوا الصخور الجامحة من الأرض إلى حافة القمة. وفي حالتنا الماثلة، لم يولد بعد هذا النمط من الرجال، وربما تمر عقود حتى يتحقق لنا ذلك.
العراق أكبر من أن يُختزل في نتائج عمليةٍ انتخابيةٍ تجري كل أربع سنوات، وقد شابها هذه المرة، كما في كل مرة سابقة، كثير من الخروقات والتزوير ومواضع الخطأ والفساد. وهي، قبل ذلك وبعده، تمت في ظل "عملية سياسية" هندسها الأميركيون، واعتمدت المحاصصة الطائفية والعرقية، وأثبتت فشلها في بناء نظام جديد، كما أراد العراقيون، ثم أن مشكلات العراق وعقده وأزماته أكثر اتساعاً من أن يضمّها جدول عمل لحكومةٍ تتشكل عبر عملية انتخابية كهذه. وما أعتقده أن العراق الذي عانى كثيراً من تعقيدات أوضاع الحكم فيه عقوداً طويلة، سيما في السنوات العجاف منذ الغزو، سوف يظلّ فترة أطول مسرحاً لمعارك ومواجهات في السر والعلن بين قوى دولية وإقليمية.. وأيضاً محلية، يضاف إلى ذلك أن "النخبة"، (أطلق هذه التسمية مجازاً على من يتصدّى لحكم البلاد اليوم) ليست في وارد تصنيفها في خانة مشاركين في "الصناديق" أو مقاطعين لها، ولا في تموضعها يميناً أو يساراً، ولا حتى في تصنيف رجالها بأنهم راغبون فعلاً في إصلاح الأوضاع، أو غارقون في الفساد إلى الأذقان، إنما المشكلة أننا نفتقد، في مرحلتنا هذه، رجالاً يدركون حركة العالم، ويقرأون ما يحيط ببلادهم، ويتوافقون مع حراك الزمن المتسارع، إلى درجة أنه لا يتيح فرصةً لمن يتلكأ أو يتباطأ في سيره، نفتقد رجالاً من النمط الذي تحدث عنه مرة أندريه مالرو في وصفه صديقه الجنرال ديغول، "الرجال القمم" الذين تشرئب أعناقنا إليهم عندما يدلهم الخطب، ويستطير الشر ويمتد، لكن ما باليد حيلة!
.. لكأنك هنا تضع أمامنا خطوطاً سوداء، وتقتل كل إمكانية قد تكون متاحة للتغيير؟
لا هذا ولا ذاك.. أردت أن أقول إن التحولات الكبرى لا تأتي على طبقٍ من ذهب، وأشكال التغيير التقليدية التي تحدثت عنها الأيديولوجيات لم تعد قابلةً للرهان، تصور أن حزباً شيوعياً يسعى، في جذوره، إلى ثورة مصبوغة بالدم، يتحالف بعد مئتي عام على ولادة أبيه كارل ماركس مع حزب ديني، بهدف إنضاج مشروع وطني مدني يحقق العدالة الاجتماعية. وبغض النظر عن رأينا في هذا الفريق أو ذاك، إلا أنني أرى في هذا المثال حالة اجتراح حلٍّ لتحقيق هدف مرحلي مطلوب.
.. وماذا ترى في رؤية بعضهم أن التغيير في العراق لا يمكن أن يأتي إلا عبر "ثورة مسلحة"؟
لا أريد أن أسخر من رؤية كهذه، لكنني أقول إن الذين ينادون بهذه الفكرة يتصوّرون الأمنيات حقائق، ويبنون على أساسها طروحاتهم، وليت الذين يرفعون هذا الشعار، وهم يقيمون في الخارج، يعودون إلى البلاد، ليقودوا الثورة التي يطمحون لها، أو ليكفّوا عن أوهامهم التي ينثرونها على مواقع التواصل، وهم يشربون القهوة.
.. ما زلت أرى في طروحاتك مسحةً ضبابيةً قد لا توحي بإمكانية حل واضح يقود إلى الطريق الذي نريد.
سأضيف لك إن التغيير أيام زمان كان يصدر من أعلى، أو على الأقل هذا ما كان يصوّره الوهم لنا، وقد عاودنا هذا الوهم اليوم إلى درجة أننا بدأنا ننتظر حفنة "عساكر" يزفّون إلينا "البيان الأول" عبر الراديو، كي يعبّدوا لنا الطريق لحل كل مشكلات البلاد. وفي أحايين أخرى، تتلبسنا فكرة أن نتوجّه صوب الأميركيين الذين غزونا، واحتلوا بلادنا، لعلهم يصنعون لنا التغيير الذي نريد، وهذا هو الخطل في الرأي. في عصرنا يبدو الأمر مختلفاً، التغيير لا يمكن أن يأتي لا من أولئك، ولا من هؤلاء. إنه يأتي من أسفل، من العمق، ويحفر في الأرض، قبل أن يصعد ليجد مساراً آمناً. أصدقاؤنا اللاتينيون في واحدةٍ من أغنياتهم الشعبية يردّدون أن التغيير مطلوب، لكنه لا يأتي من الرأس، إنه يأتي من القدم.
أقف هنا لآخذك ثانيةً إلى حكاية "الرجال القمم".. لدى "الرجال القمم" المسبار الذي يقيسون به حركة مواطنيهم، كي يمكنهم اقتفاء خطواتهم، وسحب المسامير التي انغرزت في بواطن أقدامهم، وهم وحدهم الذين يستطيعون أن يرفعوا الصخور الجامحة من الأرض إلى حافة القمة. وفي حالتنا الماثلة، لم يولد بعد هذا النمط من الرجال، وربما تمر عقود حتى يتحقق لنا ذلك.