رأى مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الدكتور عزمي بشارة، أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يعكس قناعات سياسية ــ فكرية ــ شخصية لدى حكام أبوظبي، واصفاً إياه بأنه أكثر من تطبيع، من دون أن يقلل في الوقت نفسه من "أهمية" إخراج العلاقات القديمة بين الطرفين إلى العلن. وفي حين اعتبر أن الاتفاق معادٍ للشعوب العربية بالدرجة الأولى، فإنه أشار إلى أن أسوأ ما في "اتفاق أبراهام" ربما يكون تكريسه منطق القوة لليمين الإسرائيلي، وتحصين تل أبيب من تقديم تنازلات للعرب مستقبلاً. وعن مرحلة ما بعد انفجار مرفأ بيروت والاحتمالات السياسية التي يطرحها صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، توقع بشارة ذهاب ما يسمى في لبنان "الطبقة السياسية" إلى حكومة "وحدة وطنية" لإنقاذ النظام الطائفي، وهو ما للحراك الشعبي دور في مواجهته.
وقال بشارة، في حديث خاص على شاشة "التلفزيون العربي"، من الدوحة، إنه لا يصح اختزال الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بمجرد تطبيع للعلاقات، لأن الحديث لا يدور عن حالة حرب تلتها مصالحة وتطبيع، مثلما كان الحال مع مصر والأردن مثلاً، بل "إننا في الحالة الإماراتية، نتحدث عن رؤية سياسية استراتيجية مشتركة بين إسرائيل والإمارات للمنطقة، تشمل من ضمن ما تشمله، رفض التغيير الديمقراطي والعداء للإسلام السياسي ولإيران ولتركيا.
وأشار بشارة إلى أن إخراج العلاقة القديمة والمتطورة بين الطرفين إلى العلن، ليس أمراً سخيفاً، بل أمر يهم إسرائيل جداً على اعتبار أن تل أبيب تعتبر أن "هذا هو ثمن الخدمات التي قُدمت للإمارات".
بشارة: الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي يترجم نظرة سياسية استراتيجية مشتركة بين أبوظبي وتل أبيب
وعن توقيت إشهار العلاقات، رأى أنه مرتبط بالداخل الإسرائيلي والأميركي، متوقفاً عند واقع أن الاتفاق صدر في عهد أسوأ حكومة يمين في إسرائيل، وفي ظل توسيع الاستيطان وتبنٍّ أميركي كامل لـ"الليكود". ولفت بشارة إلى أنه لتبرير ذلك التوقيت، كان ضرورياً إطلاق حملات إماراتية لتشويه الفلسطينيين والتشكيك بعدالة قضيتهم وتصويرها كعبء، واستحضار ادعاءات بيع الفلسطينيين أراضيهم وغيرها.
أما من ناحية الاعتبارات الإماراتية، فأوضح بشارة أن السلطة في أبوظبي مقتنعة بأن إسرائيل حليف فعلاً، وأن أدوار الإمارات في المنطقة تلزمها بإيجاد حليف إقليمي قوي، وأن التحالف مع أميركا لا يكفي وحده، "فهم (في الإمارات) يتفقون مع إسرائيل حتى عندما تختلف معهم أميركا أحياناً (كحال المسألة الإيرانية مثلاً)". فضلاً عن ذلك، يتابع بشارة، "هذا الاتفاق يقوي القيادة الإماراتية داخل الإدارة الأميركية، فالطرفان الإماراتي والإسرائيلي عملا سوية في واشنطن، ولم يكن بالإمكان التخلص من رجل مثل (ولي العهد السعودي السابق) محمد بن نايف من دون هذا التعاون الإماراتي الإسرائيلي داخل أروقة القرار" في واشنطن، على حد تعبير بشارة.
وفي تفنيد الاعتبارات الإماراتية لهذا الاهتمام بالتحالف مع إسرائيل، يولي بشارة أهمية كبيرة للمشروع الإماراتي في السيطرة على كل مرافئ البحر الأحمر، إذ تعتقد القيادة الإماراتية "أنها وحدها قادرة على إمساك تلك المنطقة، حتى أنهم لا يثقون بالقدرة السعودية في هذا المجال، ولكي يتمكنوا من فعل ذلك، هم بحاجة إلى حليف قوي مثل إسرائيل". ويلفت إلى أنه فضلاً عن ذلك، "هناك إعجاب بإسرائيل لدى القيادة الإماراتية، وهم يعتبرون أن إسرائيل حليف مناسب لمواجهة تركيا".
وعن سبب اعتباره أن الاتفاق معادٍ للشعوب العربية، أوضح بشارة أن إسرائيل والإمارات تشتركان بالكامل في اعتبار أي تغيير ديمقراطي بمثابة تهديد مباشر لهما. أما حول سبب الهرولة الإسرائيلية من أجل التطبيع، فشدد على أن ذلك يعود أساساً إلى سعي تل أبيب المزمن من أجل اكتساب شرعية سياسية قبل الاعتبارات الاقتصادية. وعلى المستوى الفلسطيني، وصف بشارة الاتفاق بأنه خطير للغاية، "لأن اليمين الإسرائيلي يؤمن بالسلام مقابل السلام، أي بسياسة القوة وحدها، وهذا المبدأ تعزز ونجح من خلال الاتفاق مع الإمارات، على عكس ما حصل سابقاً ولو نظرياً أو إعلامياً في السلام المصري والسلام الأردني، عندما تم تصوير المعاهدات على أنها تحققت بعدما حصلت القاهرة وعمّان على مكاسب في تحرير أراضيهما". وخلص إلى أن الاتفاق "ليس مجرد انتصار لإسرائيل، بل انتصار لليمين الإسرائيلي، لأنه يضعف احتمال أن تقدم إسرائيل مستقبلاً أي تنازلات".
بشارة: "اتفاق أبراهام" يكرّس منطق القوة لليمين الإسرائيلي ويعفي تل أبيب من تقديم تنازلات مستقبلاً
ورداً على سؤال حول الدول التي من المحتمل أن تلحق بالإمارات في إشهار التطبيع مع إسرائيل، توقع بشارة أن تحذو البحرين حذو الإمارات، "وهو ما لا يمكن أن يحصل من دون موافقة سعودية" على حد تعبيره، مستبعداً أن يحصل ذلك في المدى المنظور مع دول خليجية أخرى، مع أن الاتصالات الخليجية مع إسرائيل موجودة بالفعل. وعن موقف السعودية، أعرب بشارة عن اعتقاده بأن السعودية والإمارات متفاهمتان على "اتفاق أبراهام". أما بخصوص احتمال تطبيع السودان مع إسرائيل، فوصف بشارة أحوال هذا البلد بأنها معقدة جداً "وفي الوقت نفسه الإمارات مثابرة لجر حلفائها إلى الاتفاق مع إسرائيل، ومن ضمنهم السودان، بابتزاز مفاده أن خروج السودان من لائحة الإرهاب يمر بتطبيع مع إسرائيل، فضلاً عن اليمن وليبيا"، والكلام لبشارة. وبحسب بشارة، "ليس صدفة أن تكون الدولتان اللتان اتخذتا موقفاً واضحاً هما إيران وتركيا، فهما دولتان حقيقيتان لا تخشيان التفريط بمصالح مع الإمارات، ولا تخشيان ضغطاً أميركياً". وختم بشارة الشق المخصص للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، باستبعاد قيام "جبهة عربية" ما، وشدد على أن "ما يجب أن يقوم اليوم هو جبهة فلسطينية محلية موحدة تفرض نفسها على العرب والعالم".
لبنان
وعن انفجار مرفأ بيروت، اعتبر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن ما قاله الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف بعد كارثة تشيرنوبيل، عن أن "النظام هو المسؤول عن الكارثة"، ينطبق على الحالة اللبنانية، غير أن بشارة شكك في إمكان تغيير النظام الطائفي بالقوة، بدليل الحرب الأهلية التي عززت هذا النظام بدل إضعافه.
بشارة: تغيير نظام طائفي توافقي كالموجود في لبنان، مستحيل عن طريق القوة أو التظاهرات
وعن حركة الزيارات الأجنبية إلى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ذكّر بشارة أن لبنان لم يعد مركز اهتمام، "بل أصبح اليوم مهماً بالنسبة لشخص مثل (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون لسبب جديد هو الخلاف على شرق المتوسط" مع تركيا.
وحول الحراك الشعبي الذي جدد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول، التي يسميها بشارة "ثورة ثقافية" ضد الطائفية والمحاصصة، قال مدير المركز العربي إنه "بعد مائة عام من النظام الطائفي في لبنان، صار هناك جيل جديد لم يعد يقبل بهذه البنية الطائفية ويريد دولة مواطنة"، لكنه حذّر من أن تكون الإجابة عن الأزمة بأن "يعيد النظام الطائفي إنقاذ نفسه بحكومة وحدة وطنية" وهو ما توقع حصوله.
بشارة: أتوقع أن يذهب أطراف النظام الطائفي اللبناني إلى إنقاذ نظامهم عبر "حكومة وحدة وطنية"
وجدد رأيه بأن تغيير النظام اللبناني التوافقي مستحيل بالتظاهرات، "وليس لدينا سابقة في العالم في هذا الخصوص، فمن جهة واضح أن هذا النظام لديه قواعد اجتماعية، وواضح أيضاً أن الناس تعبت من هذا النظام". وخلص بشارة إلى أن التغيير يمكن أن يبدأ عن طريق خطوتين اثنتين: "انتخابات يكون فيها لبنان كله دائرة انتخابية واحدة، "مع إمكان اعتماد غرفتين برلمانيتين (وقد تضمن اتفاق الطائفة بند استحداث مجلس للشيوخ لإبقاء التمثيل الطائفي)؛ غرفة يتم فيها الحفاظ على تمثيل قواعد طائفية حقيقية وموجودة، وأخرى يُنتخب أعضاؤها بعيداً عن أي معيار طائفي"، مؤكدا ضرورة أن يكون ممثلو الحراك المدني موجودين على أي طاولة حوار وعدم ترك المساحة للسلطة القائمة.