علة الفصام في سيرة الأقلام

28 مايو 2015
+ الخط -
أكاديمي، علماني، يساري، يطلق شعره الأجعد الأشيب، لينسدل على كتفيه، ويعمل أستاذ علوم سياسية في جامعة أميركية، لكنه لا يتورع عن الارتداد إلى مذهب أبيه وجده، بتدبيجه مقالات التأييد لحزب طائفي، وخاضع، علناً، لأمر الولي الفقيه في إيران. هو لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب، كما يقال، وإن قرأته، ستظن، لوهلة خادعة، أنك أمام بعض من مقالات تشي جيفارا، وقد عاد حياً بلسان عربي فصيح، لا أمام مزايدات يكتبها عربي متحذلق، يعيش في كاليفورنيا، ويمارس ترف مراقبة الصراع في بلاده، وجوارها، عن بعد عشرة آلاف كيلومتر، ليقرر، ومن دون أن يرف له جفن، من هو الوطني ومن هو الخائن، بناء على معطيات واهية، منها حمل جنسية أيٍ من بلدان الخليج العربي، أو الإقامة فيها، أو العمل في مؤسساتها، ومنها، أيضاً، خطيئة القيام بزيارة إلى أميركا، أو الاجتماع مع أي مسؤول أميركي، على الرغم من أن صاحبنا اختار بلاد العم سام، بإرادته، وطناً بديلاً من لبنان، وأقسم لها يمين الولاء، وحصل على جنسيتها، وامتنع عن زيارة مسقط رأسه، منذ سنين عددا، لأنه يخشى على حياته في بلاد تفتقد الأمن والاستقرار.

كاتب يساري آخر، يتمسح في كل جملة يكتبها، بمنهج البيان الشيوعي، ليكشف لنا مخططات الاستعمار الذي أمعن في إمبرياليته، ضد بلادنا. وإذ يوشك الرجل على أن يبهرك، في حال كنت ممن لا يعرفونه قبلاً، وذلك ببراعة المقدمات في تحليله، فإنه سرعان ما يصدمك، حين يصل إلى النتائج، ويكشف لك أن بلادنا التي تتعرض للمؤامرة الكونية، هي سورية، وحسب، لا بحدودها قبل "سايكس بيكو"، أو حتى بعد استقلالها، وإنما بعائلتها الحاكمة، آل الأسد، ومعهم سماحة السيد حسن نصر الله، وفق تعبيره. ماذا دهاه، تتساءل، وكيف يمكن لما يقوله، عن أميركا ومخططاتها، أن يقود، إلى الحديث، عن تآمرها لإسقاط نظام حكم، طالما غضت النظر عن جرائمه ضد شعبه، نظير نجاحه في حماية حدود إسرائيل، وتفوقه في هذه المهمة على الدول العربية المرتبطة معها بمعاهدات سلام؟ إنها يسارية تقليد الولي الفقيه، وقومية الولاء لإيران، أو لعلها تعبيرات الفصام الذي ستتيقن منه، بمجرد أن تسأل السيد غوغل، ويجيبك، بعرض مقالات صاحبنا القومي اليساري في حقبة ما قبل الربيع العربي، وجلها مكرس للتحريض على الفلسطينيين، باعتبارهم تهديداً وجودياً لبلاده، الأردن، وبوصفه أحد وجوه فئة إقليمية انعزالية، طالما شبهها كثيرون بحزب الليكود الإسرائيلي.
أما ثالث النماذج من أصحاب الأقلام المصابة بعلة الفصام، فكاتب مشهور، يصعب تصنيفه في قوائم اليساريين أو القوميين أو الإسلاميين، كما يصعب تحديد هويته، وما إذا كان فلسطينيّاً أو لبنانيّاً سعوديّاً أو بريطانيّاً. هو بلا لون، ولا اتجاه، ولا حتى انتماء وطني، لكنه رقيق وأنيق، ويكتب بالشوكة والسكين، لا بالقلم، ليحدّث قراءه، غالباً، عن شذرات من فحوى لقاءاته مع الزعماء، في الشرق والغرب. مقالته، على ما فيها من شخصنةٍ واستعراض، تكون، والحق يقال، مسلية أحياناً. وقد كان في وسعه أن يبقيها كذلك، دونما ضر أو نفع لأحد، لولا أنه تخلى، أخيراً، عن الشوكة، ليلوح بالسكين في وجوه المصريين؛ إن الرئيس عبد الفتاح السيسي "آدمي وابن بيت... لكن تنقصه الشراسة، وإظهار القدرة على الأذى، ليخيف الناس"، قال الرجل، في مقابلة صحافية، واستشهد بتعاليم ميكافيللي، ثم دعا في مطرح آخر إلى ترحيل أهالي شمال سيناء، وإطلاق النار على من يرفض المغادرة منهم، لكأنه لا يكتفي بمذبحة رابعة، وأحكام الإعدام الجماعية، بل لكأنه قادم من عصور الظلام والانحطاط الأوروبية، لا من بريطانيا المعاصرة التي يحمل جنسيتها، ويقيم فيها، وتمنع قوانينها التحريض على القتل.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني