14 نوفمبر 2024
عاصفة القتل في اليمن
في واقع يديره تجمع للقتلة، يغدو الفعل الإجرامي فعلاً عادياً، ولا يحرّك لدى القتلة وأتباعهم أي شعورٍ بالذنب، وتسقط في واقع كهذا المسؤولية الأخلاقية المترتبة على أفعالهم. وفي تفاهة حربٍ بليدةٍ، كالحرب التي تدور في اليمن، من ينتصر هو منطق القتلة وقوانينهم، وبقدر ما تؤكد كوارث الحرب في اليمن، خصوصا فيما يتعلق بالضحايا المدنيين الذين يقتلون كل يوم جرّاء غارات التحالف العربي وقذائف مليشيات الحوثي، فإن أطراف الصراع اليمنيين وحلفاءهم الإقليميين قد تجاوزوا، في انتهاكاتهم، كل الأعراف الإنسانية والمواثيق والقوانين الدولية المتبعة في الحروب، فإن استمرار المجازر اليومية التي ترتكبها دول التحالف العربي، بقيادة العربية السعودية، بحق المدنيين في اليمن يؤكد أن إرادة القتل أصبحت سلوكا يعكس العقلية الإجرامية التي تدير وفقها هذه الأطراف حربها في اليمن، مستفيدة بالطبع من تواطؤ القوى الدولية، وكذلك صمت المجتمع الدولي.
منذ السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دخلت الأعمال القتالية في اليمن منعطفاً خطيراً، بعد مضي أطراف الصراع اليمنيين وحلفائهم في خيار الحسم العسكري، حيث انعكس ذلك ليس فقط في توسع العمليات العسكرية بعد مقتل الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وإنما في أداء هذه الاطراف، ولامبالاتها حيال مقتل المدنيين في مناطق المواجهات المشتعلة، فقد أدى تصاعد غارات التحالف العربي إلى تضاعف مقتل المدنيين في اليمن بشكل غير مسبوق، فبحسب تقارير لمنظمات دولية، أخيرا، قتل في غضون عشرين يوماً ما يزيد عن مائتي مدني يمني. وكالعادة، سَخَرت أطراف الصراع وحلفاؤهم منظومتهم الإعلامية، لتبرير جرائمهم، فضلاً عن تبادل الاتهامات بينهم حيال المسؤولية القانونية، إذ برّرت قيادة التحالف العربي مقتل المدنيين جرّاء غاراتها في تلك المناطق بإلقاء المسؤولية على اتخاذ مليشيات الحوثي المدنيين دروعا بشرية، في حين وظفت جماعة الحوثي مجازر التحالف العربي بحق المدنيين في اليمن لتبرير استمرار حربها على اليمنيين.
يؤكد تصاعد مقتل المدنيين اليمنيين في معظم المناطق اليمنية، وتركزها في أرياف مدينة
الحديدة، جرّاء غارات التحالف، أن أطراف الصراع حولت المدنيين اليمنيين إلى هدف مباشر للقتل، وهو ما جعل المنسق الإنساني في اليمن، جيمي ماكغولدريك، يصعّد لأول مرة لهجة خطابه ضد قيادة التحالف العربي، إذ اتهم التحالف باللامبلاة حيال قتل المدنيين. وعلى الرغم من أن خطاب المنسق يشكل تناقضاً صريحاً مع إعلان أمينها العام، أنطونيو غوتيريس، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن السعودية ملتزمة في حربها في اليمن بالقانون الدولي. ويكشف تصعيد خطاب المنسق الإنساني ضد التحالف، أخيرا، يكشف عن مأساة حقيقية، يتجاهلها العالم: تضاعف الضحايا المدنيين جرّاء غارات التحالف العربي.
أسهل الطرق بالنسبة للقاتل للتهرّب من المسؤولية حيال جرائمه هي إدعاؤه الجنون أو إلقاؤه اللوم على خصمه، لضمان تجيير سياقات الجريمة لصالحه، فمنذ تدخلها العسكري في اليمن، تبنت قيادة التحالف العربي خطابا سياسيا ملتويا، لا يعكس أزمتها الداخلية فقط، وإنما لاأخلاقيتها في إدارة حربها في اليمن، وتبعات ذلك على اليمنيين جرّاء غاراتها. وعلى خطى سلفه، العقيد أحمد عسيري، يتابع المتحدث باسم التحالف العربي، العقيد تركي المالكي، سياسة التحالف في تجاهل جرائمه بحق المدنيين، أو التنصل من المسؤولية تحت مبرّرات عديدة، تهدف إلى إسقاط مسؤولية التحالف عن مقتل المدنيين، ففي 26 ديسمبر/ كانون الأول، استهدف طيران التحالف العربي سوقاً شعبياً في مديرية التعزية في مدينة تعز، أسفر عن مقتل أربعين مدنياً، وكَيَفَ المتحدث الرسمي باسم التحالف سقوط ضحايا مدنيين بوجود تجمعات
لمليشيات الحوثيين في السوق، لكن غضب المنظمات الدولية جرّاء سقوط المدنيين لم يمنع التحالف العربي من استمرار استهدافه لهم، ففي الأول من يناير/ كانون الثاني الحالي، قُتل ما يقارب ثلاثين مدنياً جرّاء استهداف التحالف منطقة الجراحي غرب اليمن، وهو ما دفع المنسق الإنساني إلى وصف سلوك التحالف بـِ "الاستهتار بحياة البشر في اليمن"، إلا أن المتحدث باسم التحالف، بدلاً من تقييم العمليات العسكرية في المناطق التي شهدت تزايد مقتل المدنيين، أصرّ على أن التحالف يلتزم بمعايير القانون الدولي الإنساني في حرب اليمن. وبعد أن نفدت تبريراته، لجأ إلى التشكيك بتقارير الأمم المتحدة وبياناتها، واتهام المنسق الإنساني في اليمن بالانحياز لمليشيات الحوثي، عبر "تشويه المهام الإنسانية التي يقدمها التحالف العربي لليمنيين".
عندما تغيب الرقابة الكاملة على أداء العمليات العسكرية ونتائجها الكارثية حيال المدنيين، كما يحدث في الحرب في اليمن، وتكون دول، كالعربية السعودية والإمارات المتحدة وبقية دول التحالف العربي، المصدر الإعلامي والسياسي الذي يستقي منه بعض المغفلين حقيقة ما يحدث في اليمن، خصوصا مأساة ضحايا الغارات، فإن ذلك يعد جريمة تجاهل في حق الضحايا اليمنيين. أما حينما تحظى السعودية بمباركة حلفائهم الدوليين حيال أدائها الكارثي في اليمن، فذلك يعني ضوءاً أخضر، لاستمرارها في استهداف المدنيين، وربما يمنحنا الموقف الأميركي حيال أداء السعودية في اليمن تأكيداً واضحاً على استخفاف الدول الكبرى بدماء اليمنيين، إذ لم تكتفِ الإدارة الأميركية بتجاهل النتائج المترتبة على ضلوعها غير المباشر في قتل المدنيين اليمنيين، بل سارعت بنجدة حليفها الإقليمي، ففي مؤتمر للصحفيين في مقر وزارة الدفاع الأميركية، وعلى خلفية انتقاد المنظمات الدولية وكبريات الصحف الأميركية الدور الأميركي في حرب اليمن، قال وزير الدفاع، جيمس ماتيس، إن أميركا وحلفاء السعودية ملتزمون في اليمن بمعيارٍ لم يلتزم به أحد في أي حرب سابقة، وإن دعم الولايات المتحدة اللوجستي للسعودية في حربها في اليمن، أسهم بشكل كبير في تقليص سقوط ضحايا مدنيين.
يلزم القاتل كثيرا من النزاهة، ليعترف أمام نفسه أولاً، ثم أمام المجتمع، بأنه أخطأ بارتكابه جريمته. ويلزم القاتل كثيرا من الوقاحة واللاإنسانية والبشاعة لتجاهل جريمته، والتبرير لها. لكن كما يبدو فإن السعودية، ودول التحالف العربي، ومن ورائها القوى الدولية، جميعها لا تتمتع بأخلاق قاتلٍ، يمتلك أدنى حساسية بشرية وإنسانية بالشعور بمعنى طمسها بكبسة زر فقط، لوجود أسر كاملة يمنية من الحياة برمتها.
منذ السادس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دخلت الأعمال القتالية في اليمن منعطفاً خطيراً، بعد مضي أطراف الصراع اليمنيين وحلفائهم في خيار الحسم العسكري، حيث انعكس ذلك ليس فقط في توسع العمليات العسكرية بعد مقتل الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وإنما في أداء هذه الاطراف، ولامبالاتها حيال مقتل المدنيين في مناطق المواجهات المشتعلة، فقد أدى تصاعد غارات التحالف العربي إلى تضاعف مقتل المدنيين في اليمن بشكل غير مسبوق، فبحسب تقارير لمنظمات دولية، أخيرا، قتل في غضون عشرين يوماً ما يزيد عن مائتي مدني يمني. وكالعادة، سَخَرت أطراف الصراع وحلفاؤهم منظومتهم الإعلامية، لتبرير جرائمهم، فضلاً عن تبادل الاتهامات بينهم حيال المسؤولية القانونية، إذ برّرت قيادة التحالف العربي مقتل المدنيين جرّاء غاراتها في تلك المناطق بإلقاء المسؤولية على اتخاذ مليشيات الحوثي المدنيين دروعا بشرية، في حين وظفت جماعة الحوثي مجازر التحالف العربي بحق المدنيين في اليمن لتبرير استمرار حربها على اليمنيين.
يؤكد تصاعد مقتل المدنيين اليمنيين في معظم المناطق اليمنية، وتركزها في أرياف مدينة
أسهل الطرق بالنسبة للقاتل للتهرّب من المسؤولية حيال جرائمه هي إدعاؤه الجنون أو إلقاؤه اللوم على خصمه، لضمان تجيير سياقات الجريمة لصالحه، فمنذ تدخلها العسكري في اليمن، تبنت قيادة التحالف العربي خطابا سياسيا ملتويا، لا يعكس أزمتها الداخلية فقط، وإنما لاأخلاقيتها في إدارة حربها في اليمن، وتبعات ذلك على اليمنيين جرّاء غاراتها. وعلى خطى سلفه، العقيد أحمد عسيري، يتابع المتحدث باسم التحالف العربي، العقيد تركي المالكي، سياسة التحالف في تجاهل جرائمه بحق المدنيين، أو التنصل من المسؤولية تحت مبرّرات عديدة، تهدف إلى إسقاط مسؤولية التحالف عن مقتل المدنيين، ففي 26 ديسمبر/ كانون الأول، استهدف طيران التحالف العربي سوقاً شعبياً في مديرية التعزية في مدينة تعز، أسفر عن مقتل أربعين مدنياً، وكَيَفَ المتحدث الرسمي باسم التحالف سقوط ضحايا مدنيين بوجود تجمعات
عندما تغيب الرقابة الكاملة على أداء العمليات العسكرية ونتائجها الكارثية حيال المدنيين، كما يحدث في الحرب في اليمن، وتكون دول، كالعربية السعودية والإمارات المتحدة وبقية دول التحالف العربي، المصدر الإعلامي والسياسي الذي يستقي منه بعض المغفلين حقيقة ما يحدث في اليمن، خصوصا مأساة ضحايا الغارات، فإن ذلك يعد جريمة تجاهل في حق الضحايا اليمنيين. أما حينما تحظى السعودية بمباركة حلفائهم الدوليين حيال أدائها الكارثي في اليمن، فذلك يعني ضوءاً أخضر، لاستمرارها في استهداف المدنيين، وربما يمنحنا الموقف الأميركي حيال أداء السعودية في اليمن تأكيداً واضحاً على استخفاف الدول الكبرى بدماء اليمنيين، إذ لم تكتفِ الإدارة الأميركية بتجاهل النتائج المترتبة على ضلوعها غير المباشر في قتل المدنيين اليمنيين، بل سارعت بنجدة حليفها الإقليمي، ففي مؤتمر للصحفيين في مقر وزارة الدفاع الأميركية، وعلى خلفية انتقاد المنظمات الدولية وكبريات الصحف الأميركية الدور الأميركي في حرب اليمن، قال وزير الدفاع، جيمس ماتيس، إن أميركا وحلفاء السعودية ملتزمون في اليمن بمعيارٍ لم يلتزم به أحد في أي حرب سابقة، وإن دعم الولايات المتحدة اللوجستي للسعودية في حربها في اليمن، أسهم بشكل كبير في تقليص سقوط ضحايا مدنيين.
يلزم القاتل كثيرا من النزاهة، ليعترف أمام نفسه أولاً، ثم أمام المجتمع، بأنه أخطأ بارتكابه جريمته. ويلزم القاتل كثيرا من الوقاحة واللاإنسانية والبشاعة لتجاهل جريمته، والتبرير لها. لكن كما يبدو فإن السعودية، ودول التحالف العربي، ومن ورائها القوى الدولية، جميعها لا تتمتع بأخلاق قاتلٍ، يمتلك أدنى حساسية بشرية وإنسانية بالشعور بمعنى طمسها بكبسة زر فقط، لوجود أسر كاملة يمنية من الحياة برمتها.