عنصريّة كورونا في "العهد القوي"

11 ابريل 2020
+ الخط -
قال الرئيس اللبناني ميشال عون: "لبنان اليوم يجمع على أرضه عبء أكبر وأسوأ أزمتين أصابتا العالم منذ خمسة وسبعين عاماً، وإذا كان وباء كورونا قدراً سيئاً طاول معظم الدول ونلنا منه قسطنا، فإن أزمة النزوح تحملناها منفردين، وقد تخطّت كلفتها علينا 25 مليار دولار". 

قبل يوم من هذا التصريح، كان السوري المهجر من داريا، بسام الحلاق، يشعل في نفسه النار في تعلبايا، احتجاجاً على تردي أوضاعه المعيشية. يشتكي الرئيس عون هدر خزينته للمليارات الخمسة وعشرين على اللاجئين، دون حماية مئات الآلاف منهم من عوز وعنصرية مستمرين، وقبلها كانت جموع اللبنانيين تنتفض على أداء حكومته من السطو على ودائعهم في البنوك، وعلى تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، والتي لا علاقة لها بقضية اللاجئين، بل بفساد الطبقة السياسية، والتي رفع المتظاهرون شعار "كلن يعني كلن" بوجهها، كتعبير عن حالة الغضب من حكومتهم، إضافة لعشرات الأسباب المتعلقة بفساد السلطة، وطبقة "لوردات" الطوائف المختلفة.

بيد أن الطريق الأسهل لتعليق كل العجز والتستر على الفساد بقذف اللاجئين السوريين بأبشع الأوصاف والذي ينبثق من قضيتهم سواد الحقد والعنصرية الظاهرين في كل مناسبة، هذا الأمر ليس بجديد أن تتفتق عقلية النظام الطائفي المجرب طيلة عقود مع الفلسطينيين في حقب مختلفة مع أزمات السلطة الحاكمة. مهم جداً بالنسبة للسلطة اللبنانية جمع كل الصيغ الماضية التي دأبت على صياغتها في تسول المساعدات، وإرجاع العجز على الآخر، شأنه شأن النظام المشابه له في مقلب الاستبداد السوري.

والصيغة التي يتحدث بها الرئيس عون، بجمع مسألتي الوباء واللاجئين السوريين كأضخم الأعباء التي تواجه لبنان، هي موروث ما أفرزته رواسب وعقد تجسدت بممارسات قبلية وطائفية غاية في البشاعة والتخلف. وكانت مواقف ثابتة ونهائية في الضغط على السوريين لإجبارهم للعودة القسرية تحت حكم النظام السوري، فالتحليل والتقييم لأزمة انتشار الوباء التي يقاسي من أهوالها وآلامها العالم أجمع، هو إقرار مسبق وواضح، بكونية المشكلة ودولية أبعادها التي لا علاقة للسوري بها، لاجئاً في كندا أو أوروبا كان أو في أميركا والأردن، التي لم نسمع تعابير مماثلة في الحقد والإهانة مثلها إلا في دمشق وبيروت.

صحيح أن أزمة النازحين والمهجرين السوريين معقدة ومرتبطة بالحل السياسي في سورية. وتحمل كل سمات المخاض العسير لانسلاخ سياسة عربية رسمية عن قضيتهم، ودخولها حقبة جديدة من استغلال جائحة الفيروس بمد خيوط التواصل مع النظام، باللطم المستمر على أوضاع اقتصادية لتغطية العجز والفساد ودعم الاستبداد. بالتوازي مع تكثيف أدوات الضغط على السوريين، إلا أنها تشكل أزمة تحويل وتكوين المأزق الحضاري والأخلاقي المتناول جميع مقومات الحياة العامة من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، يكون فيها اللاجئ الآخر ساحة الصراع والصدام. مع العلم أن هناك ما يفوق عدد اللاجئين السوريين من اللبنانيين في مغتربات القارات الخمس إلا أننا لم نسمع أيّ تصريح عنصري يلقي باللائمة عليهم من سلطات بلدانهم. لكن السوري بقي مرفوضاً وعرضة للقتل والمهانة والإذلال لاعتبارات سياسية طائفية ومذهبية تخدم أهداف النظام في دمشق.

على الرغم من ذلك كله، لا يمكننا تجاهل حقيقة هامة، تجلت في قدرة البعض، هنا وهناك، في استغلال الرواسب القبلية والقُطرية الشوفينية، وتحريكها بكل ما فيها من أحقاد دفيئة لاستقطاب جمهوره وتعبئته ضد اللاجئين السوريين، وما من سوري نازح في لبنان، إلا وعاش التعاسة التي لا توصف عندما وجد نفسه عاجزاً عن الجهر بمعاناة القهر والعنصرية البغيضة.

وازدادت تعاسته أكثر عندما اكتنفه الغموض والشك بالاستماع لمزاعم المليارات التي عجزت عن بث الدفء في جسده، وهو يراقب تجمد الأجساد والموت من البرد، وهو يرى النار تشتعل في الأجساد غضباً من تأمين حد أدنى من كرامته المهدورة، وما يصنعه الجوع والقهر في مخيمات النازحين من ألوان البؤس المجلل بعنصرية لبنان "العهد القوي".

AF445510-4325-4418-8403-7DA0DAAF58C1
نزار السهلي
كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في فرنسا يقول: طقسٌ رتيب في الرحيل وشقاء ولجوء، يعقبه حلم لا ينطفىء في زمن غير معلوم تحدده الإرادة العليا، هي ملامح سحنتي التي تشبه انتحاب اللاجئين في المُثل الواهمة.