على هامش قمة روحاني - ترامب

15 مايو 2018
+ الخط -
إذا كانت الجعجعة النووية وصلت في خريف 2017، وبداية 2018 الحالي، حدَّ مبارزة كيم - ترامب على من يملك الزرَّ الأكبر، فإنها لم تنتج في عقل التاجر سوى مشهد "تفكيك وتركيب"، في بيونغ يانغ وواشنطن، بجوائز ترضية، وتفاهمات قبيل القمة القادمة. أمرٌ مارسه "القائد القذافي"، و"المقاوم الممانع بشار" في حفلتي تَعَرٍّ سابقتين.

وليس ثمة غرابة أن يؤدي هذا المشهد، في الخليج العربي، إلى المقايضة على ضفته الغربية، بلقاء قمة روحاني - ترامب. ليس بالضرورة أن الطرفين على مستوى "تجرع كأس السم"، سريعاً.

ففي مأزق طهران، في المراهنة على أوروبا، والخيبة من موسكو في سورية، وبوصول أزمة "الاتفاق النووي" أعلى درجات التشنج، لا شيء مستبعد. ومثلما لا يمكن تصديق أوهام خطابات "تحويل تل أبيب وحيفا إلى رماد"، أو "إنهاء الكيان في سبع دقائق ونصف الدقيقة"، فإنه يصعب المراهنة على عنتريات ترامبية إعلامية، تضع عينها على تطبيق "الحلب".


فمقابل معسكر تهويل إنهاء دولة الاحتلال، الممارس منذ سنوات سياسة "الموت لإسرائيل" بذبح وتشريد العرب، واعتبار "مفكريه"، في لوثة جنون العظمة أنهم أصبحوا "سلاطين البحار... والسيطرة على 5 عواصم عربية"، نجد المراهنين على ترامب، ممن لم يخرجوا يوماً عن سياسة الثورات المضادة، من مصر إلى سورية واليمن، وغيرها، بكل ما كلفته هذه السياسة الفاشلة.

هذه المفاضلة، التي تسوق اليوم بين مشروعي طهران وتل أبيب الخرافيين التوسعيين، بالصبغة الدينية الموغلة في الكراهية، ومشروعية قتل "النواصب" و"الغوييم"، تضع العرب أمام حقيقة ضآلة مكانتهم ونفوذهم، كاستمراء تاريخي رسمي متكرر بإظهار وجه بشع لحالة عربية لا يهمها من الأمر سوى لقطة تمجيد "عبقرية" الحاكم، وأمواله التي تصرف على ابتياع مكانة زائفة.

وفي هذا الجانب، فإن تنظيرات لورانسية مكماهونية تجد لها سوقاً عربياً، هذه الأيام، وقد سموا الرجل "أبو إيفانكا". وبكثير من البؤس المجرب يراهن بعض عرب الخليج، وغيرهم، على إدارة أميركية، بدونية واستسلام مدفوع الثمن.

لم الغرابة؟ فالنار العربية موقدة لإعداد القهوة على أطلال أوهام، وللأسف شريط الخيبات لا يصيب أصحاب اليخوت والقصور، بل شارع يراهن باسم "طاعة ولاة الأمر"، وإن جلدوا ظهره.

في التاريخ القريب، ثمة دروس. في 2010، حين كان أوباما يبيعهم الأوهام، نسوا دماء رفيق الحريري، وأخذوا نفس أداة إيران، بشار الأسد، في الأحضان، إلى بيروت. وفي بغداد أقعدوا أداتها، نوري المالكي، على كرسي حكم طائفي، لينظر علينا، بعد عام، عن "يزيد ومعاوية"، وقتالهم "على طول الخط"، كموقف من ثورة السوريين... ثم لم تمض سنوات حتى اُستقبل رجال مليشيات إيران في الرياض، وهم الذين هددوها باجتياح مكة، استقبال "رجال دولة".

قبلها، راهن الجمع سنواتٍ ثمانٍ، في الحرب (العراقية - الإيرانية)، على جذب حافظ الأسد، حليف الخميني، بكثير من "الرز"، ولم يحصدوا سوى دفع المزيد منه في تجميع جنود رفعت الأسد، بعد سنوات قليلة من مذبحته في حماة، في حفر الباطن.. وفي التقاء "الرجعية والتقدمية"، مفارقة لا تُنسى حتى يومنا.

السؤال الجوهري اليوم: من مكَّن ملالي طهران من رقاب العرب؟ وبأحصنة طروادة من؟منطقياً، إذا أردنا تصديق لورانسيات العرب هذه المرة، فلنا أن نسأل: هل حقاً من يحتل المرتبة الأولى في التعامل التجاري مع طهران، ويشكل قاعدة خلفية لغسيل أموالها، وقف حقاً بوجه مشاريعها؟

كم من فرصة أضاع العرب في سورية لوقف "خردقة" طهران لهم؟
لقد اختزل أفيغدور ليبرلمان كل القصة، بعد كل الصفع "لسيادة سورية"، التي يصمت عنها أبو الغيط، ويتذكرها فقط فيما خص تركيا، وتلك طامة أخرى، بقوله لبشار الأسد أن أخرج الحرس الثوري الإيراني وسنستمر في حمايتك. كما فعلوا مع أبيه، حين عرف الخطوط الحمراء.

توظيف المال الخليجي لطلب تصريحات، وتجهيز جلسات "خبراء ومحللين" لبيع الأوهام في قوارير، بلسان عربي، على قنوات وصدر صفحات لندنية، ليست، مرة أخرى، سوى مراكمة للخيبات، بأثمان باهظة هذه المرة.

ثمة أسئلة تطرح على أصحاب الوهم:
ما هو موقف مصر السيسي، من تحالف طهران في المنطقة؟ هل بشار الأسد، رغم أنه متحول في الجيوسياسة، إلى قطعة على رقعة شطرنج، يمكن احتوائه وعقد صفقات معه، لترسيخ تهجير الملايين ونسيان دماء السوريين؟ وهل المراهنة على خسارة أردوغان في تركيا، مع كل الانهيارات التي ساهم فيها البعض في العراق لمصلحة دولة المليشيات الإيرانية، سيقود إلى نتائج غير تلك المناكفة بصبيانية متعمقة في واقع العرب؟ بل هل من مراهنة على موسكو المسوقة لهم أوهام لجم إيران في سورية؟

والأهم، هل حقاً هذه السياسة الصبيانية، بعد عام من انتهاجها في الخليج، ستصبح أكثر نضوجاً بـ"حفر قناة سلوى"؟ مع الإمعان في المراهنة على واشنطن، أكثر مما تفعل أوروبا، فيها شيء من صون المصالح العربية.

باختصار، لا مفاضلة عند العربي بين مشروعين خرافيين دمويين باستخدام أساليب دينية، سواء في طهران أو تل أبيب، وتوابعهما. فمن يريد مواجهة مشروع إيران التوسعي لديه الخرائط، وهي ليست ملتوية لتمر بمكتب نتنياهو المؤمن بصرخات التطرف "الذبح للعرب".

قد يصدم البعض من "القنوات السرية" التي ستكشف عنها الأيام، وحينها لن تفيد إعادة تدوير لعق الشعارات، والخطابات الرنانة، وسجع كتّاب أعمدة عكاظ والشرق الأوسط، ولا حتى ترهات مخترعي كذبة "جهاد النكاح" في بيروت.

من سيتجرع كأس السم حينها ليسوا هؤلاء، بل الذين دخلوا في مبارزة تجميل قبح قتلة، أحفاد وأبناء قتلة، في دير ياسين وكفر قاسم، وسفاحين في حمص وحوران وحلب واليرموك، وهم يبحثون عن "طريق القدس".