13 نوفمبر 2024
عن أفراح شوقي ومعها
هي الوحشية الجديدة تنبت في العراق، فتخضر وتزدهر وتتجذر، وتتسع مساحاتها وتكبر، آخر فصولها استخدام سلاح الخطف والتغييب والترويع، وأيضاً التعذيب النفسي والجسدي. وفي أغلب الأحوال الوصول إلى الموت على أيدي زبانية مليشيات سوداء، أجاز عملها قانون الغاب المعمول به على مرأى ومسمع من منظمات عربية ودولية تزعم دفاعها عن حقوق الإنسان وحريات الشعوب، وفي غياب أية إدانةٍ من قوى المجتمع الدولي النافذة!
وإذا كانت الدكتاتوريات التي شهدها عالمنا العربي عادةً ما تحتفظ لنفسها فقط بالحق في خطف المواطن وتغييبه وتعذيبه، وتعتبر ذلك من موجبات نظامها، فان نظام بغداد، وحده على ما يبدو، أعطى هذا الحقّ لأكثر من خمسين مليشيا، شكلت، فيما بينها، وبموجب قانون معلن، "دولة عميقة"، موازية لبقايا دولةٍ لم تعد قائمةً في واقع الحال، وأصبح لهذه المليشيات تشكيلاتها ومقرّاتها وسجونها وسلطتها النافذة فوق كل السلطات. وبموجب هذا "الحق"، شهدنا، في الأسبوع الأخير، واقعةً تشبه، في تفصيلاتها، وقائع فيلم هوليوودي متقن الصنعة:
خمسة عشر مسلحاً ملثماً يستقلون ثلاث سياراتٍ لا تحمل أرقاما، يعبرون نقاط سيطرة أمنية على امتداد محيط مداخل منطقة معروفة وسط العاصمة العراقية ومخارجها، من دون أن يواجهوا حرجاً، يقتحمون منزلاً آمنا بقوة السلاح، وينتشرون في أرجائه، يعتدون بالضرب على من يطالبهم بكشف هوياتهم، يمسكون بالأطفال ويوثقونهم، ويحتجزونهم في إحدى غرف المنزل، وينتزعون أمهم من بينهم ويقيدونها، ويلقون بها في سيارة تابعةٍ لهم، ويقتادونها إلى جهةٍ مجهولة، ولا ينسون أن يحملوا معهم كل مقتنياتها الشخصية، حواسيبها، ومصوغاتها الذهبية، وما تيسر لهم من مال، ويأخذون سيارتها أيضاً، ويتركون المنطقة كما دخلوها، عابرين نقاط السيطرة الأمنية من دون أن تحرّك الأخيرة ساكناً!
الضحية أفراح شوقي، صحفية معروفة وناشطة سياسية مدنية، ناقدة مشاكسة، ولعل انتقاداتها أغضبت بعض الرؤوس الحاكمة، وأوغرت صدور رجال "المليشيات" عليها، فأحكموا خطة اختطافها والتنكيل بها. كتبت عن "غياب سلطة القانون أمام سلطة الفصائل والجماعات المسلحة ورؤساء العشائر ممن لا يجدون ما يمنع من إسكات من لا يعجبهم ببضع طلقاتٍ من مسدس كاتم للصوت، وينتهي الأمر"، كأن أفراح كانت ترسم حكايتها مع خاطفيها.
في آخر مقالةٍ لها قبل اختطافها، عرضت لواقعة اعتداء ضابط أمن بالضرب على مديرة مدرسة أمام طالباتها، مطالبةً بالاقتصاص منه، ومشيرة إلى "غلبة لغة السلاح على لغة العدل والقانون، وأن غياب القانون جعل هذا الضابط وأمثاله يعيثون فساداً كما يشتهون".
عند صياح الديك، أصدرت الرئاسات الثلاث بيانات شجبٍ واستنكار، مطالبةً بكشف الجهة الخاطفة، والقبض على الفاعلين. اللافت أن الرئاسات الثلاث تنسى أنه ليس ثمّة جهة تمتلك سلطة الكشف والقبض على الفاعلين سواها، بل هي تعرف من يخطف، ومن يقتل، ومن يغيب، لكنها تصمت عن إدانة أحدٍ، لأن فتح ملف واحد يؤدي إلى فتح كل الملفات، وبالتالي، فان السفينة ستغرق بكل ركابها وملاحيها.
لا ينتهي الفيلم الهوليوودي عند هذا المشهد، قوة عمليات بغداد تضع نفسها في الإنذار، وتعلن عن "التنسيق مع الأجهزة الأمنية ماسكة الأرض (مسك الأرض فعل هوليوودي مثير)، ومع الأجهزة الاستخبارية والأجهزة المساندة". ويمر أسبوع من دون أن نسمع شيئاً، ويراهن الكل على واقعةٍ جديدةٍ، تزيح من الذاكرة صورة أفراح شوقي.
هنا، تتوالى المشاهد المثيرة، ينجو مدرب المنتخب العراقي، يحيى علوان، من الاختطاف بقدرة قادر، يخطف الشاب علي سجاد، وحيد أهله، في الكرّادة، وتقطع أوصاله بدمٍ بارد. يخشى مواطنون آخرون من أن تكون أسماؤهم موضوعةً على لائحة انتظار موتهم الذي تقرّره مليشيا أو مافيا، أو حتى شخصية سياسية نافذة. تظل الحكومة صامدةً صامتةً. ولا يستقيل وزير الداخلية، لأن اختطاف فردٍ وقتله لا يشكل حدثاً ذا أهمية، فقد اختطف البلد كله، ولم يتحرّك مسؤول أو يتفوّه بكلمة، هل ثمّة مسؤول حقا في هذ البلد؟
في السياق نفسه، يستنكف رئيس البرلمان عن دعوة مجلسه العتيد إلى جلسةٍ طارئةٍ، لمناقشة حالة الأمن في البلاد، وهو معذور، لأن معظم أعضاء البرلمان يقضون عطلة عيد الميلاد ورأس السنة مع أسرهم في منتجعات أوروبا، ومن الظلم أن ننغص عليهم صفو أوقاتهم.
يوحي هذا كله بأننا أمام قدرٍ شرير، لا قبل لنا بمواجهته في الآن الماثل على الأقل.
وإذا كانت الدكتاتوريات التي شهدها عالمنا العربي عادةً ما تحتفظ لنفسها فقط بالحق في خطف المواطن وتغييبه وتعذيبه، وتعتبر ذلك من موجبات نظامها، فان نظام بغداد، وحده على ما يبدو، أعطى هذا الحقّ لأكثر من خمسين مليشيا، شكلت، فيما بينها، وبموجب قانون معلن، "دولة عميقة"، موازية لبقايا دولةٍ لم تعد قائمةً في واقع الحال، وأصبح لهذه المليشيات تشكيلاتها ومقرّاتها وسجونها وسلطتها النافذة فوق كل السلطات. وبموجب هذا "الحق"، شهدنا، في الأسبوع الأخير، واقعةً تشبه، في تفصيلاتها، وقائع فيلم هوليوودي متقن الصنعة:
خمسة عشر مسلحاً ملثماً يستقلون ثلاث سياراتٍ لا تحمل أرقاما، يعبرون نقاط سيطرة أمنية على امتداد محيط مداخل منطقة معروفة وسط العاصمة العراقية ومخارجها، من دون أن يواجهوا حرجاً، يقتحمون منزلاً آمنا بقوة السلاح، وينتشرون في أرجائه، يعتدون بالضرب على من يطالبهم بكشف هوياتهم، يمسكون بالأطفال ويوثقونهم، ويحتجزونهم في إحدى غرف المنزل، وينتزعون أمهم من بينهم ويقيدونها، ويلقون بها في سيارة تابعةٍ لهم، ويقتادونها إلى جهةٍ مجهولة، ولا ينسون أن يحملوا معهم كل مقتنياتها الشخصية، حواسيبها، ومصوغاتها الذهبية، وما تيسر لهم من مال، ويأخذون سيارتها أيضاً، ويتركون المنطقة كما دخلوها، عابرين نقاط السيطرة الأمنية من دون أن تحرّك الأخيرة ساكناً!
الضحية أفراح شوقي، صحفية معروفة وناشطة سياسية مدنية، ناقدة مشاكسة، ولعل انتقاداتها أغضبت بعض الرؤوس الحاكمة، وأوغرت صدور رجال "المليشيات" عليها، فأحكموا خطة اختطافها والتنكيل بها. كتبت عن "غياب سلطة القانون أمام سلطة الفصائل والجماعات المسلحة ورؤساء العشائر ممن لا يجدون ما يمنع من إسكات من لا يعجبهم ببضع طلقاتٍ من مسدس كاتم للصوت، وينتهي الأمر"، كأن أفراح كانت ترسم حكايتها مع خاطفيها.
في آخر مقالةٍ لها قبل اختطافها، عرضت لواقعة اعتداء ضابط أمن بالضرب على مديرة مدرسة أمام طالباتها، مطالبةً بالاقتصاص منه، ومشيرة إلى "غلبة لغة السلاح على لغة العدل والقانون، وأن غياب القانون جعل هذا الضابط وأمثاله يعيثون فساداً كما يشتهون".
عند صياح الديك، أصدرت الرئاسات الثلاث بيانات شجبٍ واستنكار، مطالبةً بكشف الجهة الخاطفة، والقبض على الفاعلين. اللافت أن الرئاسات الثلاث تنسى أنه ليس ثمّة جهة تمتلك سلطة الكشف والقبض على الفاعلين سواها، بل هي تعرف من يخطف، ومن يقتل، ومن يغيب، لكنها تصمت عن إدانة أحدٍ، لأن فتح ملف واحد يؤدي إلى فتح كل الملفات، وبالتالي، فان السفينة ستغرق بكل ركابها وملاحيها.
لا ينتهي الفيلم الهوليوودي عند هذا المشهد، قوة عمليات بغداد تضع نفسها في الإنذار، وتعلن عن "التنسيق مع الأجهزة الأمنية ماسكة الأرض (مسك الأرض فعل هوليوودي مثير)، ومع الأجهزة الاستخبارية والأجهزة المساندة". ويمر أسبوع من دون أن نسمع شيئاً، ويراهن الكل على واقعةٍ جديدةٍ، تزيح من الذاكرة صورة أفراح شوقي.
هنا، تتوالى المشاهد المثيرة، ينجو مدرب المنتخب العراقي، يحيى علوان، من الاختطاف بقدرة قادر، يخطف الشاب علي سجاد، وحيد أهله، في الكرّادة، وتقطع أوصاله بدمٍ بارد. يخشى مواطنون آخرون من أن تكون أسماؤهم موضوعةً على لائحة انتظار موتهم الذي تقرّره مليشيا أو مافيا، أو حتى شخصية سياسية نافذة. تظل الحكومة صامدةً صامتةً. ولا يستقيل وزير الداخلية، لأن اختطاف فردٍ وقتله لا يشكل حدثاً ذا أهمية، فقد اختطف البلد كله، ولم يتحرّك مسؤول أو يتفوّه بكلمة، هل ثمّة مسؤول حقا في هذ البلد؟
في السياق نفسه، يستنكف رئيس البرلمان عن دعوة مجلسه العتيد إلى جلسةٍ طارئةٍ، لمناقشة حالة الأمن في البلاد، وهو معذور، لأن معظم أعضاء البرلمان يقضون عطلة عيد الميلاد ورأس السنة مع أسرهم في منتجعات أوروبا، ومن الظلم أن ننغص عليهم صفو أوقاتهم.
يوحي هذا كله بأننا أمام قدرٍ شرير، لا قبل لنا بمواجهته في الآن الماثل على الأقل.