بحيوية، تتفاعل مجموعة أطفال فلسطينيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع أصوات موسيقى هادئة، تنساب داخل إحدى قاعات المركز الوطني للتأهيل المجتمعي في مدينة غزة، حيث صارت هذه الموسيقى علاجاً فعالاً لهؤلاء الأطفال "الانطوائيين"، ما مكن الكثيرين من مغادرة عزلتهم والاندماج في المجتمع.
بعد أن تسللت أصوات الموسيقى إلى مسامع الطفلة سيدال أبو سخيل (10 أعوام)، المصابة بـ"شلل دماغي"، بدأت، وبـ"حروف ثقيلة"، تردد كلمات أغنية "عصوم ووليد"، وهي أغنية طفولية تفضل سماعها، لتشجع بقية الأطفال على التفاعل معها بالغناء والتصفيق في جلسة يحضرها أكثر من 20 طفلا. وسيدال تتمنى أن تجيد العزف على آلات موسيقية لتغيّر نظرة الكثيرين إلى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولتزود آخرين بالسعادة عبر الموسيقى.
ألين عوض الله، وهي مختصة نفسية في المركز (غير حكومي وغير هادف للربح) ومشرفة على جلسات العلاج بـ"الموسيقى"، تقول إن "الطفلة سيدال كانت قبل أن تشارك في جلسات العلاج بالموسيقى، طفلة إنطوائية عديمة الثقة بالنفس بسبب شعورها بالاختلاف عن الآخرين".
وتوضح عوض الله (32 عاماً) أن "سيدال هي واحدة من مئات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة، الذين حطّمت نظرة المجتمع السلبيّة لهم، ثقتهم بأنفسهم".
وبشأن ظروف إطلاق برنامج العلاج النفسي بالموسيقى، في المركز الذي أنشئ في غزة عام 1995، تقول: "في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، نتجت الفكرة من الحجم الكبير للضغوطات والمشاكل النفسية التي خلفتها الحرب، ولا سيما المشاكل النفسية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة نظراً لحالاتهم الصحية والجسدية".
وتلفت عوض الله إلى أن "عدداً كبيراً من الأبحاث الدولية أثبت أن علاج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بالموسيقى، هو علاج فعّال وناجح". وتمضي المختصة النفسية في المركز الذي يقدم خدماته دون مقابل: "العلاج بالموسيقى يلامس الجهاز العصبي بشكل مباشر، ويؤثر في الوجدان، وهذا من شأنه أن يعالج ويحسّن الصحة النفسية للطفل، ويعمل على دمجه في المجتمع".
و"من أكثر المشاكل النفسية التي يعاني منها الأطفال ذوو الإعاقة في غزة، وساهمت جلسات العلاج بالموسيقى، التي بدأت في يناير/ كانون الثاني الماضي، في القضاء عليها: الخجل، الإنطوائية، الوحدة، ورفض الالتحاق بمقاعد الدراسة"، كما تقول عوض الله.
وتتابع: "لاحظنا حدوث تطورات إيجابية على الصعيد النفسي للأطفال الذين التحقوا بجلسات العلاج النفسي، فبعضهم التحق بمقاعده الدراسية، وآخرون تغلبوا على ظاهرة الخجل والانطوائية، عدا عن الاختلاط مع الآخرين واللعب معهم". وتلفت إلى أن "المركز يعمل على دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، لينشأوا في بيئة صحية".
وتُستخدم آلتا "العود" و"الكمان" لمساعدة هؤلاء الأطفال على تجاوز مشاكلهم النفسية من خلال المركز، القائم على التبرعات بنظام المشروعات، بمعنى تقديم مشروع لجهة، وهي تقبل بتمويله.
صلاح أبو حمد، وهو عازف كمان، يقول إن "جلسات العلاج بالموسيقى بدأت بشكل فردي، بين مجموعة من العازفين الذين أرادوا أن يخففوا من الصدمات النفسية للحرب الإسرائيلية على الأطفال الغزيين، لا سيما ذوي الاحتياجات الخاصة منهم".
وعن ردود أفعال الأطفال، يوضح أبو حمد (45 عاما) أنه "بعد عدة جلسات لاحظنا أن هناك تفاعلاً واستجابة من الأطفال للموسيقى، وبدأوا في الخروج عن صمتهم عبر الغناء والتصفيق والضحك مع بعضهم". وهؤلاء الأطفال، بحسب العازف الفلسطيني، "يترجمون مشاعرهم عن طريق الغناء والموسيقى، ووجدوا منها طريقة لتوصيل صوتهم إلى مجتمعٍ يهمشهم".
اقرأ أيضاً: يمنيّون يتسوّلون بإعاقاتهم