عن أزمة تمثيل فلسطينيي سورية في لبنان

10 يونيو 2020
+ الخط -
في عرف السياسة والساسة، لا يمكن لحزبٍ أو لجهة تمثيلية أن تنجح في الوصول إلى السلطة من دون مقوماتٍ ملموسة على الأرض، فالشعارات الرنانة لا تغني من جوع، بيد أن هذه المقومات ليست مقتصرةً على التمثيل الشعبي الحقيقي والحشد والمناصرة، بل على فنون الضغط على الخصوم، من خلال معرفة مكامن الضعف لديهم، فتتحول حلبة الصراع السياسي إلى طاولةٍ مستديرةٍ يحكمها فن التفاوض بين الخصوم.
بعيداً عن آثار اتفاق أوسلو والصراع ضد العدو الصهيوني، وليس بعيداً عن مأساة الفلسطينيين في الشتات، يبدو فن التفاوض في أوج انحطاطه وانتقاله من المجاملات الدبلوماسية المقيتة إلى الانحدار الصريح نحو صراع الديكة من خلال الكيل بالاتهامات وتبادلها بين الأطراف على أنها من نصاب فن التفاوض الجديد. وخلال سنوات طويلة، كان جزء من المعركة الوجودية للفلسطينيين يدور في رحى أروقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في ملفات عدة، ليس أهمها الإغاثة والخدمات، بل التمثيل للكل الفلسطيني أمام العالم وأمام الفلسطيني ذاته. ومع اضطراب الإقليم السوري في أتون الحرب المستمرة هناك، تورّط الفلسطيني المقيم في سورية سابقاً، وفي لبنان حالياً، ليجد نفسه في خضم صراع الأحزاب على أحقية كل طرفٍ بتمثيله على أساس مظلة منظمة التحرير الفلسطينية أو فصائل خارجها، ما جعله تائهاً بين من يدّعون تمثيله أمام "أونروا" والعالم. خلال سنوات من النزوح أو التهجير بعد ضياع مخيم اليرموك، بدا واضحاً أن الفلسطيني السوري لا يملك الخبرة الكافية في مضمار العمل داخل أروقة وكالة الغوث الأممية، وسياساتها في لبنان ومتاهات "التعاون" مع الفصائل الفلسطينية المتعدّدة، متشعبة الأجندات، وذلك لأنه بطبيعة الحال لم يكن مضطراً لذلك بنسبة كبيرة، فالأثر الذي كان لـ "أونروا" في سورية لا يقارن مع مثيله في لبنان.
قرابة الثلاثين ألف فلسطيني سوري في لبنان موزّعون في معظم المخيمات والتجمعات
 الفلسطينية. وخلال سنوات التهجير الجديد، تعاملوا مع أزمات كثيرة، ليس آخرها التخبط الحاصل الذي سبّبته "أونروا" بما يخص صرف المساعدات الشهرية لهم، والتي تعتبر الحد الأدنى التي يعوّلون عليها لينجوا من الطرد ويفترشوا الطرقات في لبنان. وقد تشكلت عدة هيئات لتمثيل الفلسطيني السوري في لبنان، ومعظمها منبثق من الفصائل الفلسطينية في صراعهم الدائم على حصة التمثيل الشعبي، من دون أن يكون في حسبانهم مصالح هذه الفئة والضرر الهائل الذي أصابهم، بسبب هذه الصراعات وتقاسم حصص الإغاثة أحياناً، أو سوء إدارة هذا الملف. إلى أن قرّرت مجموعة من الشباب الفلسطيني السوري أن تبادر لتحمل على عاتقها مهام التمثيل الجزئي، من خلال طرح قضية تفعيل بند الحماية للاجئين في "أونروا" وإعادة التوطين في بلد ثالث. وتم جمع تفويضات خطية من عدد ناهز الثلاثة آلاف عائلة فلسطينية سورية، وبدأ حراك هذا الجسم التمثيلي تحت مسمّى الهيئة الشبابية لفلسطينيي سورية.
كانت رحلة صعبة وعسيرة لهذه الهيئة التي نظمت عدة اعتصامات أمام سفارات أوروبية ومنظمات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مقرات "أونروا" والأمم المتحدة، في مسعى بمطالب واضحة وصريحة، وما كان من بعض الفصائل إلا أن هاجمت هذا الكيان الجديد، بزعم تهديده الوحدة الوطنية التمثيلية، وغيرها من الاتهامات التخوينية أحياناً.
بدأت الثورة اللبنانية لتقطع الطريق أمام أي حراك فلسطيني مطلبي لدرء الفتنة، وكي لا يتم اتهام الفلسطيني بإشعال فتيل حرب أهلية مجدداً، فكفّت الهيئة عن تحرّكاتها على الأرض، من دون أن تهمل تفاعلها مع المستجدّات الفلسطينية على وسائل التواصل ومن خلال بياناتها الصحافية.
ومع امتداد أزمة الثورة اللبنانية وكورونا وتوقف العالم على ساق واحدة، بدأ الجمهور المفوّض للهيئة بمطالبتها أن تتابع القضايا الأخرى المتعلقة بهم، إلى حين عودة تفعيل ملف تفعيل الحماية وإعادة التوطين في بلد ثالث، فاستجابت الهيئة، وحاولت أن تمد يد المساعدة لكل من يقبل شراكتها في الوسط الفلسطيني، لتذليل العقبات وتحقيق مطالب الفلسطينيين من سورية أو المقيمين في لبنان.
بعد أزمة الثقة مع "أونروا" والتخبط المستمر أثره على الكل الفلسطيني في لبنان، وجدت الهيئة 
نفسها وسط اتهامات بعضهم لها بأنها وراء التفرقة أو التخوين، في وضعٍ لا بد فيه من المواجهة والوقوف أمام كل من تسول له نفسه أن يتلاعب بمصائر العائلات الفلسطينية، وخصوصا العمل لفضح الفساد في الهيكل الإداري والتنظيمي لـ"أونروا" في لبنان. وقد جرت عدة محاولات ضغط ناجحة، وفشلت أخرى، لأسباب ذُكرت هنا، وأخرى لا داعي لسردها. ولا تزال الهيئة على ما بدأت عليه عملها، تحاول جاهدة أن تخترق جدران الفساد لفضح الفاسدين ومحاسبتهم، والدفع نحو نموذج يستحق تعميمه، إذ حقق نتائج مرضية للوسط الفلسطيني، بعد أن فشلت كل دوائر التأثير التقليدية في تثبيت الحقوق وإنصاف الفلسطينيين في لبنان.
يخشى كثيرون ممن يمارسون الشأن العام، ويدّعون أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني اللاجئ، أن يسحب البساط من تحت أقدامهم، وأن تتعرّى نفوسهم الجشعة أمام شعبهم، يجعلهم يحاربون، وبشراسة، أي محاولة نقدٍ بناء، طرح الثقة، أو حتى وجود كيان يحاول الوقوف في وجه الفساد، ويحمل معه قضية من منحوه أصواتهم، وحق تمثيلهم.
لم يعد ممكناً للفلسطيني الذي عرف وعايش الانقسام الفلسطيني بين أجنحة يسار ويمين، في معركة تمثيله لنهب حقوقه، أو تنصيب الفاشلين لإدارة ملفات مصيرية لإحباط الشعب الفلسطيني وإهانته، لم يعد ممكناً أن يقبل أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، حتى وإن كانت بدايتها في ملفات معيشيةٍ للمخيمات في الشتات، ولعل ما يحدث في هذا العالم يصوّب وجهتنا، ويعنيننا على رفع المعنى النقي فوق رؤوسنا، لتبقى البوصلة فلسطين وكرامة أبنائها في أي بقعة من الأرض.
"يكفي أن تبدأ بالفعل ليبدأ التغيير".
avata
avata
بسام جميل
بسام جميل