06 نوفمبر 2024
عن "الربيع العبري" وأهله
عشنا حتى أدركنا من يبشّرنا بأن "الربيع العبري" قادم إلينا، ليطوّق عالمنا من جهاته الأربع، وحتى وجدنا خصما لنا يخاطبنا عبر موقع عربي، ساخرا من رهاننا على أن ملايين العرب ستنزل إلى الشوارع، مندّدة بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وساعيا إلى غسل أدمغتنا بادّعاء "أن العرب استيقظوا من غيبوبتهم، وباتوا يعلمون، أكثر من أي وقت مضى، بأن القضية الفلسطينية لم تجلب لهم إلا الدمار والخراب (..)، وأنها ماتت ولم تعد تهم أحدا".
الكاتب الخصم هو أيدي كوهين، الباحث والمحلل والمستشار لصانعي القرار في إسرائيل، والموقع العربي هو "إيلاف"، (هل هو عربي حقا؟)، الذي أنشئ قبل بضع سنين ليكون منبرا لمن يسمون أنفسهم "ليبراليين عربا". وجاءت "البشارة" في سياق مقالة حملت عنوانا مستفزا "إنه الربيع العبري أيها السادة"، يستفيض كاتبها في شرح المبرّرات التي دفعته إلى تسويغ هذه الأطروحة، مستندا إلى أن العلاقات تطورت بشكل ملحوظ أخيرا بين إسرائيل والدول العربية، فقد عبّر وزير الاستثمارات السوداني، مبارك الفاضل المهدي، عن دعمه التطبيع مع إسرائيل، وسمح ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بسفر مواطنيه إلى تل أبيب، وزار إسرائيل وفد يضم شخصيات بحرينية، وأصدر مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، فتوى تمنع قتل الإسرائيليين. كل هذه مقادير من "ربيع عبري يزدهر" كما يقول الكاتب "في حين أن الربيع العربي فشل (..) والدول العربية منهمكة بحروبٍ داخليةٍ تستنزف طاقاتها".
دعا كوهين هذا، في مقالة سابقة، الدول العربية، وخصوصا السعودية، إلى تطبيع علاقاتها مع حكومة بلده التي ينبغي عليها بناء علاقة صداقة مفتوحة وحقيقية مع السعودية، حيث "إن السعودية لم تدعم أبدا أفعالا متعصبة ضد إسرائيل، ولم نسمع، ولو في مناسبة واحدة، أنها ساندت حماس ماليا أو حتى منظمة التحرير.. ولذلك علينا، نحن الإسرائيليين، وكل اليهود في العالم، أن نقترب من السعوديين بأذرع مفتوحة، وبصداقة وتفاهم، وليس فقط عبر لقاءات قصيرة.. ولسوف يجيء اليوم الذي تنشأ فيه إسرائيل سفارة لها في الرياض". وعلق الكاتب الأمل على شخصية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووصفه بأنه "عملي، وذو عقل منفتح يتقبل بسهولة الأفكار الجديدة، ويسعى بلهفة إلى إحداث تغيير إيجابي في بلده".
في هذه الغضون، كان رئيس الأركان الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، يريد "دس الإصبع في العين الفلسطينية"، كما ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، وقد وجد ضالته في موقع "إيلاف" الذي كتبت الصحيفة إنه "يتولى مهمة المدوّن لتسريباتٍ يريدها الإسرائيليون"، وكان أن خصّه آيزنكوت بمقابلة "تم تنسيق نصها كلمةً بكلمة بين إسرائيل والسعودية"، بحسب الصحيفة التي أفاد محرّرها العسكري، أليكس فيشمان، بأن نشر "إيلاف" المقابلة ليس بادرة إسرائيلية طيبة وحسب، بل هو بادرة سعودية طيبة نحو تحويل العلاقة السرية مع تل أبيب علنية. وحيث يكتب آيزنكوت إن "توافقا تاما حصل مع السعودية التي لم تكن يوما عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها". وأعرب عن ثقته في إقامة تحالف مع الدول العربية المعتدلة لمواجهة الخطر الإيراني وتبادل الخبرات.
هنا يكتشف المرء أن "إيلاف" لا يروج التطبيع مع الدولة العبرية مصادفة، فقد عمل، منذ تأسيسه، من أجل تهيئة الرأي العام العربي لتقبل فكرة التطبيع مع إسرائيل. ومارس مهمته هذه، في البداية، على نحو حيي وخجول، لكنه مع دخول السعودية التي ترسم مساره حقبة "انفتاح على العصر" في الموسيقى والسينما، وأيضا في السياسة والإعلام والعلاقات بين الدول، شرع في الصراخ بصوت عال، مبشرا بـ "ربيع عبري" يخترق العالم العربي، مبرّرا ذلك بانطلاقه من توجهاته الليبرالية في أن ما يقدّمه للمتلقي هو "عمل صحافي ومهني برؤية التعدّدية واحترام الرأي الآخر، وضرورة الانفتاح على الجميع".
هنا أيضا يلحظ المرء صحفا ومواقع أخرى، تزعم أنها "عربية"، تمارس هذه الأيام مهنة "التطبيع" بشطارةٍ، تحسد عليها، وهي تصور لنا آفاق الخير القادم إلينا عبر "الربيع العبري"، حيث يمدنا أبناء عمومتنا اليهود بخبراتهم العلمية والتكنولوجية، فيما نتولى، نحن العرب، دفع الفواتير، ويضمن الأميركيون سلامة الصفقات وحمايتها.
وبعد.. لتكن بشارة موقع "إيلاف" لنا بربيع عبري جرس إنذار لمن ألقى السمع وهو شهيد.
الكاتب الخصم هو أيدي كوهين، الباحث والمحلل والمستشار لصانعي القرار في إسرائيل، والموقع العربي هو "إيلاف"، (هل هو عربي حقا؟)، الذي أنشئ قبل بضع سنين ليكون منبرا لمن يسمون أنفسهم "ليبراليين عربا". وجاءت "البشارة" في سياق مقالة حملت عنوانا مستفزا "إنه الربيع العبري أيها السادة"، يستفيض كاتبها في شرح المبرّرات التي دفعته إلى تسويغ هذه الأطروحة، مستندا إلى أن العلاقات تطورت بشكل ملحوظ أخيرا بين إسرائيل والدول العربية، فقد عبّر وزير الاستثمارات السوداني، مبارك الفاضل المهدي، عن دعمه التطبيع مع إسرائيل، وسمح ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بسفر مواطنيه إلى تل أبيب، وزار إسرائيل وفد يضم شخصيات بحرينية، وأصدر مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، فتوى تمنع قتل الإسرائيليين. كل هذه مقادير من "ربيع عبري يزدهر" كما يقول الكاتب "في حين أن الربيع العربي فشل (..) والدول العربية منهمكة بحروبٍ داخليةٍ تستنزف طاقاتها".
دعا كوهين هذا، في مقالة سابقة، الدول العربية، وخصوصا السعودية، إلى تطبيع علاقاتها مع حكومة بلده التي ينبغي عليها بناء علاقة صداقة مفتوحة وحقيقية مع السعودية، حيث "إن السعودية لم تدعم أبدا أفعالا متعصبة ضد إسرائيل، ولم نسمع، ولو في مناسبة واحدة، أنها ساندت حماس ماليا أو حتى منظمة التحرير.. ولذلك علينا، نحن الإسرائيليين، وكل اليهود في العالم، أن نقترب من السعوديين بأذرع مفتوحة، وبصداقة وتفاهم، وليس فقط عبر لقاءات قصيرة.. ولسوف يجيء اليوم الذي تنشأ فيه إسرائيل سفارة لها في الرياض". وعلق الكاتب الأمل على شخصية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووصفه بأنه "عملي، وذو عقل منفتح يتقبل بسهولة الأفكار الجديدة، ويسعى بلهفة إلى إحداث تغيير إيجابي في بلده".
في هذه الغضون، كان رئيس الأركان الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، يريد "دس الإصبع في العين الفلسطينية"، كما ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، وقد وجد ضالته في موقع "إيلاف" الذي كتبت الصحيفة إنه "يتولى مهمة المدوّن لتسريباتٍ يريدها الإسرائيليون"، وكان أن خصّه آيزنكوت بمقابلة "تم تنسيق نصها كلمةً بكلمة بين إسرائيل والسعودية"، بحسب الصحيفة التي أفاد محرّرها العسكري، أليكس فيشمان، بأن نشر "إيلاف" المقابلة ليس بادرة إسرائيلية طيبة وحسب، بل هو بادرة سعودية طيبة نحو تحويل العلاقة السرية مع تل أبيب علنية. وحيث يكتب آيزنكوت إن "توافقا تاما حصل مع السعودية التي لم تكن يوما عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها". وأعرب عن ثقته في إقامة تحالف مع الدول العربية المعتدلة لمواجهة الخطر الإيراني وتبادل الخبرات.
هنا يكتشف المرء أن "إيلاف" لا يروج التطبيع مع الدولة العبرية مصادفة، فقد عمل، منذ تأسيسه، من أجل تهيئة الرأي العام العربي لتقبل فكرة التطبيع مع إسرائيل. ومارس مهمته هذه، في البداية، على نحو حيي وخجول، لكنه مع دخول السعودية التي ترسم مساره حقبة "انفتاح على العصر" في الموسيقى والسينما، وأيضا في السياسة والإعلام والعلاقات بين الدول، شرع في الصراخ بصوت عال، مبشرا بـ "ربيع عبري" يخترق العالم العربي، مبرّرا ذلك بانطلاقه من توجهاته الليبرالية في أن ما يقدّمه للمتلقي هو "عمل صحافي ومهني برؤية التعدّدية واحترام الرأي الآخر، وضرورة الانفتاح على الجميع".
هنا أيضا يلحظ المرء صحفا ومواقع أخرى، تزعم أنها "عربية"، تمارس هذه الأيام مهنة "التطبيع" بشطارةٍ، تحسد عليها، وهي تصور لنا آفاق الخير القادم إلينا عبر "الربيع العبري"، حيث يمدنا أبناء عمومتنا اليهود بخبراتهم العلمية والتكنولوجية، فيما نتولى، نحن العرب، دفع الفواتير، ويضمن الأميركيون سلامة الصفقات وحمايتها.
وبعد.. لتكن بشارة موقع "إيلاف" لنا بربيع عبري جرس إنذار لمن ألقى السمع وهو شهيد.