09 نوفمبر 2024
عندما يصل الحراك الجزائري إلى عامه الثاني
يقترب اكتمال عام على انطلاق الحراك الجزائري الذي لم يتوقّف، على الرّغم من ظروفٍ حاولت أن تنال من عزيمة القائمين عليه والمشاركين فيه، المرّة تلو المرّة، بالعمل على إسكاته أو إيقافه، بكلّ الوسائل المتاحة، إلاّ أنّه استمرّ، تمدّد وصمد. في هذا الإطار، ما هي الرّهانات التي تنتظر الحراك والآفاق المستقبلية له في حركية سيرورة التغيير في النّظام والنّخبة السياسية؟
في البدء، كان هناك الشّك بما يمكن أن يفعله حراك ما بنظام سياسي صمد في تعزيز الفشل، بل صمّم على شكل ومضمون سياساته، رسما وأداء، بالنّخبة نفسها، وبالمنهجية نفسها من دون التّفكير، مجرد التّفكير، بما ضاع من فرص، وما تمّ نهبه من أموال، بل ما تمّ إيذاء الجزائر به من طبقة سياسية فاسدة، حاولت استخدام كلّ المقاربات، الأدوات والسياسات لتقزيم بلد كبير، يملك كلّ مؤهّلات القيادة والريادة في إقليمين حيويين (غرب المتوسط والمنطقة الساحلية - الصحراوية). ولكن البلاد ابتليت بتلك القيادة، وكأنّ الوقت كان قد حان، حتما، لإيقاظ الهمم ورفض ذلك التّصميم على إدامة الفشل والاستعصاء لإيجاد منطق للتحوّل الديمقراطي، يشارك فيه الجزائريون في بناء بلادهم.
في تلك الظّروف، وفي تلك البيئة، ولد الحراك في 22 فبراير/ شباط 2019، بنية إسقاط ذلك الفشل والتّصميم على إدامته، مُمثّلا في عهدة خامسة لرئيسٍ توقّف عن أداء مهامّه، حقيقة لا مجازا، بسبب المرض، منذ 2013، أي أساسا، قبل العهدة الرابعة التي أجمع الجزائريون، في 2014، على رفضها، ولكن من دون جدوى بسبب ظروف داخلية (استمرار التّعويل على
الخوف من مرجعية ذاكرة المأساة الوطنية لتسعينيات القرن الماضي)، وأخرى إقليمية (تزامن ذلك مع إرهاصات الرّبيع العربي وبروز بوادر الثّورات المضادّة)، لتكون النّتيجة عهدة وُصفت بالبيضاء نُهب فيها المال العام وعمّ الفساد، على نطاقٍ واسع لم تشهده البلاد بتاتا، مع تغيير نمط عمل النّظام السياسي أدّى إلى إضعاف الجهاز الاستخباراتي وإيجاد طبقة من ناهبي المال العام، تمّت تسميتها، مجازا، للتّضليل، رجال أعمال، كان لهم الدّور الكبير في إضاعة ما يربو عن تريليون دولار في مشاريع خيالية لم تُنجز، في مقدمتها، كما كتب صاحب هذه الكلمات، مرارا وتكرارا، في "العربي الجديد"، قبل بدء الحراك، مصانع تركيب السيارات والطريق السيار باعتبارهما أنموذجين لذلك الفساد، والتي يقبع، بسببها، رئيسا وزراء سابقان، وزراء، برلمانيون، ولاة (محافظو مدن) وبعض من ناهبي ذلك المال العام، في السّجون.
قد تكون الأهداف التي خرج بسببها الحراك، والهادفة إلى تغيير النظام وتجديد النخب، لم تتحقّق بصفة كاملـة، وقد تكون الأهداف المؤسّسة لعقد اجتماعي جديد لم تتجسّد موصلة إلى الجزائر الجديدة التي يحلُم بها الجزائريون، طردا لشبح "الثّورة المسلوبة" التي كتب عنها رئيس الجمهورية الجزائرية المؤقتة في الحرب التحريرية الكبرى (1954 - 1962)، فرحات عبّاس، إلاّ أنّ الحراك استطاع، في الحقيقة، إيجاد وعي لدى الجزائريين، بإخراجهم من حالة الاستقالة والعزوف عن المشاركة في فهم إشكاليات المجتمع السياسية والإسهام، بالتالي، في صنع حدود التغيير الاجتماعي والمجتمعي لجزائر المستقبل.
كما قد تكون الرّهانات التي خرج بسببها الحراك أكبر من أن تتحقّق في عام واحد، لأنّها تتعامل مع منظومة فساد وفشل تمّ اعتمادهما مقاربة للحكم، مدّة قاربت عقود الجزائر المستقلة، ما يستدعي معه رفع تحدّيات تلك الرّهانات، باسترجاع الوعي، تحديد منهجية للإصلاح ثمّ توجيه العمل ليكون مجتمعيا نحو تجسيد ذلك التّغيير، وفق روزنامة تعرف كيف تُحوّل الحالة الرّاكدة للمؤهّلات والمقدّرات إلى حركية وصيرورة، وذلك كلّه موجود ينتظر فقط أن تتوفّر الظروف، ليخرج من حالة الضّمور إلى حالة الحركة نحو الأمام، نحو المستقبل.
بالنّتيجة، الرّهانات كثيرة اقتصادية، سياسية، اجتماعية وتربوية، إضافة إلى التفكير العملي في مشرع تبوّء المكانة الريادية في الجوار والإقليم، مع إعادة بعث المنتظم المؤسّسي المغاربي، والتخلّي، بصفة نهائية، عن العوامل الكابحة لذلك كلّه، ومنها، أساسا، اتّفاقية الشراكة مع الاتّحاد الأوروبي التي كانت من مثالب النظام السياسي السابق، ومن أسباب رهن المستقبل الاقتصادي للجزائر، بل للمغرب العربي، إذ إن تونس والمغرب سبقتا، كلاهما، توقيع تلك الاتفاقية غير المتوازنة مع القطب الاقتصادي الأوروبي.
قد تكون النتائج المحققة من الحراك في العام الذي انقضى غير كافية، حيث جرت الانتخابات
الرئاسية من دون أن تتوفّر الشروط الضرورية الكاملة للتغيير المنشود. ولكن، بما أن السياسة فن الممكن، فإنّ مجرّد استمرار الحراك عاما، من دون أن تحدث الانزلاقات أو الصّدام بين النظام، من ناحية، والمجتمع المدني، من ناحية أخرى، إنجاز يجب البناء عليه، للذهاب نحو هيكلة ذلك المجتمع المدني في جمعيات وأحزاب، ليحدث تجديد/ دوران النخب المنشود حيث أن الحراك رفض المعارضة والنظام، كليهما، معتبرا أنهما يمثلان وجهين لعملةٍ واحدة، تجسدت، على مر الأعوام الماضية، في تحالفاتٍ ظرفيةٍ، أسهمت في الحالة المتردّية التي وصلنا إليها، والتي تستدعي التغيير الجذري والكامل.
بالنتيجة، تكون الهيكلة هي المطلب الحيوي والاستراتيجي، الآن، للسّير نحو المفاوضات الجدّية، بهدف إحداث ذلك التغيير. ولعل جلسات تعديل الدستور تكون المحك للدخول في تلك المرحلة الثانية، لأن مرور عام على الحراك يعني، حتما، الدخول في مرحلة النضوج، وبروز الوجوه التي يمكن التعويل عليها، لتمثيل الحراك بصدقية السّلوك والمواقف طوال الفترة السابقة، وخصوصا، وهو المهم، هنا، منسوب المصداقية لدى شباب الحراك الذي ينتظر، بفارغ الصبر، الاقتراعات المقبلة، ليرى التغيير، وقد تجسد مؤسسيا، وليس في الشارع، لأن التغيير يحتاج إلى الإسهام في العمل السياسي، من خلال ما يوفّره القانون، حتى يبقى الرهان على التغيير بأدوات نظامية وقانونية، تحول دون تضييع الوقت والجهد.
في العادة، يفرح النّاس عند حلول مواعيد الاحتفال بالإنجازات، وهو ما نراه، ماثلا، أمامنا، بمناسبة مرور عام على انطلاق الحراك، إذ إن الجزائريين لا يزالون غير مصدّقين أنّ حراكا شعبيا بملايين المشاركين، في كلّ البلاد، على مرّ عام، ولم يشهد صداما واحدا، على الرغم من بعض المشكلات العرضية، على غرار مسألة الرّاية الأمازيغية أو توقيفات وجوه بارزة للحراك، إلاّ أن السلمية، من الحراك، والتعامل الراقي والمتحضّر من كل عناصر الأمن، عاملان يؤكّدان على وصول الجزائر إلى مرحلة نضوج الموقف المفضي إلى الجلوس حول طاولة مفاوضات، للتفاهم على عقد اجتماعي جديد، يعلن، من خلاله، على ميلاد مشروع جزائر المستقبل.
قد لا ينتبه بعضهم إلى أنّ الإنجاز الهام، في هذا العام، هو عودة إمكانية الوعي السياسي،
وإمكانية إصغاء السلطة لمطالب الشعب، إلا أن ذلك الإنجاز هو الرهان الأهم، حيث إن المطلب والأفق، الآن، هو تحول ذلك كله إلى زخم للتغيير، يشارك فيه كل الجزائريين، يكون أساسه عقدا اجتماعيا، يقبل الجميع العمل وفقه، للانطلاق في عملية كبرى، نضع له تاريخا، ليكن 2040 مثلا، لتكون الجزائر ضمن الدول العشرين الأكبر اقتصادا وتأثيرا في العالم، لأن ذلك يناسب الإمكانات الضخمة المتوفرة التي تنتظر، فقط، أن تخرج من حالة الضمور، والاستخدام غير العقلاني، إلى الحركية، والاستخدام الأمثل بسواعد أكفاء البلاد.
هذا هو المعوّل عليه، المنتظر والمأمول، بعد مرور عام على حراك مبارك، غيّر الجزائر شكلا، والمنتظر أن يسهم في تغييرها مضمونا بالهيكلة لذلك الجهد، وفتح صفحة الجزائر الجديدة، فهل من مصغ؟ وإنّ غدا، مرّة أخرى، ودائما، لناظره لقريب.
في تلك الظّروف، وفي تلك البيئة، ولد الحراك في 22 فبراير/ شباط 2019، بنية إسقاط ذلك الفشل والتّصميم على إدامته، مُمثّلا في عهدة خامسة لرئيسٍ توقّف عن أداء مهامّه، حقيقة لا مجازا، بسبب المرض، منذ 2013، أي أساسا، قبل العهدة الرابعة التي أجمع الجزائريون، في 2014، على رفضها، ولكن من دون جدوى بسبب ظروف داخلية (استمرار التّعويل على
قد تكون الأهداف التي خرج بسببها الحراك، والهادفة إلى تغيير النظام وتجديد النخب، لم تتحقّق بصفة كاملـة، وقد تكون الأهداف المؤسّسة لعقد اجتماعي جديد لم تتجسّد موصلة إلى الجزائر الجديدة التي يحلُم بها الجزائريون، طردا لشبح "الثّورة المسلوبة" التي كتب عنها رئيس الجمهورية الجزائرية المؤقتة في الحرب التحريرية الكبرى (1954 - 1962)، فرحات عبّاس، إلاّ أنّ الحراك استطاع، في الحقيقة، إيجاد وعي لدى الجزائريين، بإخراجهم من حالة الاستقالة والعزوف عن المشاركة في فهم إشكاليات المجتمع السياسية والإسهام، بالتالي، في صنع حدود التغيير الاجتماعي والمجتمعي لجزائر المستقبل.
كما قد تكون الرّهانات التي خرج بسببها الحراك أكبر من أن تتحقّق في عام واحد، لأنّها تتعامل مع منظومة فساد وفشل تمّ اعتمادهما مقاربة للحكم، مدّة قاربت عقود الجزائر المستقلة، ما يستدعي معه رفع تحدّيات تلك الرّهانات، باسترجاع الوعي، تحديد منهجية للإصلاح ثمّ توجيه العمل ليكون مجتمعيا نحو تجسيد ذلك التّغيير، وفق روزنامة تعرف كيف تُحوّل الحالة الرّاكدة للمؤهّلات والمقدّرات إلى حركية وصيرورة، وذلك كلّه موجود ينتظر فقط أن تتوفّر الظروف، ليخرج من حالة الضّمور إلى حالة الحركة نحو الأمام، نحو المستقبل.
بالنّتيجة، الرّهانات كثيرة اقتصادية، سياسية، اجتماعية وتربوية، إضافة إلى التفكير العملي في مشرع تبوّء المكانة الريادية في الجوار والإقليم، مع إعادة بعث المنتظم المؤسّسي المغاربي، والتخلّي، بصفة نهائية، عن العوامل الكابحة لذلك كلّه، ومنها، أساسا، اتّفاقية الشراكة مع الاتّحاد الأوروبي التي كانت من مثالب النظام السياسي السابق، ومن أسباب رهن المستقبل الاقتصادي للجزائر، بل للمغرب العربي، إذ إن تونس والمغرب سبقتا، كلاهما، توقيع تلك الاتفاقية غير المتوازنة مع القطب الاقتصادي الأوروبي.
قد تكون النتائج المحققة من الحراك في العام الذي انقضى غير كافية، حيث جرت الانتخابات
بالنتيجة، تكون الهيكلة هي المطلب الحيوي والاستراتيجي، الآن، للسّير نحو المفاوضات الجدّية، بهدف إحداث ذلك التغيير. ولعل جلسات تعديل الدستور تكون المحك للدخول في تلك المرحلة الثانية، لأن مرور عام على الحراك يعني، حتما، الدخول في مرحلة النضوج، وبروز الوجوه التي يمكن التعويل عليها، لتمثيل الحراك بصدقية السّلوك والمواقف طوال الفترة السابقة، وخصوصا، وهو المهم، هنا، منسوب المصداقية لدى شباب الحراك الذي ينتظر، بفارغ الصبر، الاقتراعات المقبلة، ليرى التغيير، وقد تجسد مؤسسيا، وليس في الشارع، لأن التغيير يحتاج إلى الإسهام في العمل السياسي، من خلال ما يوفّره القانون، حتى يبقى الرهان على التغيير بأدوات نظامية وقانونية، تحول دون تضييع الوقت والجهد.
في العادة، يفرح النّاس عند حلول مواعيد الاحتفال بالإنجازات، وهو ما نراه، ماثلا، أمامنا، بمناسبة مرور عام على انطلاق الحراك، إذ إن الجزائريين لا يزالون غير مصدّقين أنّ حراكا شعبيا بملايين المشاركين، في كلّ البلاد، على مرّ عام، ولم يشهد صداما واحدا، على الرغم من بعض المشكلات العرضية، على غرار مسألة الرّاية الأمازيغية أو توقيفات وجوه بارزة للحراك، إلاّ أن السلمية، من الحراك، والتعامل الراقي والمتحضّر من كل عناصر الأمن، عاملان يؤكّدان على وصول الجزائر إلى مرحلة نضوج الموقف المفضي إلى الجلوس حول طاولة مفاوضات، للتفاهم على عقد اجتماعي جديد، يعلن، من خلاله، على ميلاد مشروع جزائر المستقبل.
قد لا ينتبه بعضهم إلى أنّ الإنجاز الهام، في هذا العام، هو عودة إمكانية الوعي السياسي،
هذا هو المعوّل عليه، المنتظر والمأمول، بعد مرور عام على حراك مبارك، غيّر الجزائر شكلا، والمنتظر أن يسهم في تغييرها مضمونا بالهيكلة لذلك الجهد، وفتح صفحة الجزائر الجديدة، فهل من مصغ؟ وإنّ غدا، مرّة أخرى، ودائما، لناظره لقريب.