عناصر الخلود

10 اغسطس 2018
نهاد غول/ سوريا
+ الخط -

من غير المعروف ما المصير الذي ينتظر كتاباتنا في الرواية أو الشعر أو المسرح بعد أن تمرّ سنوات طويلة على رحيل الكتّاب (أطال الله في عمر الأحياء من بينهم) أو صدور تلك الأعمال الأدبية. هل سيُنسى هؤلاء وتُباد كتاباتهم، أم سيظلّ القرّاء يقتنون كتبَهم ومؤلّفاتهم ويستمتعون بقراءتها؟

ثمّة من يقول من بين الكتّاب إن هذا الأمر لا يهمّه البتة، إذ إن فكرة الخلود لا تعنيه أبداً، فهو يكتب لمعاصِريه من الناس، ولا يهمّه أمرُ من سيأتي من بعد هذا العصر. أو قد يقول إن من سيأتون من بعدنا سيكون لهم كتّابهم وشعراؤهم وفنّانوهم، وهم بالتالي في غنى عنّا. ومن الصعب أن تجد بين الكتّاب العرب من يصرّح أنه يكتب للأجيال القادمة، دون أن ننكر أن هذه القضية قد تكون رغبة مضمرة لدى جميع الكتّاب، خاصّة أولئك الذين يعتقدون أن عصرهم لا يفهمهم.

غير أن المشكلة هي أن الأدب المعاصر نفسَه قلّما يُقرأ من الجيل الحالي، ولعل أرقام التوزيع تتضمّن مؤشّراً حزيناً وصادماً في هذا الباب؛ فمعظم الكتابات العربية تذهب هباءً من دون أن ينشغل بها أو يهتم بها إلا القليل من قرّاء ربما يعيشون في عزلة لا تقلّ جفافاً عن عزلة الكاتب نفسه.

وللردّ على الكساد الذي يُلاحِق الكتابةَ اليوم في عالمنا العربي، قد تجد من يورد فكرة أن شكسبير نفسَه ظلّ مجهولاً على صعيد الثقافة المسرحية ذاتها لسنوات طويلة بعد موته، وتقول لوري ماغواير في "أشهر 30 خرافة عن شكسبير" إنه عُرف جيّداً وقُرئ في ألمانيا قبل أن يُقرَأ في موطنه إنكلترا.

فما الذي جعله يُصبح خالداً إلى حدّ أن العالم بأسره يقرأ له، أو يسمع باسمه بعد موته بأكثر من أربعمائة عام؟ فإذا كنّا نحن من يقرأ شكسبير اليوم، فهل يعني هذا أنه كان يكتب لنا؟ هل كان يكتب للجيل الحالي الذي يعيش في ظل التكنولوجيا، أم يكتب للجيل الذي عاش في ظل الحربَين العالميّتَين في القرن العشرين، أم يكتب لجيل القرن التاسع عشر؟

أسئلة لا جواب لها، فقد قُرئ الكاتب على نطاق واسع في الأجيال التالية لا في جيله وحده، ولدى أمم كثيرة لا أمته وحدها، وعُرّف على نطاق واسع، وتمّت إعادة قراءة مسرحياته في العصور التالية، لا في عصره فقط.

وفي كتابه "في الميزان الجديد"، كان محمد مندور قد قال في نقده لشعر ميخائيل نعيمة إن العناصر الإنسانية هي التي ستكفل لأدبه، ولأدب غيره من كتّاب المهجر، الخلود. وقال إنها الأفكار العظيمة والحثّ على العدالة، وفعَل مثله سومرست موم في كتابه "عشر روايات خالدة" ولم يقدّم أكثر من الأوصاف العامّة، بحيث أن ذلك السر قد مضى بعيداً عن القارئ.

والمسألة محرجة بالطبع لجميع الكتّاب، وهي ترتبط بقدرتهم على اكتشاف المزيد من العناصر التي تجعل أدبهم باقياً، لا بين أبناء لغتهم الأم وحدهم وحسب، بل بين أبناء اللغات الأخرى أيضاً.

دلالات
المساهمون