04 أكتوبر 2024
عن الإرهاب والديمقراطية
مقالات عديدة وتحليلات ودراسات نشرت أخيرا عن التطرّف والإرهاب. تزداد تلك الدراسات والتحليلات، بعد كل عملية إرهابية في أوروبا، وبالتأكيد لا تتم قراءتها، ولا يعتدّ بها في مصر والعالم العربي بالتأكيد، حيث تعتقد الأنظمة الحاكمة وأجهزتها الأمنية في بلادنا أن الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والحكم الرشيد وتداول السلطة قيم هدّامة، تجب محاربتها، حتى لو أدى ذلك إلى ظواهر جانبية، مثل بعض التطرّف والعنف هنا، عكس الرأي أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير هي ما تسهم في تجفيف منابع الإرهاب.
وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد تعريفٌ متفقٌ عليه عن الإرهاب، ولا يزال هذا المفهوم مرنًا ويمكن استخدامه لتوصيف الفعل وربما عكسه، ولكنّ هناك تعريفا شبه متفق عليه، يعرّف الإرهاب بأنه عنفٌ منظمٌ وممنهجٌ، يقوم به فرد أو جماعة صغيرة ضد جماعة أكبر أو دولة ما، من أجل تحقيق هدف سياسي معين. وغالبا ما يكون هذا العنف رمزيا، أي موجها ضد رمزية الدولة أو الجماعة الأخرى، ويختلف الإرهاب الذي يصنف عنفاً سياسياً عن العنف المجتمعي، فالأخير يكون عشوائيا أو تلقائيا وغير منظم، وتقوم به أعداد كبيرة.
وهناك تحليلات عديدة بشأن دوافع العنف السياسي أو الإرهاب، لكن أبرزها وأكثرها منطقية، من وجهة نظري، أن الدافع الرئيسي لاستخدام العنف والإرهاب هو انهيار الثقة بالمؤسسات، وبسبب خيبة الأمل التي يشعر بها بعضهم تجاه من هم أقوى، وتجاه من بيده الأمر، وإن كان هذا لا يمنع وجود دوافع أخرى للعنف، مثل العنصرية والتعصب وكراهية الآخر التي تعتبر أساسا لأيديولوجيات وتياراتٍ، مثل القومية والنازية والفاشية، وجميع الأفكار التي تعتمد على النرجسية وفكرة التميز العرقي.
وهناك تعبير بليغ أنه يوجد إرهابي محتمل تحت جلد كل من يتبع أيديولوجيةً ما، فالتعصّب
لفكرة ما يقود إلى استباحة دماء (وأملاك) الآخر، المختلف، العدو، الخارج عن القطيع. ولذلك، ستجد أنه هناك إرهاب ومذابح تم ارتكابها باسم الشيوعية والمساواة تارة، أو باسم نشر التقدم والحضارة تارة أخرى، أو باسم نصرة الدين، أو باسم التحرّر الوطني، أو باسم الحفاظ على الدولة، فالتاريخ مزدحم بجماعاتٍ استحلت دماء الآخرين وأملاكهم، بذريعة نصرة الأيديولوجيا أو الدين (كل الأديان) أو العرق النقي.
ولكن، من المهم أن نضع الأمور في سياقها التاريخي والجغرافي وزاوية النظر، فالمناضل الفلسطيني إرهابي بالنسبة للصهاينة، والحقوقي أو اليساري الإسرائيلي المدافع عن حقوق الفلسطينيين خائن لوطنه ومناصر للإرهاب في وجهة نظر الصهاينة. وهناك جماعاتٌ مسيحية عنصرية في أوروبا وأميركا، يُعامل أعضاؤها أبطالاً في الأوساط اليمينية المتطرّفة، لكنهم إرهابيون لدى كل مدافع عن القيم الإنسانية.
وكما توجد مجموعات تمارس الإرهاب ضد حكومات مستبدة، بعد انسداد أي فرص للتوافق أو التغيير السلمي، توجد أيضا حكومات إرهابية، تقوم بإرهاب مواطنيها، وكل من يسعى إلى الحق والعدل والكرامة، فالحكومات الإسرائيلية إرهابية، تقوم بقمع كل من يطالب بالحقوق المشروعة وإرهابه، وكثيرا ما تمارس الإدارات الأميركية المتعاقبة الإرهاب ضد كل من يخرج عن طوعها، والحكومات المصرية هي أيضا إرهابية، تقوم بإرهاب كل من يطالب بالحقوق المشروعة، أو يطالب بالعدل والحرية والكرامة، أو ينادي باحترام حقوق الإنسان.
ليس تعريف الإرهاب فقط هو الذي عليه خلاف، بل أصبح الآن هناك خلافٌ كذلك على مفاهيم أخرى، مثل الديمقراطية، فبعد أن كانت الديمقراطية السبب الرئيسي للتقدّم والتفوق الغربي، وبعد عقود طويلة من القناعات العالمية بأن الديمقراطية هي الحل، أصبح هناك كتابات غربية عديدة تهاجم القيم الغربية، وتطالب بتعديلها أو تأجيل تطبيقها أو استثناء فئاتٍ منها، مثل الدعوات التي نسمعها كل فترة من اليمين الأوروبي التي لا تختلف كثيرا عن تصريحات حكّام عرب مستبدين بأنه لا احترام لحقوق الإنسان، طالما هناك إرهاب.
أصبح هناك أصواتٌ تزعم أن القيم الغربية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الآخر،
هي سبب الأزمات الأوروبية الحالية، مثل أزمات اللاجئين وأزمات الهوية والتهديدات الأمنية، فالديمقراطية وحقوق الإنسان لا تصلحان مع العرب والمسلمين (من وجهة نظرهم). ولذلك، لا داعي لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى تلك الكائنات، فدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الدول العربية والاسلامية أدى إلى الحروب الأهلية وعدم الاستقرار، ما أدى بدوره إلى ظاهرة اللاجئين، والهجرة غير الشرعية التي تهدّد أوروبا وهويتها وأمنها، فكل عمليةٍ داعشية يتم تنفيذها في أوروبا تصب في مصلحة اليمين المنادى بإغلاق الحدود وطرد اللاجئين، ومزيدٍ من التقوقع حول القومية.
على الجانب الآخر، هناك أصوات أوروبية يمكن تصنيفها "شعبوية يسارية"، لديها مشكلةٌ مع الإرث الديمقراطي الغربي، وتسعى بالفعل إلى تغييره، فالديمقراطية لم تعد حلا، والاحتكام للصندوق لا يأتي دوما بالأصلح. ولا يؤدي هذا الشكل القديم من الديمقراطية النخبوية التمثيلية إلا إلى تداول السلطة بين حزبين لا يختلفان كثيرا في المبادئ "النيوليبرالية". ولذلك، لا بد من تغيير تلك المنظومة المغلقة من الديمقراطية الرأسمالية النيوليبرالية المقيدة مسبقا.
بالتأكيد تختلف تعريفات الديمقراطية منذ بلورة هذا المفهوم، فالديمقراطية تعني حكم الشعب، وهناك الديمقراطية الإجرائية التي تهتم فقط بالإجراءات وسلامتها، وتختزل الديمقراطية في الصندوق والانتخابات النزيهة، وهناك جوهر الديمقراطية الذي لا يهتم فقط بالتصويت والانتخابات، ولكنه يشمل أيضا احترام الحقوق والحريات والعقيدة وحقوق الأقليات، ويعتبر ذلك من الديمقراطية. وهناك من هم مثل حكامٍ عرب لا يحترمون جوهراً ولا إجراءات. إنها الديمقراطية الصورية التي تقترن بالقمع والاستبداد والتعذيب والاختفاء القسري وتزوير الانتخابات، إنها الديمقراطية المزوّرة التي يزعم حكام عرب أنها أسمى أنواع الديمقراطية.
وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد تعريفٌ متفقٌ عليه عن الإرهاب، ولا يزال هذا المفهوم مرنًا ويمكن استخدامه لتوصيف الفعل وربما عكسه، ولكنّ هناك تعريفا شبه متفق عليه، يعرّف الإرهاب بأنه عنفٌ منظمٌ وممنهجٌ، يقوم به فرد أو جماعة صغيرة ضد جماعة أكبر أو دولة ما، من أجل تحقيق هدف سياسي معين. وغالبا ما يكون هذا العنف رمزيا، أي موجها ضد رمزية الدولة أو الجماعة الأخرى، ويختلف الإرهاب الذي يصنف عنفاً سياسياً عن العنف المجتمعي، فالأخير يكون عشوائيا أو تلقائيا وغير منظم، وتقوم به أعداد كبيرة.
وهناك تحليلات عديدة بشأن دوافع العنف السياسي أو الإرهاب، لكن أبرزها وأكثرها منطقية، من وجهة نظري، أن الدافع الرئيسي لاستخدام العنف والإرهاب هو انهيار الثقة بالمؤسسات، وبسبب خيبة الأمل التي يشعر بها بعضهم تجاه من هم أقوى، وتجاه من بيده الأمر، وإن كان هذا لا يمنع وجود دوافع أخرى للعنف، مثل العنصرية والتعصب وكراهية الآخر التي تعتبر أساسا لأيديولوجيات وتياراتٍ، مثل القومية والنازية والفاشية، وجميع الأفكار التي تعتمد على النرجسية وفكرة التميز العرقي.
وهناك تعبير بليغ أنه يوجد إرهابي محتمل تحت جلد كل من يتبع أيديولوجيةً ما، فالتعصّب
ولكن، من المهم أن نضع الأمور في سياقها التاريخي والجغرافي وزاوية النظر، فالمناضل الفلسطيني إرهابي بالنسبة للصهاينة، والحقوقي أو اليساري الإسرائيلي المدافع عن حقوق الفلسطينيين خائن لوطنه ومناصر للإرهاب في وجهة نظر الصهاينة. وهناك جماعاتٌ مسيحية عنصرية في أوروبا وأميركا، يُعامل أعضاؤها أبطالاً في الأوساط اليمينية المتطرّفة، لكنهم إرهابيون لدى كل مدافع عن القيم الإنسانية.
وكما توجد مجموعات تمارس الإرهاب ضد حكومات مستبدة، بعد انسداد أي فرص للتوافق أو التغيير السلمي، توجد أيضا حكومات إرهابية، تقوم بإرهاب مواطنيها، وكل من يسعى إلى الحق والعدل والكرامة، فالحكومات الإسرائيلية إرهابية، تقوم بقمع كل من يطالب بالحقوق المشروعة وإرهابه، وكثيرا ما تمارس الإدارات الأميركية المتعاقبة الإرهاب ضد كل من يخرج عن طوعها، والحكومات المصرية هي أيضا إرهابية، تقوم بإرهاب كل من يطالب بالحقوق المشروعة، أو يطالب بالعدل والحرية والكرامة، أو ينادي باحترام حقوق الإنسان.
ليس تعريف الإرهاب فقط هو الذي عليه خلاف، بل أصبح الآن هناك خلافٌ كذلك على مفاهيم أخرى، مثل الديمقراطية، فبعد أن كانت الديمقراطية السبب الرئيسي للتقدّم والتفوق الغربي، وبعد عقود طويلة من القناعات العالمية بأن الديمقراطية هي الحل، أصبح هناك كتابات غربية عديدة تهاجم القيم الغربية، وتطالب بتعديلها أو تأجيل تطبيقها أو استثناء فئاتٍ منها، مثل الدعوات التي نسمعها كل فترة من اليمين الأوروبي التي لا تختلف كثيرا عن تصريحات حكّام عرب مستبدين بأنه لا احترام لحقوق الإنسان، طالما هناك إرهاب.
أصبح هناك أصواتٌ تزعم أن القيم الغربية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الآخر،
على الجانب الآخر، هناك أصوات أوروبية يمكن تصنيفها "شعبوية يسارية"، لديها مشكلةٌ مع الإرث الديمقراطي الغربي، وتسعى بالفعل إلى تغييره، فالديمقراطية لم تعد حلا، والاحتكام للصندوق لا يأتي دوما بالأصلح. ولا يؤدي هذا الشكل القديم من الديمقراطية النخبوية التمثيلية إلا إلى تداول السلطة بين حزبين لا يختلفان كثيرا في المبادئ "النيوليبرالية". ولذلك، لا بد من تغيير تلك المنظومة المغلقة من الديمقراطية الرأسمالية النيوليبرالية المقيدة مسبقا.
بالتأكيد تختلف تعريفات الديمقراطية منذ بلورة هذا المفهوم، فالديمقراطية تعني حكم الشعب، وهناك الديمقراطية الإجرائية التي تهتم فقط بالإجراءات وسلامتها، وتختزل الديمقراطية في الصندوق والانتخابات النزيهة، وهناك جوهر الديمقراطية الذي لا يهتم فقط بالتصويت والانتخابات، ولكنه يشمل أيضا احترام الحقوق والحريات والعقيدة وحقوق الأقليات، ويعتبر ذلك من الديمقراطية. وهناك من هم مثل حكامٍ عرب لا يحترمون جوهراً ولا إجراءات. إنها الديمقراطية الصورية التي تقترن بالقمع والاستبداد والتعذيب والاختفاء القسري وتزوير الانتخابات، إنها الديمقراطية المزوّرة التي يزعم حكام عرب أنها أسمى أنواع الديمقراطية.