29 ابريل 2019
عندما يتحدّث الجيش الجزائري عن الهرطقة
الزواوي بغوره
ورد في افتتاحية مجلة الجيش (الجزائرية)، عدد مايو/ أيار 2019: "اتخذوا من قنوات معينة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لتنفيذ أجندات مشبوهة، عبر شن حملات ممنهجة ومغرضة بهدف تغليط الرأي العام وبث هرطقات وأكاذيب ومغالطات، في محاولة يائسة وخبيثة لاستهداف العلاقة الوجدانية القوية بين الشعب وجيشه وضرب اللحمة والثقة الكامنة بينهما". لا تنشغل هذه المقالة بـ"الأجندات"، و"الحملات" التي تستهدف "العلاقة الوجدانية بين الشعب وجيشه"، وإنما بمفردة "الهرطقات" التي استعملتها هذه الافتتاحية.
تفيد المعاجم والموسوعات أن أصل كلمة الهرطقة (hérésie) يوناني (hairein)، وتعني الاختيار الذي يشير إلى تيارٍ فكريٍّ جديد. ولكن هذه الكلمة نفسها أخذت معنىً مغايرا في المسيحية، لتدل على "الخروج عن العقيدة الأرثوذكسية". وقد حدد اللاهوتيون المسيحيون الهرطقة بأنها "خطأ إرادي ومتعمّد، يتمسك به صاحبه، على الرغم من التحذير الموجه إليه من السلطة الدينية. وبهذا المعنى، تصبح الهرطقة تمرّدا على السلطة الدينية". وقد دانت كل المجامع الكنسية الهرطقة، وحرَّمت كل من يتبعها، وجرَّدته من انتمائه إلى الكنيسة. ظهر ذلك جليا في القرن الثاني عشر، عندما أصدر البابا لوسياس الثالث، في عام 1184، مرسوما بإحالة المهرطق الذي تُثبت إدانته إلى السلطات المدنية لتعاقبه، ثم أصبحت الهرطقة جريمةً كبرى في فترة البابا غريغوري التاسع، حيث تعزّزت سلطة محاكم التفتيش، بحيث يمكن أن نتحدّث عن تاريخٍ للهرطقة، يتغير مضمونه، بحسب المعايير التي تعتمدها الكنيسة في تحديد المؤمن بتعاليمها والمختلف عن تلك التعاليم. وإذا شئنا تقريب هذا اللفظ إلى العربية، فإن كلمة الهرطقة تفيد البدعة ومخالفة المألوف، ولذا لم يتردد بعضهم في القول إنها مرادفة للزندقة. (انظر: ج. ويلتر، الهرطقة في المسيحية).
وبناء عليه: لماذا لجأت افتتاحية مجلة الجيش الجزائري إلى كلمة الهرطقة، فهل الهرطقة مجرّد كلمة مضافة إلى الكلمات التي استعملتها هذه الافتتاحية: (المغالطة، الأكاذيب، الأجندات)، أم
أن لها توظيفًا خاصًا ومقصودًا؟ وبما أن الهرطقة تعني الخروج على "الطريق المستقيم" و"العقيدة الصحيحة"، فهل تعني الهرطقة الخروج عن "عقيدة الجيش الجزائري"؟ فما الذي تعنيه الهرطقة في خطاب مجلة الجيش الجزائري؟ هل تعني كل مخالف لعقيدته العسكرية؟ أم تعني كل مخالف لسياسته في المجتمع الجزائري، ولعلاقته بهذا المجتمع؟ في تقديري، لا يحيل سياق الافتتاحية إلى العقيدة العسكرية للجيش الجزائري، وإنما إلى سياسته وعلاقته بالمجتمع الجزائري أو الشعب الجزائري، وخصوصا في ما يتعلق بما يجري حاليا من انتفاضةٍ شعبيةٍ، تريد أن تضع حدًّا للنظام السياسي القائم منذ الاستقلال، وليس فقط منذ عام 1999، بحكم أن النظام السياسي الجزائري من تصميم الجيش الجزائري، منذ عام 1958.
يقوم هذا التصميم على قواعد ثابتة وعناصر متغيرة. من ثوابته أن الجيش يختار الحكام، ويقرّر كل ما يعتبره (استراتيجيًّا)، و(وطنيًّا)، و(سياديًّا)، ومفيدًا (للشعب)، أو، إذا شئنا الدقة والاختصار، يفصل الجيش في الحكم والثروة، ويسمح للمدنيين بالتنفيذ والتطبيق المصحوبَين بالمراقبة الأمنية. وعلى الرغم مما عرفه هذا النظام من تغيرات، فرضها المجتمع الجزائري عليه، وخصوصا أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 1988 التي فتحت المجال نحو التعدّدية الحزبية، وما تلاه من وقف للمسار الانتخابي، بدعوى "الحفاظ على الديمقراطية ومكافحة الإرهاب"، وقمع لـ "حركة العروش" بدعوى الوحدة الوطنية، فإن النظام السياسي حافظ على طبيعته المتمثلة في تقديم العسكري على المدني، في كل ما هو أساسي واستراتيجي، ولكن ما يجري اليوم من "انتفاضة شعبية وطنية" أو "ثورة شعبية سلمية"، لا يقتصر على مدينة واحدة، أو منطقة معينة، فهي لا تحمل السلاح، ولا تدعو إلى العنف. يضع ذلك كله أسس النظام السياسي القائم على المحك. وبهذا المعنى، يمكن القول إن "ثورة المواطنة" تستهدف هذه العقيدة السياسية التي فرضها الجيش الجزائري على المجتمع، ومن ثمّ، فإن كل نقد لهذه العقيدة، أو الاعتراض عليها، يعدُّ ضربا من الهرطقة، والزندقة، والبدعة التي يتوجب على القائلين بها أن يُعاقبوا أو أن يحرقوا!
والحق، إننا لا نستطيع أن نفهم إصرار قيادة الجيش على تطبيق المادة 102 من الدستور، بدعوى الفراغ الدستوري، أو جرّ الجيش إلى العمل السياسي، ما لم نفكّر في طبيعة النظام السياسي الذي تستهدفه ثورة المواطنة، فهل نحن في حاجة إلى التذكير، على سبيل المثال، بأن الجزائر حكمها العقيد هواري بومدين من عام 1965 إلى 1975 بلا دستور، وبالطريقة نفسها حكمها المجلس الأعلى للدولة من عام 1992 إلى 1995، وأن الرئيس المُقال، عبد العزيز بوتفليقة، أجرى تعديلاتٍ دستورية سمحت له بالحكم عشرين سنة، من دون العودة إلى الشعب، مكتفيا باستشارة البرلمان، بغرفتيه الأولى والثانية، ليقدم نصا دستوريا على مقاسه. وعليه، هل يتعلق الأمر فعلا بالدستور ومواده وما يفرضه من شرعية، وما يمنعه من فراغ مفترض، أم أن الأمر يتعلق بالحفاظ على نظام سياسي، رسمت معالمه مؤسسة الجيش، ولا تريد اليوم أن يتغير تحت ضغط ثورة المواطنة؟
لقد أصبح واضحا اليوم، بعد مرور أربعة عشر أسبوعا من الحراك الشعبي، أو بالأحرى من
الثورة الشعبية السلمية، أن الجيش، وكما عبرت عنه قيادة الأركان، يرى أن الحل يكمن في الامتثال إلى قواعد الدستور الحالي، وأن المخرج الأنسب والأنجع في تطبيق هذا التوجه وحده، وأن الحوار يجب أن يكون مع المؤسسات القائمة (والأشخاص)، وأن حملة تطهير هذه المؤسسات من الفساد و المفسدين، مع تغيير بعض المسؤولين في القطاعات الحكومية المختلفة، تعتبر خطوة كافية لتعزيز هذا الحل الدستوري الذي يمكّن من الإسراع في انتخاب رئيسٍ للجمهورية في 4/7/2019، على الرغم مما يعرفه هذا المسعى من مقاطعة، كما دلت عليه الملفات المقدّمة أخيرا إلى المجلس الدستوري. وبتعبير آخر، الجزائريون اليوم أمام رأيين متقابلين: رأي "دستوري" ترفعه المؤسسة العسكرية، ولا تكفّ عن الترديد أنها لا تتدخل في المجال السياسي، وتندِّد بكل من يريد أن يقحمها في السياسة وتعتبره "هرطوقيا". وفي المقابل، هنالك رأي المجتمع الجزائري، ممثلا بقواه المنتفضة على النظام القائم، والذي يعبّر، من خلال اللافتات والشعارات التي يرفعها المواطنون في كل مناطق الوطن، والمبادرات والإسهامات التي تقدمها النخب الجزائرية، بكل أطيافها، عن ضرورة تنحّي رئيسي الدولة الحالي والحكومة، بحكم أنهما جزء من النظام السابق، فهل يمكن اعتبار كل المنادين بهذا الحل، أو القائلين بهذا الرأي، هراطقة يستهدفون العلاقة الوجدانية بين الشعب وجيشه؟
لا يمكن لأي متابع نزيه إلا أن يسجل مفارقات طبعت بعض خطابات المؤسسة العسكرية، ومنها:
الإصرار على احترام مادة واحدة في الدستور (المادة 102)، وترك بقية المواد، ومنها المادتان 7 و8 اللتان أشير إليهما في الخطابات الأولى، ثم استبعدتا لاحقا. لسنا ندري أين كانت القيادة العسكرية في عام 2013، عندما أصيب الرئيس المقال بالمرض الذي لم يشفَ
منه، ولم ترفع في وجهه هذه المادة، إلا بعد أن انتفض الجزائريون على العهدة الخامسة التي لم تعترض عليها هذه القيادة العسكرية، الحريصة اليوم حرصا شديدا على هذه المادة، وعلى تطبيق الدستور. ولسنا ندري كيف تجرأت هذه القيادة على وصف الذين حكموا مع الرئيس السابق "عصابة"، وتعمل، في الوقت نفسه، على تقسيم هذه العصابة إلى اثنتين، عصابة شريرة، يزجّ بعض أفرادها في السجون المدنية والعسكرية، وأخرى "خيرة" تصلح للحكم لفترة انتقالية أو دائمة. وبهذه الطريقة، يتحقق، ولو بطريقة غير مباشرة، وكما أشار إلى ذلك مهتمون كثيرون بالشأن الجزائري، ما اقترحه الرئيس المُقال من "فترة انتقالية يشرف عليها شخصيا، أو من ينوبه، وتؤدي إلى ميلاد "جمهورية ثانية"، فهل يعقل أن يحتكم الجزائريون إلى أشخاصٍ كانوا جزءًا من العصابة الحاكمة؟
ومن المفارقات المشار إليها أيضا أنه منذ انطلاق "ثورة المواطنة"، بما هي ثورة ضد الوصايا، والجزائريون يشاهدون هذا التوجه الذي طبع موقف المؤسسة العسكرية، والمتمثل في خطابات قائدها التي يلقيها في الثكنات العسكرية، ليجيب بانتقائية عمّا يسمعه أو يريد أن يسمعه، وليأمر، في الوقت نفسه، بما يجب القيام به، بما في ذلك طريقة سير الجزائريين في الشوارع وهم يتظاهرون! مما يعني، بالملموس، أن السلطة الفعلية الوحيدة في البلاد هي سلطة الجيش، فهل الدستور، في نصّه وروحه، ومواده، يسمح لقائد أركان الجيش بأن يتوجّه إلى المجتمع بخطاباته في كل أسبوع، وعندما يصمت تنطق الأجهزة الإعلامية للجيش، لتحكم على المخالفين أو النقاد بالهرطقة، وكأن مؤسسة الجيش، بحسب ما جاء في افتتاحية مجلتها، لم تكتف باحتكارها السلطتين، المادية والسياسية، أو بالأحرى للسلطتين، الفعلية والواقعية، لتضيف لنفسها السلطة الدينية، بحيث تسمح لمن تشاء بالحديث، وتمنع على من تشاء الحديث، وكأن لسان حالها يقول للشعب الجزائري المنتفض منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر: لا تكفي وِصايتنا السياسية والاقتصادية، منذ الاستقلال، عليكم؛ وإنما يجب أن نعزّزها بوصايةٍ دينيةٍ، تمكننا من حكمكم في دنياكم وآخرتكم!
تفيد المعاجم والموسوعات أن أصل كلمة الهرطقة (hérésie) يوناني (hairein)، وتعني الاختيار الذي يشير إلى تيارٍ فكريٍّ جديد. ولكن هذه الكلمة نفسها أخذت معنىً مغايرا في المسيحية، لتدل على "الخروج عن العقيدة الأرثوذكسية". وقد حدد اللاهوتيون المسيحيون الهرطقة بأنها "خطأ إرادي ومتعمّد، يتمسك به صاحبه، على الرغم من التحذير الموجه إليه من السلطة الدينية. وبهذا المعنى، تصبح الهرطقة تمرّدا على السلطة الدينية". وقد دانت كل المجامع الكنسية الهرطقة، وحرَّمت كل من يتبعها، وجرَّدته من انتمائه إلى الكنيسة. ظهر ذلك جليا في القرن الثاني عشر، عندما أصدر البابا لوسياس الثالث، في عام 1184، مرسوما بإحالة المهرطق الذي تُثبت إدانته إلى السلطات المدنية لتعاقبه، ثم أصبحت الهرطقة جريمةً كبرى في فترة البابا غريغوري التاسع، حيث تعزّزت سلطة محاكم التفتيش، بحيث يمكن أن نتحدّث عن تاريخٍ للهرطقة، يتغير مضمونه، بحسب المعايير التي تعتمدها الكنيسة في تحديد المؤمن بتعاليمها والمختلف عن تلك التعاليم. وإذا شئنا تقريب هذا اللفظ إلى العربية، فإن كلمة الهرطقة تفيد البدعة ومخالفة المألوف، ولذا لم يتردد بعضهم في القول إنها مرادفة للزندقة. (انظر: ج. ويلتر، الهرطقة في المسيحية).
وبناء عليه: لماذا لجأت افتتاحية مجلة الجيش الجزائري إلى كلمة الهرطقة، فهل الهرطقة مجرّد كلمة مضافة إلى الكلمات التي استعملتها هذه الافتتاحية: (المغالطة، الأكاذيب، الأجندات)، أم
يقوم هذا التصميم على قواعد ثابتة وعناصر متغيرة. من ثوابته أن الجيش يختار الحكام، ويقرّر كل ما يعتبره (استراتيجيًّا)، و(وطنيًّا)، و(سياديًّا)، ومفيدًا (للشعب)، أو، إذا شئنا الدقة والاختصار، يفصل الجيش في الحكم والثروة، ويسمح للمدنيين بالتنفيذ والتطبيق المصحوبَين بالمراقبة الأمنية. وعلى الرغم مما عرفه هذا النظام من تغيرات، فرضها المجتمع الجزائري عليه، وخصوصا أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 1988 التي فتحت المجال نحو التعدّدية الحزبية، وما تلاه من وقف للمسار الانتخابي، بدعوى "الحفاظ على الديمقراطية ومكافحة الإرهاب"، وقمع لـ "حركة العروش" بدعوى الوحدة الوطنية، فإن النظام السياسي حافظ على طبيعته المتمثلة في تقديم العسكري على المدني، في كل ما هو أساسي واستراتيجي، ولكن ما يجري اليوم من "انتفاضة شعبية وطنية" أو "ثورة شعبية سلمية"، لا يقتصر على مدينة واحدة، أو منطقة معينة، فهي لا تحمل السلاح، ولا تدعو إلى العنف. يضع ذلك كله أسس النظام السياسي القائم على المحك. وبهذا المعنى، يمكن القول إن "ثورة المواطنة" تستهدف هذه العقيدة السياسية التي فرضها الجيش الجزائري على المجتمع، ومن ثمّ، فإن كل نقد لهذه العقيدة، أو الاعتراض عليها، يعدُّ ضربا من الهرطقة، والزندقة، والبدعة التي يتوجب على القائلين بها أن يُعاقبوا أو أن يحرقوا!
والحق، إننا لا نستطيع أن نفهم إصرار قيادة الجيش على تطبيق المادة 102 من الدستور، بدعوى الفراغ الدستوري، أو جرّ الجيش إلى العمل السياسي، ما لم نفكّر في طبيعة النظام السياسي الذي تستهدفه ثورة المواطنة، فهل نحن في حاجة إلى التذكير، على سبيل المثال، بأن الجزائر حكمها العقيد هواري بومدين من عام 1965 إلى 1975 بلا دستور، وبالطريقة نفسها حكمها المجلس الأعلى للدولة من عام 1992 إلى 1995، وأن الرئيس المُقال، عبد العزيز بوتفليقة، أجرى تعديلاتٍ دستورية سمحت له بالحكم عشرين سنة، من دون العودة إلى الشعب، مكتفيا باستشارة البرلمان، بغرفتيه الأولى والثانية، ليقدم نصا دستوريا على مقاسه. وعليه، هل يتعلق الأمر فعلا بالدستور ومواده وما يفرضه من شرعية، وما يمنعه من فراغ مفترض، أم أن الأمر يتعلق بالحفاظ على نظام سياسي، رسمت معالمه مؤسسة الجيش، ولا تريد اليوم أن يتغير تحت ضغط ثورة المواطنة؟
لقد أصبح واضحا اليوم، بعد مرور أربعة عشر أسبوعا من الحراك الشعبي، أو بالأحرى من
لا يمكن لأي متابع نزيه إلا أن يسجل مفارقات طبعت بعض خطابات المؤسسة العسكرية، ومنها:
الإصرار على احترام مادة واحدة في الدستور (المادة 102)، وترك بقية المواد، ومنها المادتان 7 و8 اللتان أشير إليهما في الخطابات الأولى، ثم استبعدتا لاحقا. لسنا ندري أين كانت القيادة العسكرية في عام 2013، عندما أصيب الرئيس المقال بالمرض الذي لم يشفَ
ومن المفارقات المشار إليها أيضا أنه منذ انطلاق "ثورة المواطنة"، بما هي ثورة ضد الوصايا، والجزائريون يشاهدون هذا التوجه الذي طبع موقف المؤسسة العسكرية، والمتمثل في خطابات قائدها التي يلقيها في الثكنات العسكرية، ليجيب بانتقائية عمّا يسمعه أو يريد أن يسمعه، وليأمر، في الوقت نفسه، بما يجب القيام به، بما في ذلك طريقة سير الجزائريين في الشوارع وهم يتظاهرون! مما يعني، بالملموس، أن السلطة الفعلية الوحيدة في البلاد هي سلطة الجيش، فهل الدستور، في نصّه وروحه، ومواده، يسمح لقائد أركان الجيش بأن يتوجّه إلى المجتمع بخطاباته في كل أسبوع، وعندما يصمت تنطق الأجهزة الإعلامية للجيش، لتحكم على المخالفين أو النقاد بالهرطقة، وكأن مؤسسة الجيش، بحسب ما جاء في افتتاحية مجلتها، لم تكتف باحتكارها السلطتين، المادية والسياسية، أو بالأحرى للسلطتين، الفعلية والواقعية، لتضيف لنفسها السلطة الدينية، بحيث تسمح لمن تشاء بالحديث، وتمنع على من تشاء الحديث، وكأن لسان حالها يقول للشعب الجزائري المنتفض منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر: لا تكفي وِصايتنا السياسية والاقتصادية، منذ الاستقلال، عليكم؛ وإنما يجب أن نعزّزها بوصايةٍ دينيةٍ، تمكننا من حكمكم في دنياكم وآخرتكم!