09 نوفمبر 2024
عن اعتقال الويغور في مصر
كنت في إقليم شينجيانغ الصيني، ذي الحكم الذاتي لقومية الويغور المسلمة، قبل أيام من إقدام السلطات المصرية على اعتقال عدد من الطلبة الصينيين الويغور الذين يدرسون في الأزهر.
هناك، في أوروموتشي عاصمة إقليم شينجيانغ، وفي طوربان، وغيرها من مدن الإقليم ذي المساحة الواسعة التي تعادل سدس إجمالي مساحة الصين، ويسكنه نحو 27 مليون نسمة، حضرت اليومين الأخيرين من شهر رمضان، واليومين الأولين من عيد الفطر، وصلّيت في أحد مساجد طوربان إلى جانب عدد من رجال الويغور كبار السن، وشاهدت عائلات الويغور وأطفالهم يحتفلون بقدوم العيد في ساحة البازار في أوروموتشي، وما حولها. والحقيقة أن الويغور لا يتعرّضون للاضطهاد في الصين لكونهم مسلمين، ولا يُحال بينهم وممارسة شعائرهم وإحياء مناسباتهم، كما يردد بعض الإعلام العربي والإعلام التركي، بل حتى لا يُحال بينهم وبين لغتهم ذات الحروف العربية، التي يستعملونها في صحافتهم، وتلفزيونهم، ولوحات متاجرهم، وشوارعهم، وحياتهم اليومية، فهي ما تزال لغتهم الأم، لا اللغة الصينية.
لكن بعض الويغور يتعرّضون للملاحقة من السلطات الصينية، ممن ينتمون إلى حركة انفصالية تطالب باستقلال إقليم شينجيانغ عن الصين، وتطلق عليه اسم "تركستان الشرقية"، أي لأنهم انفصاليون، لا لكونهم مسلمين. وليست مسألتنا هنا إن كانت قضية الانفصال عادلةً أم لا، وإنما أن الملاحقة والاعتقالات تجري على خلفية الانتماء لحركة انفصالية، نفذت هجمات دموية في الصين، ولا علاقة لها بالدين من حيث المبدأ.
لا تحفل السلطات في الصين بالمسألة الدينية أبداً. ثمّة من يحب أن يعتقد أن الحكومة "شيوعية" وتحارب الأديان! ذاك اعتقادٌ مضحك، فالحكومة الصينية لا تحفل بالمسألة العقدية والأيديولوجية أبداً، لا لصالح الشيوعية التي لم يبق منها في الصين إلا الاسم، ولا ضد الإسلام أو المسيحية أو حتى البوذية. السؤال الديني خارج الحسابات تماماً في الصين، وهكذا تنتشر في بكين، والمدن الصينية ذات الغالبية من قومية هان، مساجد وكنائس ومعابد كثيرة، وتنتشر في مقاطعات المسلمين الصينيين آلاف المساجد، منها نحو ألف مسجد في مدينة طوربان في إقليم شينجيانغ، والتي لا يزيد عدد سكانها عن سبعين ألف نسمة. فهل يكون ثمّة في الأمر حسابات دينية أو حرب على الإسلام؟
المسألة سياسية وحسب. يتساوى فيها انفصاليو الويغور مع انفصاليي التبت، وتتكافأ فيها قضية تايوان مع قضية تركستان.
ينتمي الويغور للقومية التركية. هم قبائل تركية كما قبائل وسط آسيا من التتر والطاجيك والقازاق والأوزبك وغيرهم. اعتنقوا الإسلام نحو القرن الحادي عشر الميلادي. تقول الصين إن منطقتهم الجغرافية جزء من الصين منذ آلاف السنين، في إطار تبريرها عدم شرعية الحركة الانفصالية الويغورية التي تعيش قيادتها في الولايات المتحدة، فيما يعتمدون هم على نجاحهم في تأسيس منطقةٍ مستقلةٍ إبان حكم الكومينتانغ للصين، خصوصا بين عامي 1944 و1949، للقول بشرعية مطلبهم في تأسيس دولةٍ مستقلة، وهو القول الذي يلاقي دعماً من أصوات تركية وعربية تتعاطف معهم على خلفية انتمائهم العرقي والديني، ومن حكوماتٍ مؤثرةٍ في العالم، تستعمل قضيتهم ورقة ضغط على الصين.
اللافت أن الحركة الانفصالية ظهرت منتصف تسعينيات القرن العشرين، واستمرت، أي منذ بدأت ثمار التنمية الاقتصادية في الصين بالظهور، ما يدفع على الاعتقاد أن جوهر المسألة في شينجيانغ إنما يتعلق بمطالب التنمية، والاستفادة من نتائج النهوض، حيث تحتج مناطق غرب الصين على فقرها، مقارنة بمدن الشرق، وربما كانت شينجيانغ الأكثر حاجةً للتنمية، لكونها الأبعد عن العاصمة في أقصى غرب الصين، قبل أن تلتفت الحكومة الصينية إلى هذه المسألة، خصوصا منذ اضطرابات العام 2009 الاحتجاجية التي شهدها الإقليم، وراح ضحيتها عشراتٌ في مواجهات مع الأمن الصيني، حيث بدأت خطط التنمية توجّه نحو الإقليم، وتتوقع جهاتٌ صينيةٌ أن تُنجز خطط تنمية كبرى كثيرة في غضون السنوات الخمس المقبلة، ما قد يساعد في خفض الاحتجاجات.
تبقى الإشارة إلى مشاركة أفرادٍ من هذه القومية في تنظيم داعش، وتصدّيهم لمهام انتحارية لصالح التنظيم، ما يثير حفيظة السلطات الصينية التي تقول دائماً إن التنظيمات المتطرّفة تستقطب شبابا من قومية الويغور، وتدربهم على الأعمال الإرهابية التي تخشى منها على الداخل الصيني. المسألة أمنية في جوهرها، وسياسية طبعاً.
هناك، في أوروموتشي عاصمة إقليم شينجيانغ، وفي طوربان، وغيرها من مدن الإقليم ذي المساحة الواسعة التي تعادل سدس إجمالي مساحة الصين، ويسكنه نحو 27 مليون نسمة، حضرت اليومين الأخيرين من شهر رمضان، واليومين الأولين من عيد الفطر، وصلّيت في أحد مساجد طوربان إلى جانب عدد من رجال الويغور كبار السن، وشاهدت عائلات الويغور وأطفالهم يحتفلون بقدوم العيد في ساحة البازار في أوروموتشي، وما حولها. والحقيقة أن الويغور لا يتعرّضون للاضطهاد في الصين لكونهم مسلمين، ولا يُحال بينهم وممارسة شعائرهم وإحياء مناسباتهم، كما يردد بعض الإعلام العربي والإعلام التركي، بل حتى لا يُحال بينهم وبين لغتهم ذات الحروف العربية، التي يستعملونها في صحافتهم، وتلفزيونهم، ولوحات متاجرهم، وشوارعهم، وحياتهم اليومية، فهي ما تزال لغتهم الأم، لا اللغة الصينية.
لكن بعض الويغور يتعرّضون للملاحقة من السلطات الصينية، ممن ينتمون إلى حركة انفصالية تطالب باستقلال إقليم شينجيانغ عن الصين، وتطلق عليه اسم "تركستان الشرقية"، أي لأنهم انفصاليون، لا لكونهم مسلمين. وليست مسألتنا هنا إن كانت قضية الانفصال عادلةً أم لا، وإنما أن الملاحقة والاعتقالات تجري على خلفية الانتماء لحركة انفصالية، نفذت هجمات دموية في الصين، ولا علاقة لها بالدين من حيث المبدأ.
لا تحفل السلطات في الصين بالمسألة الدينية أبداً. ثمّة من يحب أن يعتقد أن الحكومة "شيوعية" وتحارب الأديان! ذاك اعتقادٌ مضحك، فالحكومة الصينية لا تحفل بالمسألة العقدية والأيديولوجية أبداً، لا لصالح الشيوعية التي لم يبق منها في الصين إلا الاسم، ولا ضد الإسلام أو المسيحية أو حتى البوذية. السؤال الديني خارج الحسابات تماماً في الصين، وهكذا تنتشر في بكين، والمدن الصينية ذات الغالبية من قومية هان، مساجد وكنائس ومعابد كثيرة، وتنتشر في مقاطعات المسلمين الصينيين آلاف المساجد، منها نحو ألف مسجد في مدينة طوربان في إقليم شينجيانغ، والتي لا يزيد عدد سكانها عن سبعين ألف نسمة. فهل يكون ثمّة في الأمر حسابات دينية أو حرب على الإسلام؟
المسألة سياسية وحسب. يتساوى فيها انفصاليو الويغور مع انفصاليي التبت، وتتكافأ فيها قضية تايوان مع قضية تركستان.
ينتمي الويغور للقومية التركية. هم قبائل تركية كما قبائل وسط آسيا من التتر والطاجيك والقازاق والأوزبك وغيرهم. اعتنقوا الإسلام نحو القرن الحادي عشر الميلادي. تقول الصين إن منطقتهم الجغرافية جزء من الصين منذ آلاف السنين، في إطار تبريرها عدم شرعية الحركة الانفصالية الويغورية التي تعيش قيادتها في الولايات المتحدة، فيما يعتمدون هم على نجاحهم في تأسيس منطقةٍ مستقلةٍ إبان حكم الكومينتانغ للصين، خصوصا بين عامي 1944 و1949، للقول بشرعية مطلبهم في تأسيس دولةٍ مستقلة، وهو القول الذي يلاقي دعماً من أصوات تركية وعربية تتعاطف معهم على خلفية انتمائهم العرقي والديني، ومن حكوماتٍ مؤثرةٍ في العالم، تستعمل قضيتهم ورقة ضغط على الصين.
اللافت أن الحركة الانفصالية ظهرت منتصف تسعينيات القرن العشرين، واستمرت، أي منذ بدأت ثمار التنمية الاقتصادية في الصين بالظهور، ما يدفع على الاعتقاد أن جوهر المسألة في شينجيانغ إنما يتعلق بمطالب التنمية، والاستفادة من نتائج النهوض، حيث تحتج مناطق غرب الصين على فقرها، مقارنة بمدن الشرق، وربما كانت شينجيانغ الأكثر حاجةً للتنمية، لكونها الأبعد عن العاصمة في أقصى غرب الصين، قبل أن تلتفت الحكومة الصينية إلى هذه المسألة، خصوصا منذ اضطرابات العام 2009 الاحتجاجية التي شهدها الإقليم، وراح ضحيتها عشراتٌ في مواجهات مع الأمن الصيني، حيث بدأت خطط التنمية توجّه نحو الإقليم، وتتوقع جهاتٌ صينيةٌ أن تُنجز خطط تنمية كبرى كثيرة في غضون السنوات الخمس المقبلة، ما قد يساعد في خفض الاحتجاجات.
تبقى الإشارة إلى مشاركة أفرادٍ من هذه القومية في تنظيم داعش، وتصدّيهم لمهام انتحارية لصالح التنظيم، ما يثير حفيظة السلطات الصينية التي تقول دائماً إن التنظيمات المتطرّفة تستقطب شبابا من قومية الويغور، وتدربهم على الأعمال الإرهابية التي تخشى منها على الداخل الصيني. المسألة أمنية في جوهرها، وسياسية طبعاً.