09 يونيو 2023
عضلات بوتين وعقله في سورية
من الواضح اليوم أن سياسة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الوحشية في سورية أنه يشتري الوقت بمسألة الحل السياسي، بينما يدكّ الأرض، ليقصم ظهر جميع فصائل المعارضة المعتدلة قبل المتطرفة، أملاً بأن يتمكّن من القبض عليها من أذنها، وإحضارها إلى طاولة المفاوضات، لتوقّع على "الحل الروسي"، بينما يستمر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالنأي بنفسه عن كل ما له علاقة بسورية، ويستمر داعمو المعارضة السورية مكبلي الأيدي أمام الخطوط الحمر الأميركية، وأمام تهديدات الدب الروسي، وآمال التوصل معه إلى حل وسط.
من البديهي أن بوتين لم يتدخل في سورية عسكرياً، لكي يخرج مهزوماً، وتجارب أوكرانيا وجورجيا والشيشان تقول ذلك، فخروج روسيا مهزومة يتطلب دعماً أكبر بكثير للمعارضة السورية، وخصوصاً تزويدها بأسلحة مضادة للطيران، ثم يتطلب موقفاً غربياً يريد توريط روسيا في سورية، ثم هزيمتها على غرار هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكلا العامليْن غير متوفرين.
إن كان عقل بوتين بقوة عضلاته، فسيدرك أنه ليس من مصلحة روسيا أن تستمر في اشتباكها في سورية أمداً طويلاً، والظهور بأنها تقصف مناطق السنّة، وأنها منحازة كلياً لإيران، فهذا يعقد علاقاتها مع الدول الإسلامية عموماً، ويزيد من مشكلاتها مع 20 مليون مسلم، يقيمون في روسيا نفسها، بل من مصلحتها أن تصل إلى حلٍ سياسي قابل للتطبيق، ينهي تورّطها ويحفظ مصالحها في سورية مستقبلاً، ويظهرها دولة بناءة في المجتمع الدولي، حل يساعد على دحر داعش، ويحسن علاقاتها مع السعودية خصوصاً، ودول مجلس التعاون عموماً، ويفتح الباب لتعاون اقتصادي مثمر، تجري مباحثات كثيرة حوله هذه الأيام. والأهم يعيد رفع أسعار النفط وقد أصاب هبوطها روسيا في مقتل، والسعودية هي مايسترو أسعار النفط، إضافة إلى إظهار بوتين حليفاً يمكن أن يعتمد أصدقاؤه عليه، وكل هذا يرضي غروره، ويظهره بالصورة التي يريد أن يرى نفسه فيها في مرآة الشعب الروسي والعالم.
إن كان عقل بوتين أقوى من عضلاته، فسيدرك أن الحل لا يمكن أن يكون بهزيمة المعارضة وهزيمة المجتمع السوري، وإعادة تأهيل الأسد ونظامه وإرجاع سورية إلى ما كانت عليه قبل 2011، بعد كل هذه التضحيات، وكل هذا الخراب، لأن النظام لا يملك القوة الكافية لإعادة السيطرة على درعا والقنيطرة وحمص وحماه وإدلب وحلب والرقة ودير الزور والحسكة، بعد خسائره البشرية الكبيرة، وتراجع قوة جيشه إلى خمس ما كانت عليه قبل 2011، ولا يمكن الاستمرار بالاعتماد على المليشيات الأجنبية التي ترسلها إيران، فوجودها ينفي قيام أي "حل وسط". ثم لأن هزيمة المعارضة، إن حصلت، ستدفع جزءاً كبيراً من فصائلها إلى الانضمام إلى جبهة النصرة وداعش لتزيدها قوة، وستدفع المجتمعات المحلية "النصرة" و"داعش"، بعد أن تكون قد فقدت أي أمل بانتقال سياسي حقيقي، بل ستندفع مجموعات كثيرة منها إلى تحت الأرض، لتفجر فيما بعد كل زاوية في سورية، وتجربة العراق ماثلة أمامنا، عندما قام النظام العراقي الموالي لإيران، والذي جاء على ظهر الدبابة الأميركية، بإقصاء السنة والإمعان في الانتقام منهم، فتحول العراق إلى ساحة حرب لم تتوقف حتى الآن، وكان هذا سبب نمو داعش وقوتها، بينما يتطلب القضاء على داعش والنصرة في سورية مشاركة فصائل الجيش الحر وتعاون الحواضن الاجتماعية في أماكن سيطرة داعش والمعارضة التي تشكل 80% من مساحة سورية.
إن تغلّب عقل بوتين على عضلاته، سيدرك أن الحل السياسي الممكن في سورية، وفق منطقه، سيكون حلاً لا يرضي أي طرف بشكل كامل، كما لا يرفضه أي طرف بشكل كامل، أي حل توافقي يضمن نوعاً من الشراكة الثلاثية بين النظام، بدون الأسد وقياداته، وبين المعارضة بدون المجموعات المتطرفة منها، وبين بقية قوى المجتمع السوري، حل يحافظ على الدولة ومؤسساتها وعلى المؤسسة العسكرية، مع إعادة الضباط المنشقين إليها، ويحافظ على جزء أساسي من رجالات الدولة الحاليين، مع دمج قوى المعارضة السياسية وفصائل المعارضة المسلحة التي تقبل بمثل هذا الحل السياسي، وبالتالي، حل يرضي الجزء الأكبر من الشعب السوري، بما يشمل ما تسمى الأقليات، وهي تسمية زائفة إذ تشكل نحو 40% من السوريين، وجزءاً أساسياً مما يسمى الأكثرية، وهي الجزء الثاني من التسمية الزائفة التي تكبدت فئات ومناطق واسعة منها خسائر كبيرة جداً، وقدمت تضحيات كبيرة جداً، تقابلها خسائر بشرية كبيرة جداً، تكبدتها الطائفة العلوية وخصوصاً بالرجال، ويضمن استمرار السياسة السورية في موقع وسط في علاقاتها الدولية والإقليمية، حل تقبل به القوى الإقليمية التي لها تأثير على الداخل السوري.
يريد بوتين، في الوقت نفسه، أن يقبض ثمن إزاحة الأسد ومجموعته القيادية، بترتيبات لحكم جديد يحفظ علاقات سورية مع روسيا ومع إيران، إلى جانب علاقاته مع السعودية وقطر وتركيا والأردن. ولكن، تأتي حيرته من خشيته من أن يؤدي ذهاب الأسد إلى انفراط عقد النظام كله، فالأسد هو خيط مسبحة النظام التي تمسك حبّاته. وهنا، يأتي السؤال الصعب الذي أمام بوتين: ما هو شكل "الحل الوسط الممكن"، وكيف سيترتب الحكم المقبل، وما هي طبيعة التحالفات التي يمكن ترتيبها لحكم سورية، بالطريقة التي تناسب مصالح روسيا ويقبلها معظم السوريين، ومن هي أطراف هذا التحالف، وما هي خطوات ترتيبه وكلفه؟ يبدو أن كل هذا مازال مجهولاً لدى بوتين، لكن الجزء الذي يعلمه من الحل الآن هو إضعاف المعارضة المسلحة إلى حدٍّ لا تؤثر فيه بقوة على ترتيب الحل المرغوب من جهته، ولا تستطيع لعب دور قوي في مستقبل سورية من جهة أخرى، لكنه يعلم أيضاً أنه يحتاج للمعارضة المسلحة وحاضنتها الاجتماعية، من أجل محاربة داعش، ومن أجل إيجاد توافق على "الحل الوسط" الذي سيقترحه. لذا مصلحته في إضعافها، وليس في القضاء عليها، بل السعي لاستمالة فصائل منها إلى جانبه، وهو يفعل ذلك فعلاً بواسطة بعض شخصيات المعارضة المعروفة. ثم في الوقت نفسه، يسعى إلى إشراك المجموعات الموالية له في المفاوضات، مثل قوات سورية الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي (البي يي دي) وبعض الشخصيات الملحقة به، لكي تنال حصةً من الحكم المقبل، إضافةً الى حصةِ النظام، ما يقوي الدور الروسي في النظام السياسي السوري القادم.
إن كان هذا تصور بوتين، فسيستمر بالقصف الشديد، حتى اقتراب بدء المفاوضات، وسيتوقف حينها عن القصف، كما سيتراجع عن مطلبه، بضم جماعته إلى وفد التفاوض أمام إصرار المعارضة القاطع برفض هذا التفخيخ لوفدها، وذلك لكي يتيح للمعارضة المشاركة في المفاوضات، ثم سيسعى مع الأميركان الى وضع تفاصيل "الحل الوسط الممكن"، والضغط معاً على جميع الأطراف للموافقة.
تشير تصريحات بوتين الأخيرة عن ارتكاب الأسد أخطاء، وعن الإصلاح الدستوري وإجراء انتخابات برقابة أممية، وقوله إن إمكانية منح روسيا حق اللجوء للأسد سابق لأوانه، تشير إلى أنه يمهد "للحل الوسط"، وأن عقله يمكن أن يكون أقوى من عضلاته أحياناً. ولكن بوتين عوّدنا على استخدام عضلاته أكثر من عقله، وحينها، سيكون الدور الروسي في سورية أسوأ من الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في العراق. فهل سيكون عقل بوتين أقوى من عضلاته هذه المرّة؟
من البديهي أن بوتين لم يتدخل في سورية عسكرياً، لكي يخرج مهزوماً، وتجارب أوكرانيا وجورجيا والشيشان تقول ذلك، فخروج روسيا مهزومة يتطلب دعماً أكبر بكثير للمعارضة السورية، وخصوصاً تزويدها بأسلحة مضادة للطيران، ثم يتطلب موقفاً غربياً يريد توريط روسيا في سورية، ثم هزيمتها على غرار هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكلا العامليْن غير متوفرين.
إن كان عقل بوتين بقوة عضلاته، فسيدرك أنه ليس من مصلحة روسيا أن تستمر في اشتباكها في سورية أمداً طويلاً، والظهور بأنها تقصف مناطق السنّة، وأنها منحازة كلياً لإيران، فهذا يعقد علاقاتها مع الدول الإسلامية عموماً، ويزيد من مشكلاتها مع 20 مليون مسلم، يقيمون في روسيا نفسها، بل من مصلحتها أن تصل إلى حلٍ سياسي قابل للتطبيق، ينهي تورّطها ويحفظ مصالحها في سورية مستقبلاً، ويظهرها دولة بناءة في المجتمع الدولي، حل يساعد على دحر داعش، ويحسن علاقاتها مع السعودية خصوصاً، ودول مجلس التعاون عموماً، ويفتح الباب لتعاون اقتصادي مثمر، تجري مباحثات كثيرة حوله هذه الأيام. والأهم يعيد رفع أسعار النفط وقد أصاب هبوطها روسيا في مقتل، والسعودية هي مايسترو أسعار النفط، إضافة إلى إظهار بوتين حليفاً يمكن أن يعتمد أصدقاؤه عليه، وكل هذا يرضي غروره، ويظهره بالصورة التي يريد أن يرى نفسه فيها في مرآة الشعب الروسي والعالم.
إن كان عقل بوتين أقوى من عضلاته، فسيدرك أن الحل لا يمكن أن يكون بهزيمة المعارضة وهزيمة المجتمع السوري، وإعادة تأهيل الأسد ونظامه وإرجاع سورية إلى ما كانت عليه قبل 2011، بعد كل هذه التضحيات، وكل هذا الخراب، لأن النظام لا يملك القوة الكافية لإعادة السيطرة على درعا والقنيطرة وحمص وحماه وإدلب وحلب والرقة ودير الزور والحسكة، بعد خسائره البشرية الكبيرة، وتراجع قوة جيشه إلى خمس ما كانت عليه قبل 2011، ولا يمكن الاستمرار بالاعتماد على المليشيات الأجنبية التي ترسلها إيران، فوجودها ينفي قيام أي "حل وسط". ثم لأن هزيمة المعارضة، إن حصلت، ستدفع جزءاً كبيراً من فصائلها إلى الانضمام إلى جبهة النصرة وداعش لتزيدها قوة، وستدفع المجتمعات المحلية "النصرة" و"داعش"، بعد أن تكون قد فقدت أي أمل بانتقال سياسي حقيقي، بل ستندفع مجموعات كثيرة منها إلى تحت الأرض، لتفجر فيما بعد كل زاوية في سورية، وتجربة العراق ماثلة أمامنا، عندما قام النظام العراقي الموالي لإيران، والذي جاء على ظهر الدبابة الأميركية، بإقصاء السنة والإمعان في الانتقام منهم، فتحول العراق إلى ساحة حرب لم تتوقف حتى الآن، وكان هذا سبب نمو داعش وقوتها، بينما يتطلب القضاء على داعش والنصرة في سورية مشاركة فصائل الجيش الحر وتعاون الحواضن الاجتماعية في أماكن سيطرة داعش والمعارضة التي تشكل 80% من مساحة سورية.
إن تغلّب عقل بوتين على عضلاته، سيدرك أن الحل السياسي الممكن في سورية، وفق منطقه، سيكون حلاً لا يرضي أي طرف بشكل كامل، كما لا يرفضه أي طرف بشكل كامل، أي حل توافقي يضمن نوعاً من الشراكة الثلاثية بين النظام، بدون الأسد وقياداته، وبين المعارضة بدون المجموعات المتطرفة منها، وبين بقية قوى المجتمع السوري، حل يحافظ على الدولة ومؤسساتها وعلى المؤسسة العسكرية، مع إعادة الضباط المنشقين إليها، ويحافظ على جزء أساسي من رجالات الدولة الحاليين، مع دمج قوى المعارضة السياسية وفصائل المعارضة المسلحة التي تقبل بمثل هذا الحل السياسي، وبالتالي، حل يرضي الجزء الأكبر من الشعب السوري، بما يشمل ما تسمى الأقليات، وهي تسمية زائفة إذ تشكل نحو 40% من السوريين، وجزءاً أساسياً مما يسمى الأكثرية، وهي الجزء الثاني من التسمية الزائفة التي تكبدت فئات ومناطق واسعة منها خسائر كبيرة جداً، وقدمت تضحيات كبيرة جداً، تقابلها خسائر بشرية كبيرة جداً، تكبدتها الطائفة العلوية وخصوصاً بالرجال، ويضمن استمرار السياسة السورية في موقع وسط في علاقاتها الدولية والإقليمية، حل تقبل به القوى الإقليمية التي لها تأثير على الداخل السوري.
يريد بوتين، في الوقت نفسه، أن يقبض ثمن إزاحة الأسد ومجموعته القيادية، بترتيبات لحكم جديد يحفظ علاقات سورية مع روسيا ومع إيران، إلى جانب علاقاته مع السعودية وقطر وتركيا والأردن. ولكن، تأتي حيرته من خشيته من أن يؤدي ذهاب الأسد إلى انفراط عقد النظام كله، فالأسد هو خيط مسبحة النظام التي تمسك حبّاته. وهنا، يأتي السؤال الصعب الذي أمام بوتين: ما هو شكل "الحل الوسط الممكن"، وكيف سيترتب الحكم المقبل، وما هي طبيعة التحالفات التي يمكن ترتيبها لحكم سورية، بالطريقة التي تناسب مصالح روسيا ويقبلها معظم السوريين، ومن هي أطراف هذا التحالف، وما هي خطوات ترتيبه وكلفه؟ يبدو أن كل هذا مازال مجهولاً لدى بوتين، لكن الجزء الذي يعلمه من الحل الآن هو إضعاف المعارضة المسلحة إلى حدٍّ لا تؤثر فيه بقوة على ترتيب الحل المرغوب من جهته، ولا تستطيع لعب دور قوي في مستقبل سورية من جهة أخرى، لكنه يعلم أيضاً أنه يحتاج للمعارضة المسلحة وحاضنتها الاجتماعية، من أجل محاربة داعش، ومن أجل إيجاد توافق على "الحل الوسط" الذي سيقترحه. لذا مصلحته في إضعافها، وليس في القضاء عليها، بل السعي لاستمالة فصائل منها إلى جانبه، وهو يفعل ذلك فعلاً بواسطة بعض شخصيات المعارضة المعروفة. ثم في الوقت نفسه، يسعى إلى إشراك المجموعات الموالية له في المفاوضات، مثل قوات سورية الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي (البي يي دي) وبعض الشخصيات الملحقة به، لكي تنال حصةً من الحكم المقبل، إضافةً الى حصةِ النظام، ما يقوي الدور الروسي في النظام السياسي السوري القادم.
إن كان هذا تصور بوتين، فسيستمر بالقصف الشديد، حتى اقتراب بدء المفاوضات، وسيتوقف حينها عن القصف، كما سيتراجع عن مطلبه، بضم جماعته إلى وفد التفاوض أمام إصرار المعارضة القاطع برفض هذا التفخيخ لوفدها، وذلك لكي يتيح للمعارضة المشاركة في المفاوضات، ثم سيسعى مع الأميركان الى وضع تفاصيل "الحل الوسط الممكن"، والضغط معاً على جميع الأطراف للموافقة.
تشير تصريحات بوتين الأخيرة عن ارتكاب الأسد أخطاء، وعن الإصلاح الدستوري وإجراء انتخابات برقابة أممية، وقوله إن إمكانية منح روسيا حق اللجوء للأسد سابق لأوانه، تشير إلى أنه يمهد "للحل الوسط"، وأن عقله يمكن أن يكون أقوى من عضلاته أحياناً. ولكن بوتين عوّدنا على استخدام عضلاته أكثر من عقله، وحينها، سيكون الدور الروسي في سورية أسوأ من الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في العراق. فهل سيكون عقل بوتين أقوى من عضلاته هذه المرّة؟