خلال يومين، أي منذ الخميس وحتى السبت 18 يوليو/تموز، تلقى العالم دفقًا إعلاميًا كبيرًا حول محمد يوسف عبد العزيز المنفذ المفترض لهجوم تشاتاتوغا في ولاية تينيسي. جاءت المعلومات في معظمها كعرض بيليوغرافي عن الشاب الذي شغل وسائل الإعلام الأميركية والعربية، وآخر ما فهمناه في "العرض المثير"، وفق نقل "سي إن إن" الأميركية فجر السبت، من خلال تحقيق قام به الصحافيان سكوت بورنشتاين وكورت ديفين، هو أن محمد على كل الأحوال ينحدر من "بيت يعاني من عنف أسري، بدليل أن والدته تعرضت للعنف على يد والده، وطلبت الطلاق وذهبت إلى مركز المعنفات في 2009". التحقيق يُشير إلى أن "ابن ولاية تينيسي" كان والده أيضًا "مشتبهاً فيه بدعم مالي لمنظمات خلف البحار".
ذات القناة، راحت صبيحة الجمعة تخبرنا بتفاصيل أخرى، تناقلتها وسائل إعلام عربية، صحف ومواقع متعددة، تارة نقلاً عن الـ إف بي أي، وتارة عن مصادر أردنية قائلةً: "لا.. لا.. هو ليس بأردني، هو يحمل ما يشبه وثيقة سفر أردنية (ترافل ديكيومنت) وهو من أصل فلسطيني".
الكويت، وبعد ساعات من التمحيص كشفت عبر بيان صحافي لوزارة الداخلية أنّ "الشاب ليس كويتيا، هو مواليد الكويت من أصل أردني". وردّ مصدر أردني في نفس اليوم: "لا، هو يحمل وثيقة سفر، أبوه انتقل من الأردن إلى الولايات المتحدة عام 1982، لقد غير كنيته من الحاج علي إلى عبد العزيز في عام ولادة محمد". تفصيل تغيير الكنية "إضافة مثيرة هنا" عن ماض "غامض" ربما؟
لكن، بعملية حسابية بسيطة جدا: محمد ولد في الكويت في عام 1990... خرج مع أهله إلى الولايات المتحدة مرة أخرى في عام 1991... أي وهو في السنة الأولى من عمره. وبالرغم من ذلك انشغل الأميركيون، بعد 24 سنة قضاها طفلا وشابا في المجتمع الأميركي، لرد الأمر إلى أصله العربي. وبمساعدة "حثيثة" من صحف ومواقع عدّة تفاصيل، عرفنا ما كان يقوله الشاب الأميركي محمد في سره!
منذ الخميس 16 يوليو/تموز، لحظة انتشار الخبر، راحت وسائل الإعلام تنقل عن مسؤولين محليين في تشاتانوغا، بأن العمل "إرهابي". ونقلت "سي إن إن" مرات متتالية، وآخرها صبيحة السبت أنّ "الـ FBI يقول إنها لا تعرف الدوافع وراء الهجوم بعد، لكنها ستتعامل معه كتحقيق إرهابي حتى يتم التأكد بأنه ليس كذلك".
من جهتها، ربطت قناة "فوكس نيوز" الاعتداء على "المارينز" بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فوراً، لتعود وتقول إنّها أخطأت في الموضوع.
لم ينبش هؤلاء في "مرض نفسي أو عقلي"، أو مشكلة ما "تتعلق بقبول أو رفض الشاب في الجيش الأميركي"، ولا أية فكرة أخرى غير أن "هذا أميركي من أصل عربي... لذا فالعمل يحمل شبهة إرهابية"... في حالة محمد يوسف عبد العزيز، من المهم عزله عن حالات إطلاق النار في المجتمع الأميركي التي سجلت في العام الماضي 34 ألف حالة قتل، و8 آلاف خلال ثلاثة أشهر من هذا العام. في هذه الحالة، بالنسبة للإعلام الأميركي، يجب التركيز على أنه "إرهابي لأنه عربي"، ولا مشكلة إن كان أميركياً ارتاد مدارسها وقاعاتها الرياضية ودخل الكويت والأردن بجواز سفرها. المهم البحث عن جيناته العربية ولو كان بما يشبه "وثيقة سفر"، باعتباره "مجرد مولود لأب من أصل فلسطيني".
في تلك الحالة فقط يعم التشويق، ويصبح المهندس الكهربائي الذي قال عنه مدربه الأميركي: "كان لطيفا ومرحا... ولا يخفي ورعه وصلاته"، خبراً يتعلق بالأمن القومي. محمد يوسف عبد العزيز هو "إرهابي" بالنسبة للإعلام الأميركي، ليس لأنه ارتكب جريمةً فقط، بل لأنّه عربي... هذا كُلّه، في نفس الوقت الذي لم يكُن فيه ديلان روف إرهابياً بالنسبة للإعلام، عندما قتل تسعة مُصلّين سود في كنيسة تشارلستون... فديلان روف أميركي أبيض والقتلى سود.. وعبد العزيز عربي الأصل والقتلى أميركيون.
اقرأ أيضاً: الشباب العرب والمسلمون إرهابيون