عن أخطاء الإسلاميين... تعقيب

26 ابريل 2016
+ الخط -
بعد انقضاء خمسة أعوام على اندلاع ثورات الربيع العربي، تتعدّد الاجتهادات وزوايا النظر بشأن أسباب الانتكاسة التاريخية التي منيت بها هذه الثورات، ومدى مسؤولية الفاعلين، على اختلاف مواقعهم، عما حدث ويحدث. ويكاد دور الإسلاميين وحدوده في ذلك يستحوذ على مساحةٍ كبرى من النقاش الدائر في المنطقة العربية، خصوصاً فيما يتعلق بالحالة المصرية.
ضمن هذا السياق، تفتح مقالة أسامة أبو ارشيد ''أخطاء الإسلاميين.. القراءة المبتسرة'' (العربي الجديد، 22 أبريل/ نيسان 2016) أفقاً لاستدعاء بعض جوانب هذا النقاش. وعلى الرغم من حديث الكاتب عن ''أخطاء الإسلاميين الكبيرة في التعاطي مع سنوات الربيع العربي'' ومسؤوليتهم ''عما آل إليه الوضع العربي اليوم''، إلا أن ذلك لم يكن، في نظره، إلا بسبب قلق هؤلاء (في مصر تحديداً) من محاولات ''الدولة العميقة'' إعادة إنتاج نفسها، وخوفهم على الثورة ومحاولة حمايتها، وهو ما دفعهم إلى المغالبة التي انتهت بهم، حسب الكاتب، إلى ''أن يكونوا وحدهم في الميدان، بعد أن انفضّ عنهم شركاء الأمس. وبالتالي، سَهُلَ أمر تقويض الثورة، وسحقها على أيدي الثورة المضادة''.
يجانب هذا التوصيف مجمل وقائع الثورة المصرية على امتداد سنواتها الثلاث الأولى على الأقل. بداية، كان "الإخوان المسلمون" يدركون أنهم لم يسهموا في إنتاج لحظة الثورة التي فاجأتهم مثلما فاجأت القوى الأخرى، فسارعوا إلى الانخراط فيها بغاية التحكم في مساراتها وتطويعها لتلائم رؤيتهم للأوضاع، أي أنهم اتجهوا نحو ''المغالبة'' التي لم تكن تعني غير إقصاءٍ ممنهجٍ ومدروسٍ للنخب المدنية واليسارية والعلمانية والليبرالية، ما يسمح لهم بالتحكم في مفاصل الدولة والمجتمع، خصوصاً مع منعطف حاسم، مثل انتخابات مجلس الشعب 2011-2012، فقاموا بترشيح ممثليهم في كل الدوائر، وفازوا بنصف مقاعد المجلس تقريباً، ثم برئاسته، كما استطاعوا السيطرة على أغلب لجانه المختصة. وقع "الإخوان" بسهولة في فخ هذا الاكتساح غير المدروس، فاعتبروا ذلك تفويضاً شعبيا لاكتساح ما تبقى من مؤسسات الدولة المصرية وأجهزتها، وكذلك كان. فشهوراً قليلة بعد ذلك، فاز محمد مرسي في انتخابات الرئاسة التي لم يقرأ "الإخوان" سياقاتها ونتائجها بتأنٍ وتبصر كافيين، حيث شكلت تراجعاً واضحاً بالنسبة لهم قياساً للانتخابات التشريعية (حصل مرسي في الجولة الأولى على ما يقارب 25 % فقط!).
ماذا كان سيضير لو تنازل "الإخوان" عن رئاسة مجلس الشعب لشخصية من التيارات الأخرى؟ ماذا لو لم يتقدّموا إلى انتخابات الرئاسة ودعموا، في المقابل، حمدين صباحي مثلا؟ ماذا لو تحلوا ببعض النضج السياسي في منعطفات حاسمةٍ، مثل تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور؟ ماذا لو تجنّب مرسي إصدار الإعلان الدستوري، سيئ الذكر، الذي أحدث حالة استقطاب حادّة وغير مسبوقة، بسبب رغبته في توسيع صلاحياته التنفيذية؟ ماذا لو استوعب "الإخوان" السياق الإقليمي والدولي للأحداث، وأدركوا حجم الزخم الذي كان من الممكن أن تمنحه الثورة المصرية لشقيقاتها الأخرى في حالة نجاحها؟

مؤكد أن ذلك كله كان سيسهم في إشاعة أجواء الثقة المتبادلة بين الإسلاميين والقوى والتيارات الأخرى، ويفضي إلى بناء قاعدة توافق وطني واسع، يستوعب الجميع ويقطع الطريق، بالتالي، على قوى الثورة المضادة التي كانت تتحيّن الفرصة للانقضاض على الثورة. وهو ما حدث فعلا، حيث لم يترك "الإخوان" خيارا لشركائهم الناقمين عليهم سوى الانضمام إلى مظاهرات 30 يونيو 2013، لا سيما بعد أن رفض مرسي دعوات إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، وهو رفض لا يمكن تفسيره إلا بغياب الأفق السياسي الذي يسمح بقراءة ديناميات الصراع وتحولاته واستيعابها على ضوء موازين القوى القائمة.
إذا كان الإسلاميون يمثلون أكثر التنظيمات السياسية العربية أثراً وأكبرها حجماً، حسب ما جاء في المقالة، فإنهم لم يستثمروا ذلك في بناء مشروع وطني متعدد، ومنفتح على كل القوى المجتمعية، بل حوّلوه إلى موردٍ يذلل أمامهم العقبات ليستفردوا بالسلطة، ويتحكّموا في مؤسسات الدولة المختلفة. وهنا، تقدم الحالة التونسية نموذجاً ناجحاً لإمكانية بناء تحول ديمقراطي بأقل الخسائر، إذا ما امتلكت النخب الحد الأدنى من النضج والمسؤولية اللذيْن يغلبان المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الإيديولوجية والحزبية الضيقة، وهو ما استطاعت حركة النهضة أن تنجح فيه، إلى حد كبير، على الرغم من الإكراهات المختلفة التي واجهتها في هذا الصدد. وتنبئنا التجارب التاريخية ذات الصلة أن نجاح أي انتقال ديمقراطي ينبني على توافق اجتماعي وسياسي واسع، تشارك فيه مختلف مكونات المجتمع بلا استثناء، وبقدر ما تتسع قاعدة هذا التوافق تتضاعف فرص نجاح العمليات الانتقالية وعبورها إلى بر الأمان.
القول إن الإسلاميين أخطأوا لا ''يستبطن أية تبرئة للنظام القمعي العربي'' كما جاء في المقالة، ولا يمثل ترحيباً بانقلاب عبد الفتاح السيسي على شرعية محمد مرسي، ولا إعفاء للتيارات الأخرى من مسؤولية الانتكاسة التي منيت بها الثورة، بعد أن اصطفت بعض رموزها إلى جانب حكم العسكر، كما أن القول بذلك ليس قفزاً على خطورة الدور الذي لعبته قوى أخرى داخلية وإقليمية ودولية في مسلسل إجهاضها. لكن، لو تجنب الإسلاميون بعض ما وقعوا فيه من أخطاء، ربما كان سيدفع بالوقائع والأحداث في اتجاه مسارات أخرى.