علاوي... من أين وإلى أين؟

29 فبراير 2020
+ الخط -
قبل أن يكتمل تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي، احتدم الجدل حول أصل تشكيلها. 
بعد أن كان سائدا أنه هو الذي رشّح علاوي، أجاب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إن رئيس الجمهورية، برهم صالح، هو الذي كلف علاوي، بينما قصر هو موقفه على عدم المعترض على علاوي، بل والأمل فيه خيرا، ولكن عدم المعارضة شيء والاختيار شيء آخر.
من الذي اختار علاوي إذن؟ قبل أيام، تجرّأ أحد أتباع الصدر السابقين، نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، على القول إن جزءا من المرجعية الشيعية هو من عيّن علاوي، وقد جاء نفي ذلك بصيغ مختلفة. وما زال موقف القوى السياسية الشيعية في البرلمان غير واضح، فهناك من بينها من لا يعجبه علاوي، على ما يبدو، أو الطريقة التي يتحرّك بها.
إذن، من الذي اختار علاوي؟ ما كان برهم صالح ليعلن تكليفه، لولا أنه تأكد من عدم معارضة القوى الأساسية في المجتمع الشيعي. وقد أعلنت المرجعية الشيعية أنها لا تؤيد علاوي، لكنها لا تعارضه، في الوقت نفسه، نأيا منها عن التدخل في السياسة في هذه المرحلة. وأعلن الصدر موقفه الداعم له، وكذلك تحالف الفتح، ولكن من غير تبنٍّ لمسؤولية تعيينه في منصبه.
من يعرف عمليات تشكيل الحكومة في العراق يعرف أن الصيغة الذهبية هي عدم المعارضة، فالمرشّح الذي يستقر عليه الأمر، في النهاية، هو المرشّح الذي لا يوضع عليه الفيتو من أي طرف سياسي مؤثر. ويجب أن يحوز دعم إيران وترحيب الولايات المتحدة. تلك هي الشروط، ولكن عمليات تكليف رئيس الوزراء في العراق بعد العام 2003 دائما ما كانت غامضة، فقد حرم الفائز بالانتخابات أكثر من مرة من الوصول إلى المنصب، كما تولاه خاسرون غير مشاركين مرارا.
تولّى محمد توفيق علاوي المنصب على أي حال، ولكن من غير أن يعلن عن الجهة التي رشحته ابتداءً تحديدا. المشكلة التي تواجه العملية السياسية في العراق الآن أن علاوي، القادم من رحم
 المحاصصة واتفاقاتها الغامضة، يريد أن يقوم بعمل لم يستطع أي رئيس وزراء سابق أن ينجزه، وهو تشكيل حكومةٍ تدعمها الأحزاب، ولكن لا تتمتع بالحق بتعيين ممثلين فيها، ويرفق ذلك بشعاراتٍ حماسيةٍ عن إنجازه مهمة تاريخية، راكبا موجة التظاهرات التي أعلنت رفضها له ولترشيحه، وللصيغة التي أتى بها، حتى وإن كانت تفاصيلها غير واضحة.
حتى إن حصل علاوي على دعم عام من الأحزاب الشيعية، فإن مشكلته مع الكرد والسنة قائمة، فقد انهارت مفاوضاته مع الأحزاب الكردية المطالبة بحصتها في الحكومة، والمتذرعة بالدعوى القومية، وأيضا بدعوى أنها تمثل إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي الذي تقول إنه يجب أن يتمتع بوضع تمثيلي خاص. أما القوى السنية فهي مشتتة كالعادة، ولكن من يعتقد من بينها أن لديه ما يكفي من القوة للمطالبة بالحصة الطائفية من المناصب، فقد صعّدت من معارضتها الطريقة التي يتصرف بها علاوي إلى معارضة تعيينه أصلا. وكان من الطريف أن يقول رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي (السنّي)، إنه لم يؤيد تكليف علاوي برئاسة الوزراء، ليدخل في سجالٍ مع رئيس الجمهورية (الكردي)، برهم صالح، حول الأمر، ولتتسرب صور للحلبوسي، قيل إنها التقطت في أثناء حضوره عملية تكليف صالح علاوي برئاسة الوزراء.
وصل أمر معارضة الكرد والسنة إلى الطرف الأميركي المؤسس للعملية السياسية طبعا، ليتصل وزير الخارجية، مايك بومبيو، بعلاوي، ويحثه على التفاهم مع زعماء الكرد والسنة وإرضائهم، وهذا ليس سهلا أبدا، من غير إعطائهم حصصهم المعتادة في نظام المحاصصة الطائفية. وهنا من المهم الانتباه إلى أن الأحزاب الشيعية النافذة ذات الأذرع المسلحة تستطيع السيطرة على عمل أي وزير غير حزبي، قد يأتي به علاوي أو غيره في أي وزارة في بغداد، بينما لا يتأتى هذا الأمر للأحزاب الكردية البعيدة ميدانيا أو للسنية الضعيفة سياسيا. لذلك يحتاج الكرد والسنة من أجل إنجاز مصالحهم وفق نظام المحاصصة إلى وجود ممثلين مباشرين لهم في المناصب الوزارية، وهذه هي نقطة الخلاف الآن.
وبالنسبة لحركة التظاهرات التي لم تستطع الوصول إلى أهدافها فهي تواجه عامل الزمن، والقوى السياسية ذات الأذرع المسلحة التي أصبحت موحدة على هدف احتواء التظاهرات والسيطرة عليها. بات الموقف صعبا، وبات الاهتمام منصبا على صراع علاوي مع القوى السنية والكردية، وهو صراع على صيغ المحاصصة الطائفية وترتيباتها، وليس له علاقة بالتغييرات الجذرية التي دعت إليها الحركة الاحتجاجية.
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
رافد جبوري

كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.

رافد جبوري