معلمات مغربيات مُلهمات ومُبتكرات: من أجل جيل الغد

05 أكتوبر 2024
ساهمت المعلمات في ابتكارات ومهارات لصالح الطلاب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد/فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مينة الداودي كرست جهودها منذ 1997 لتعليم الأطفال الصم في المغرب، وساهمت في إعداد دلائل وكتب في التربية الدامجة ولغة الإشارة، وحصلت على جائزة أستاذ السنة.
- أمل أبو مسلم ابتكرت تقنية "جدول الضرب الخارق" وكتاب "الحروف الخارقة" لمساعدة التلاميذ في الرياضيات وعسر القراءة، وحازت على جوائز وطنية ودولية.
- نزهة زنبوع، أستاذة كفيفة، تميزت بتعليم الطلاب المكفوفين بطريقة برايل، وساهمت في إعداد دلائل تعليمية، وكرمت على عطائها في التعليم الدامج.

حقّقت الكثير من النساء المغربيات نجاحات بارزة في مجال التعليم، سواء في ما يتعلق بتطوير طرق تربوية تساعد على تخطّي الصعوبات التعلّمية، أو ابتكار تقنيات علمية لفائدة حاملي الإعاقة، أو السعي لإبراز القدرات الكامنة لدى المتعلمين بصفة عامة، والمساهمة في تعزيز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.

في اليوم العالمي للمعلمين الذي يوافق الـ5 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، نسلط الضوء على قصص أستاذات ومعلمات مغربيات ملهمات تركن تأثيراً واضحاً وبصمة داخل مُجتمعاتهن ومؤسساتهن التعليمية، وأخريات ساعدن بطرق مختلفة في تحقيق معنى التربية الدامجة، وكان لإنجازاتهن صدى واسع داخل الوطن وخارجه، في انعكاس للجهود المستمرة لإحداث تغيير إيجابي، وتقديم بيئات تعليمية محفزة.

مينة الداودي.. لغة الإشارة لأجل "المتحدثين بأيديهم"

انخرطت منذ سنة 1997 في مهنتها بتفانٍ ونكران للذات، ورفعت التحدي لتكون بمثابة نافذة أمل للأطفال الصُّم وضعاف السمع، من خلال تدريسهم والتواصل معهم بلغة الإشارة التي خبرتها من خلال التكوين ذاتياً والانخراط في جمعيات تهتم بذوي الإعاقة، ثم بالاشتغال داخل مؤسسة للا أسماء للأطفال والشباب الصُّم بالرباط لمدة 3 سنوات، وبعدها داخل عدة مؤسسات تعليمية حكومية.

مينة الداودي باﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻤﺪرس، سبتمبر 2024 (فيسبوك)
مينة الداودي في المنتدى الوطني للمدرس بالرباط، سبتمبر 2024 (فيسبوك)

تعمل مينة الداودي حالياً مؤطرة ورشة التربية الدامجة ولغات الإشارة في مؤسسة التفتح للتربية والتكوين بمديرية مدينة سلا المغربية، وهي واحدة من القلة الذين أخذوا على عاتقهم تعليم الطلاب الصُّم وضعاف السمع هذه اللغة بالمغرب، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن عملها ينقسم إلى 3 أقسام كبرى: يهتم القسم الأول بتنظيم تكوينات في لغة الإشارة والإعاقة بصفة عامة، وأيام تحسيسية وتأطيرية لصالح الأساتذة والمعلمين، لتدريبهم على التعامل مع الطلاب الصُّم وضعاف السمع، حيث يسجل إقبال كبير يتجاوز مئات الأساتذة، فيما ينكبّ القسم الثاني على الاشتغال مع الآباء والأمهات ومرافقات الحياة المدرسية، ومساعدتهم على فهم هذه اللغة لتمكينهم من التواصل مع أبنائهم ومساعدتهم وتقبّلهم، فهم "عاديون"، غير أن طرق التعلم مختلفة. أما القسم الثالث، فيركز على الطلاب في وضعية إعاقة، إما داخل المؤسسة، وإما بالانتقال عندهم، وتنظيم قوافل، حيث يستفيدون من عدة أنشطة، كالمسرح والتشكيل والموسيقى والألعاب الحركية، السينما والتصوير…

تؤمن مينة الدوادي برسالة التعليم وبحقّ الجميع في التعلّم، بمن فيهم حاملو الإعاقة، ومن هذا المنطلق شاركت في إعداد دلائل وكتب في مجال التربية الدامجة ولغة الإشارة باللغتين العربية والفرنسية، إلى جانب تصميم تطبيق على الهواتف المحمولة لفائدتهم. كذلك ساهمت في تسجيل دروس بلغة الإشارة المغربية، بُثَّت على التلفزيون وعلى الإنترنت، واستفاد منها الآلاف من التلاميذ الصُّم وضعاف السمع في أثناء جائحة كورونا وبعدها، في إطار الشراكة بين الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في المغرب ووزارة التربية الوطنية.

تطمح إلى تعميم لغة الإشارة وتعزيز وجودها في مختلف المدارس والمؤسسات التعليمية والإدارات، من أجل ضمان إدماجها بشكل فعال في المجتمع، وتمكين الأشخاص في وضعية إعاقة سمعية من التمتع بحقوقهم كافة. ولأن لكل مجتهد نصيباً، فقد توجت المعلمة مينة الدوادي عن مديرية سلا بالجائزة الثالثة الخاصة بدرع جائزة أستاذ السنة في نسختها الثالثة بالموسم الدراسي 2021/2020، في صنف التربية الدامجة... خطوة قالت عنها إنها كانت بمثابة دافع لها لمزيد من العطاء بسخاء. متسلحة بشعار "أن تنير شمعة خير من تلعن الظلام"، تواصل خبيرة لغة الإشارة مسيرة الألف ميل لفائدة "السامعين بأعينهم والمتحدثين بأيديهم".

أمل أبو مسلم.. مبتكرة تقنية جدول الضرب الخارق

تميزت أمل أبو مسلم بتفكيرها خارج الصندوق، وسعيها المتواصل لتشجيع التلاميذ على تخطي صعوبات التعلم منذ 28 عاماً قضتها في مهنة التدريس.. ابتكرت عام 2019 تقنية علمية لحل صعوبات ومشاكل تتعلق بتعلم مادة الرياضيات، أسمتها "جدول الضرب الخارق"، وضمّنتها في كتابها "شيفرة مبتكرة لحفظ جدول الضرب من مرة واحدة"، وهي تُعَدّ بحسبها أسرع طريقة في العالم لحل مشكلة حفظ جدول الضرب لفائدة تلاميذ المرحلة الابتدائية، بالاعتماد على الحكايات وتحويل الأرقام إلى صور وحكايات للأطفال المستهدفين، سواء المصابون بالتوحد أو عسر الحساب أو عسر القراءة "ديسلكسيا".

أمل أبو مسلم مبتكرة تقنية علمية (فيسبوك)
أمل أبو مسلم مبتكرة تقنية جدول الضرب الخارق (فيسبوك)

تعمل أبو مسلم في مجموعة مدارس عقبة بن نافع، في تمارة، وهي أم لأربعة أطفال، وقد نجحت في تدريب آلاف التلاميذ على تقنيتها لحفظ جدول الضرب، وتقول لـ"العربي الجديد": "معظم الذين جربت معهم التقنية تمكنوا من الحفظ في زمن قياسي، وتحسّنت معدلاتهم في الرياضيات بشكل ملحوظ. كذلك نجحت الطريقة مع مرضى التوحد، والمصابين بعسر القراءة، وبعض حالات التأخر الذهني البسيط". 

دافعت أمل أبو مسلم أيضاً عن إدماج التكنولوجيا في التعليم، وركزت اهتمامها أيضاً على حل مشاكل الخلط بين الحروف عند الأطفال المصابين بعسر القراءة، من خلال مؤلفها "الحروف الخارقة" سنة 2023، الذي تقول إنه يضم "وصفة علاجية مجربة لمساعدة الأطفال على تجاوز مشاكل تذكر الحروف رسماً وصوتاً".

حازت جوائز وطنية ودولية نظير إنجازاتها، منها جائزة الابتكار التربوي في عام 2019، وجائزة أفضل فكرة في الرياضيات من منظمة MIF المتخصصة في 2020، وحصلت على جائزة "أفضل مدرسة في العالم" في عامي 2021 و2022 على التوالي، من منظمة (Education Award AKS) العالمية، ومقرّها الهند، وجائزة "المدرس المبدع" لسنة 2023 من المنظمة التعليمية نفسها، وجائزة الشيخ محمد بن زايد لأفضل معلم لعام 2023.

قادت عدة مبادرات ومسابقات تُعنى بإبراز مواهب التلاميذ وتنميتها، من بينها مبادرة "تحدي الفصاحة بالعربي"، وهي مسابقة تبحث عن المواهب في مجالات الحكي والخطابة والتمثيل. كذلك فإنها لا تتوقف عن البحث والتكوين، متسلحة بالعلم في خضم كل التحديات التي يطرحها مستقبل التعليم.

نزهة زنبوع… كفيفة تنير درب المتعلمين

بعين بصيرة وبعُصارة سنوات من الخبرة، تخوض الأستاذة نزهة زنبوع معركتها لفائدة الطلاب ضعاف البصر والمكفوفين بتدريبهم وتعليمهم بطريقة برايل، بهدف تمكينهم من التعلم ومواكبة أقرانهم في مسارهم الدراسي، دون أن يثنيها فقدانها الكلي للبصر عن الجد أو تفتر عزيمتها رغم كل الصعاب والعراقيل.

تتويج الأستاذة نزهة زنبوع، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)
تتويج خبيرة لغة برايل نزهة زنبوع، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

نزهة زنبوع ابنة مدينة مراكش، هي أستاذة الإعدادي الثانوي، عملت في مدينة تارودانت، ثم انتقلت إلى مسقط رأسها حيث تعمل حالياً أستاذة في مؤسسة خاصة بالمكفوفين، بالإضافة إلى عملها في تكوين الأطر والأساتذة بطريقة برايل.

تميزت زنبوع بعملها داخل قاعات الموارد للتأهيل والدعم بالحوز التابع للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالحوز، بهدف تنمية العديد من المهارات الأكاديمية والنمائية لدى الأطفال في وضعية إعاقة. وتسعى أيضاً لمواكبة تطورات مجال التعليم، وتجتهد لتقريب طريقة برايل، وتقول عنها إنها النافذة نحو تعزيز استقلالية المكفوفين، ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع.

الأستاذة نزهة زنبوع، 2023 (العربي الجديد)
خاضت نزهة زنبوع معركتها لتنير درب المكفوفين (العربي الجديد)

تدرجت زنبوع من ضعف البصر إلى فقدانه كلياً، غير أنها لم تستلم لواقع مرير، بل درست واجتهدت وحازت الإجازة في اللغة العربية، ثم اشتغلت في مهنة التعليم التي منحتها من روحها وبصيرتها. وبالموازاة مع ذلك، تعمقت في فهم قواعد نظام برايل، والمشاركة في إعداد دلائل تعليمية لحاملي الإعاقة البصرية والسامعين، أيضاً لإيمانها الكبير بدورهم في تقديم الدعم الأسري. كُرِّمَت أخيراً خلال فعاليات النسخة الثانية من المهرجان الإقليمي للتربية الدامجة، على عطائها وصمودها ومعركتها لمنح نور العلم للمكفوفين.

المدرس.. محرك تحول

واعترافاً بالدور الجوهري الذي يقوم به المدرسون والمدرسات، احتضنت مدينة الرباط خلال الأيام الماضية، فعاليات اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻤﺪرس، ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎر: "المدرس، ﻣﺤﺮك ﺗﺤﻮل التربية واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ"، التي حضرها حوالى 3000 من رجال ونساء التعليم في المغرب.

اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻤﺪرس بالرباط، سبتمبر 2024 (فيسبوك)
اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻤﺪرس بالرباط، سبتمبر 2024 (فيسبوك)

اهتمت فعاليات اﻟﻤﻨﺘﺪى الذي نُظِّم على مدى يومين، من طرف وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻷوﻟﻲ واﻟﺮﻳﺎﺿﺔ، ﺑﺸﺮاﻛﺔ ﻣﻊ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﺎدس ﻟﻠﻨﻬﻮض ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ، بتسليط اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺪور اﻟﻤﺤﻮري، اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻷﺳﺎﺗﺬة ﻓﻲ ﺗﺤﻮل اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ.

وكان من بين الأستاذات اللواتي سُلِّط الضوء على تجربتهنّ، أميمة الطاهري التي جعلت شعارها "معاً نمسك بأيديهم ولا نترك أحداً خلفنا"، تبتكر للأطفال ذوي الإعاقة وتتقاسم إنتاجاتها بكل حب، وبالإضافة إلى الأستاذة خدوجة بوقو عن أفكارها الإبداعية والمجددة.

وتقديراً لأصوات المعلمين، حرصت اليونسكو على أن تتمحور احتفالات عام 2024 حول موضوع "تقدير أصوات المعلمين: نحو إبرام عقد اجتماعي جديد للتعليم"، لإبراز أهمية الإصغاء إلى المعلمين ومعالجة التحديات التي تواجههم، والأهم من ذلك، تقدير المعارف والخبرات التي يقدمونها، والاستفادة منها في مجال التعليم.

المساهمون