14 نوفمبر 2024
عنصرية ترامب... أين المفاجأة؟
وفجأة.. استيقظ العالم كله داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها على عنصرية دونالد ترامب التي تمثلت، أول ما تمثلت، في قراراته السريعة، بحظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية إلى الأراضي الأميركية بأي مبرّر.
مظاهراتٌ في كل مكان في أميركا تقريبا، ونجوم سينمائيون ورياضيون، يتسابقون في الإدلاء بتصريحات شجب واستنكار وتنديد بسياسة الرئيس الأميركي الجديد تجاه المهاجرين واللاجئين من المسلمين.
الأذان يصدح في كنيسةٍ، وتتعالى صيحات الترحيب، استقبالا لكل من يهبط من الطائرة على الأراضي الأميركية بمظهر إسلامي، ولم يعد الحجاب مثار سخريةٍ، ولا توجس من هؤلاء الذين ظهروا ليصبحوا في نظر الإعلام الأميركي هم الأغلبية.
فجاة، اكتشف هذا العالم أن ترامب عنصري، وأن أحدا لا يوافقه على سياساته وقراراته. ولا ندري، والحال كهذا، من الذي انتخب ترامب، وأوصله إلى سدة الحكم في البيت الأبيض أربع سنوات، وربما ثمان.
هل أتى ترامب من الفراغ؟ هل قاد دبابةً متوجها إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون، ليعلن البيان رقم واحد؟ هل انقلب عسكريا أو مدنيا على سلفه أوباما، وأدخله إلى السجن، قبل أن يحتل كرسيه في قيادة البلاد وسياسة العباد؟ هل هبط من المجهول، مثلا، لكي يتذرع الذين انتخبوه أنهم لم يكونوا يعرفونه، وإنما أرادوا التغيير وحسب، وأنهم لم يكونوا ليتصوروا أن رجلا بمثل هذه العقلية يمكن أن يحكم أميركا؟
هل تمخض العدم فولد رئيسا أحمق اسمه ترامب، فوجد الناس أنفسهم وجها لوجه أمامه حاكما بأمره، في بلد يتشدق بديمقراطيته وتعدّديته وليبراليته، وحفاوته بالحريات على أنواعها وأشكالها؟
لم يحدث هذا كله بالطبع، فترامب ولد وفي يده ميكرفون، وأمامه عدسة كاميرا، ولا يكاد يسبقه رئيس أميركي بشهرته قبل ترشحه. ثم إن الرجل لا ينافسه أحد من الرؤساء والمرشحين السابقين، بمقدار صدقه وشفافيته وصراحته مع الناس، في كل مقابلاته وتصريحاته قبل ترشحه لانتخابات الحزب الجمهوري، وفي أثنائه وبعده، ثم الرئاسة. وبالتالي، لا معنى للحجج التي انتشرت خلال الأسبوع الأول من رئاسته بين شرائح مختلفة ممن انتخبوه فعلا بأنهم لم يكونوا يعرفونه إلى هذا الحد.
وبالتالي أيضا، لا يمكننا رصد أماني الناس المذهولين مما يحدث هذه الأيام، باعتبارها زوبعةً في فنجان، سرعان ما تهدأ، بعد أن تستقر الأمور لترامب، فأموره مستقرة فعلا، وهو إنما يطبق حرفيا برنامجه الذي كان يروّج بعضهم، بأنه مجرد برنامج انتخابي مؤقت، ستذروه رياح النتائج، وتأتي مؤسسة الحكم الخالدة، منذ نشأة الولايات المتحدة الأميركية لتحكم على طريقتها الثابتة، وبأسلوبها الذي لا يتغير إلا شكليا، وخصوصا في القضايا الخارجية الكبرى، فمن الواضح أن حسابات الحقل تطابقت مع حسابات البيدر، على طاولة دونالد ترامب. وبالتالي، إنما يحكم وفقا لرغبات ناخبيه الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض، رغماً عن أنف نجوم هوليوود وأساطين الإعلام الأميركي كله تقريبا، ولا معنى للصدمة المفتعلة التي يعيشها العالم هذه الأيام.
تبدو الأمور منطقية وطبيعية جداً، وهي نتائج مقدمات كثيرة يعرفها الأميركيون، كما يعرفها العالم كله، بعيدا عن بهرجة الإعلام، وتشوقه لهدفٍ مسلٍّ جديد، يملأ بحكاياته، الطريفة والغريبة إلى حد ما، ساعات البث التي أصابها الركود والخمول، ولم تعد أخبار الحروب والتفجيرات تعني لها شيئا، بعد أن فقدت إثارتها بحكم كثرتها، واعتياد المشاهدين عليها في كل مكان أمام الشاشات وخلفها.
نعم.. انتصر ترامب حتى الآن على كل العقبات التي حاولت عرقلته في طريقه إلى سدة حكم أقوى دولة في العالم، على الرغم من عنصريته أو بسببها.. ولعل هذا هو التعبير الأدق، فلا داعي للصدمة.. أيها العالم.