14 سبتمبر 2024
عن "انعدام شرف الخصومة" في مصر
اشتهرت أجهزة الأمن المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بسياسة معروفة للقبض على المتهمين في المناطق الشعبية الفقيرة، إذ كانت تلجأ إلى القبض على أهالي المتهم، خصوصا أفراد أسرته المقرّبين، وتحتجزهم لديها (ولا مانع بالطبع من تعريضهم لحفلة تعذيب معتبرة)، حتى يسلّم المتهم نفسه. ولم يكن المتهم، أو أي من أقاربه، يجأرون بالشكوى، فلم يكن أحد ليساندهم أو يقف بجانبهم، إذا تجرأوا وأبلغوا عما تعرضوا له، بجانب التهديد والوعيد الذي سيتعرّضون له من ضباط الشرطة.
لكن، إذا كانت تلك سياسة ضباط الشرطة على نطاق ضيق نوعا ما في عهد المخلوع، فإنها تحولت إلى سياسة دولة ممنهجة في مصر ما بعد الانقلاب، بعد أن عاد النظام القديم لينتقم من الثورة، لكنه انتقام من نوع خاص هذه المرة، فلم تتم مراعاة أي حرمات، واتبعت سياسة جديدة اعتمدت على التنكيل بأسر معارضي الانقلاب، فلم تعد السلطات تكتفي بالقبض على أفراد الأسرة حتى تسليم المتهم نفسه، بل تعدّت ذلك إلى القبض على المتهم، ثم على أفراد أسرته، نوعا من العقاب الإضافي، وهي سياسة لم تقتصر على القيادات السياسية المعارضة، وامتدت إلى الأفراد العاديين، فلم تتوقف السلطات عن القبض على قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بل نكلت بأفراد أسرتهم، بدءا من قتل عمار نجل مرشد الجماعة، مرورا بالقبض على أسامة نجل
الرئيس محمد مرسي، وكذلك القبض على سعد وحسن نجلي خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة، ومعاذ نجل رجل الأعمال حسن مالك، الذي صدر ضده حكم درجة أولى بالإعدام، وجهاد الحداد نجل عصام الحداد مساعد مرسي للشؤون الخارجية، وكلاهما معتقل حتى الآن. وعرفت السجون المصرية قصة محمد سلطان نجل القيادي صلاح سلطان الذي نجح في إجبار سجّانيه على الإفراج عنه، بعد أن نفذ أطول إضراب عن الطعام في تاريخ السجون المصرية والعالم، بلغت مدته 495 يوما. وانضم الدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد، محمود غزلان، إلى أبنائه ياسر وأنس ويحيى الذين ألقي القبض عليهم فترات متفاوتة، بعد القبض عليه قبل عامين.
وتعد أسرة القيادي في جماعة الإخوان محمد البلتاجي المثال الأوضح لتلك السياسة، فلم تكتف السلطات باعتقال الأب وقتل ابنته، بل تعدّت ذلك إلى القبض على الابن أنس، واحتجازه نحو أربع سنوات بتهم هزلية، فضلا عن مطاردة جميع الأبناء الآخرين، إذ ألقي القبض على عمار وخالد فترات متفاوتة، بالإضافة إلى محاكمة سناء عبد الجواد زوجة محمد البلتاجي بتهمة ملفقة، اضطرتها للسفر خارج البلاد، بعيدا عن زوجها وابنها المعتقلين، حتى أصبحت الأسرة ما بين شهيد ومعتقل ومطارد.
في كل تلك الحالات، تحرص الأذرع الإعلامية على الحديث عن هؤلاء الضحايا باعتبارهم
أبناء للقيادات، ولا تهتم حتى بذكر أسمائهم أو صفاتهم أو وظائفهم أو أي أسباب منطقية للقبض عليهم، وتكتفي بالحديث عن قرابتهم للقيادات، مع إضافة كلام مستهلك عن اتهامات متكرّرة ومتشابهة موجهة إليهم، وكأنها تريد أن تقنع المتابعين بأن القبض على هؤلاء لم يكن لشيء سوى بصفتهم أنجالا أو أقارب للقيادات المشهورة.
أما من يطلق عليهم "الأفراد العاديون" فكان لهم نصيب وافر من تلك السياسة، مثل عائلة المصور الصحفي عمر عبد المقصود المعتقل منذ فبراير/ شباط 2014، وشقيقيه الاثنين إبراهيم وأنس المحتجزين معه في القضية نفسها، بالإضافة إلى القبض على والده في أثناء زيارته له في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدعوى محاولته إدخال هاتف محمول له، بالإضافة إلى عشرات الأسر الأخرى التي تعاني في صمت، من دون أن تحظى بتغطية إعلامية مناسبة.
من ضحايا تلك السياسة، أخيرا، ابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها، اللذان اعتقلا بتهم هزلية كالعادة، بعد أن أدرجت دول حصار قطر الشيخ القرضاوي في قائمتهم الهزلية لداعمي الإرهاب، فيما يبدو كأنها محاولة رخيصة للضغط على الشيخ، وإيلامه نفسيا عبر استهداف فلذة كبده وإيذائها.
إجراءات أخرى اتبعتها السلطات في سياق انعدام شرف الخصومة لديها، مثل فصل ابنة هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المسشار هشام جنينة، بعد أن عزل الأخير من عمله، كما استولت السلطات على أموال ستة من أبناء الشيخ يوسف القرضاوي، بعد أن تحفظت على أموالهم بدعوى الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن حملات إعلامية منحطّة تطعن في شرف السيدات من عائلات معارضي الانقلاب وتشوه سمعتهن. ومن الممكن أن "يتطور" هذا الأسلوب، ليصل إلى أساليب أخرى لا تخطر على العقل، وكان وزير العدل المقال، أحمد الزند، قد صرح بشيء من تلك الأساليب المستقبلية قبل عزله من منصبه، عندما قال إنه يريد إصدار تشريع ملحق لقانون الإرهاب، يعاقب والدي من سماهم "الإرهابيين"، باعتبارهم شركاء في "جريمة" أبنائهم، وهي سياسة يمكن أن نجد أجهزة الأمن تنفذها قريبا بشكل غير رسمي، عبر تلفيق التهم المستهلكة والمعتادة، اعتمادا على تواطؤ النيابة والقضاء.
والحقيقة أنه من الطبيعي ألا يكون لدى النظام المصري شرف في الخصومة، ذلك أنه لا يمتلك أيا من أنواع الشرف، في الخصومة وفي غيرها، وليست لديه أي قضية محترمة أو قيمة أو مبدأ ليدافع عنه، فقط الانحطاط والاستمرار في الانحطاط إلى ما لا نهاية.
لكن، إذا كانت تلك سياسة ضباط الشرطة على نطاق ضيق نوعا ما في عهد المخلوع، فإنها تحولت إلى سياسة دولة ممنهجة في مصر ما بعد الانقلاب، بعد أن عاد النظام القديم لينتقم من الثورة، لكنه انتقام من نوع خاص هذه المرة، فلم تتم مراعاة أي حرمات، واتبعت سياسة جديدة اعتمدت على التنكيل بأسر معارضي الانقلاب، فلم تعد السلطات تكتفي بالقبض على أفراد الأسرة حتى تسليم المتهم نفسه، بل تعدّت ذلك إلى القبض على المتهم، ثم على أفراد أسرته، نوعا من العقاب الإضافي، وهي سياسة لم تقتصر على القيادات السياسية المعارضة، وامتدت إلى الأفراد العاديين، فلم تتوقف السلطات عن القبض على قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بل نكلت بأفراد أسرتهم، بدءا من قتل عمار نجل مرشد الجماعة، مرورا بالقبض على أسامة نجل
وتعد أسرة القيادي في جماعة الإخوان محمد البلتاجي المثال الأوضح لتلك السياسة، فلم تكتف السلطات باعتقال الأب وقتل ابنته، بل تعدّت ذلك إلى القبض على الابن أنس، واحتجازه نحو أربع سنوات بتهم هزلية، فضلا عن مطاردة جميع الأبناء الآخرين، إذ ألقي القبض على عمار وخالد فترات متفاوتة، بالإضافة إلى محاكمة سناء عبد الجواد زوجة محمد البلتاجي بتهمة ملفقة، اضطرتها للسفر خارج البلاد، بعيدا عن زوجها وابنها المعتقلين، حتى أصبحت الأسرة ما بين شهيد ومعتقل ومطارد.
في كل تلك الحالات، تحرص الأذرع الإعلامية على الحديث عن هؤلاء الضحايا باعتبارهم
أما من يطلق عليهم "الأفراد العاديون" فكان لهم نصيب وافر من تلك السياسة، مثل عائلة المصور الصحفي عمر عبد المقصود المعتقل منذ فبراير/ شباط 2014، وشقيقيه الاثنين إبراهيم وأنس المحتجزين معه في القضية نفسها، بالإضافة إلى القبض على والده في أثناء زيارته له في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدعوى محاولته إدخال هاتف محمول له، بالإضافة إلى عشرات الأسر الأخرى التي تعاني في صمت، من دون أن تحظى بتغطية إعلامية مناسبة.
من ضحايا تلك السياسة، أخيرا، ابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها، اللذان اعتقلا بتهم هزلية كالعادة، بعد أن أدرجت دول حصار قطر الشيخ القرضاوي في قائمتهم الهزلية لداعمي الإرهاب، فيما يبدو كأنها محاولة رخيصة للضغط على الشيخ، وإيلامه نفسيا عبر استهداف فلذة كبده وإيذائها.
إجراءات أخرى اتبعتها السلطات في سياق انعدام شرف الخصومة لديها، مثل فصل ابنة هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المسشار هشام جنينة، بعد أن عزل الأخير من عمله، كما استولت السلطات على أموال ستة من أبناء الشيخ يوسف القرضاوي، بعد أن تحفظت على أموالهم بدعوى الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن حملات إعلامية منحطّة تطعن في شرف السيدات من عائلات معارضي الانقلاب وتشوه سمعتهن. ومن الممكن أن "يتطور" هذا الأسلوب، ليصل إلى أساليب أخرى لا تخطر على العقل، وكان وزير العدل المقال، أحمد الزند، قد صرح بشيء من تلك الأساليب المستقبلية قبل عزله من منصبه، عندما قال إنه يريد إصدار تشريع ملحق لقانون الإرهاب، يعاقب والدي من سماهم "الإرهابيين"، باعتبارهم شركاء في "جريمة" أبنائهم، وهي سياسة يمكن أن نجد أجهزة الأمن تنفذها قريبا بشكل غير رسمي، عبر تلفيق التهم المستهلكة والمعتادة، اعتمادا على تواطؤ النيابة والقضاء.
والحقيقة أنه من الطبيعي ألا يكون لدى النظام المصري شرف في الخصومة، ذلك أنه لا يمتلك أيا من أنواع الشرف، في الخصومة وفي غيرها، وليست لديه أي قضية محترمة أو قيمة أو مبدأ ليدافع عنه، فقط الانحطاط والاستمرار في الانحطاط إلى ما لا نهاية.