يرى المفكّر الألماني يان فيرنر مولر بأن الشعبوي يمكنه الظهور غالبا كديمقراطي، بل كديمقراطي بشكل راديكالي. بل إنه يرى علاوة على ذلك أنه يمكن للشعبوية أن تمتلك تاثيرا إيجابيا على الديمقراطية، لكنه يرى بأن العنصر الحاسم في هذا السياق هو أن الشعبوية في حد ذاتها ليست ديمقراطية، بل إنها تقف في نظره على النقيض من الديمقراطية.
ويكتب: "إن أثينا القديمة لم تعرف الشعبوية. الديماغوجيا نعم، والمحرضين بمختلف أشكالهم، الذين كان بإمكانهم أن يقودوا حشودا متقلبة من الفقراء إلى سياسة غير عاقلة، ولكن ليس إلى الشعبوية. يزعم الشعبويون بأنهم الشعب! (...)، وبذلك ينزعون الشرعية عن كل من يفكر بطريقة مختلفة، وسواء تعلق الأمر بمظاهرات مضادة لهم في الشوارع أو بنواب في البرلمان، وبغض النظر عن الأصوات التي حصل عليها الممثلون الرسميون للشعب. إن كل الشعبويين يقفون ضد "المؤسسة"، لكن ليس كل من ينتقد النخب شعبويا.
إنهم بالضرورة معادون للتعدد، ومن يقف ضدهم وضد ادعائهم بأنهم وحدهم من يمثلون الشعب، فهو أوتوماتيكيا لا ينتمي إلى الشعب الحقيقي. لكن لا ديمقراطية بدون تعدد، وكما عبر عن ذلك هابرماس في صيغة شاملة ومانعة.
إن الشعب "لا يتحقق إلا في صيغة الجمع"، وهي تلك الصيغة التي تقف اليوم الشعبوية من جهة والنيوليبرالية من جهة ثانية ضدها، مما يهدد النظام الديمقراطي بأكمله.
تتمتع الأحزاب الشعبوية اليوم في أوروبا بشعبية كبيرة. إنها تعلن في برامجها عن عداءها للاتحاد الأوروبي وللأقلية المسلمة، وتطالب باستعداة الدولة الوطنية لسلطاتها السياسية من بروكسيل، وفي الوقت نفسه، تعلن بأن الإسلام لا ينتمي إلى أوروبا.
إن الشعبويين، مثل أتباع "حزب البديل من أجل ألمانيا" لا يعرفون إلا الشيء القليل عن التقاليد الإنسية لألمانيا والغرب عموما، رغم أنهم يقدمون أنفسهم كمنافحين عن تلك القيم والتقاليد، كما أنهم يقفون عل النقيض من رسالة المسيحية التي يتمسحون بها.
إن هذه النظرة الشعبوية إلى العالم والمجتمع تفضح فهما جوهرانيا للثقافة وجهلا فاضحا بالتاريخ الثقافي لأوروبا، ولا يجب أن نندهش إذا انتهى تسييس التراث الثقافي إلى إفراغ هذا التراث من تعدده.
إن الرؤية الشعبوية تقوم على رفض للمجتمعي باسم الجمعي، وتمثّل خطرا لا ريب على الوعي النقدي الذي صنع الغرب وثقافته، فهي لا تستطيع أن تفكر في العيش المشترك إلا من خلال مقولات: الأحكام المسبقة، السلالة، الأصل.
لكن هذه الإنعاطفة نحو اليمين المتطرف، ليست ظاهرة جديدة. فواقع أن أحزابا ديمقراطية في الغرب، مثل الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا، يدافع عن ثقافة رائدة، يتوجب على الأقليات الأخرى أن تتماهى معها، يؤكد مرة أخرى أننا أمام مونوديمقراطيات، وأن المهاجرين من أصول مسلمة، سيظلون مواطنين من درجة ثانية.