07 نوفمبر 2024
عاجل: فاز السيسي
اشتركتُ، قبل أشهر، في أحد التطبيقات التي تجمع الأخبار العاجلة التي تنشرها المواقع الإخبارية العربية على شبكة الإنترنت، واخترت مواقع إخبارية مصرية ضمنها. ومنذ ذلك الوقت انهالت على هاتفي المحمول أخبار صنّفتها الأخيرة "عاجلة"، لكنها غريبة الشكل والمضمون.
لعل الأخبار التي تتناول أنشطة عبد الفتاح السيسي أبرز تلك الأخبار، فهناك أخبار "عاجلة" عن وصول السيسي إلى المكان الفلاني، وعاجل آخر عن بدء الاحتفالية الفلانية التي يحضرها السيسي، وثالث عن بدء السيسي إلقاء كلمته، ورابع وخامس وسادس أهم المقتطفات في كلمته (ولا أهمية لها)، ثم عواجل أخرى عن إنهائه كلمته ثم مغادرته المكان، إلى درجة أن وكالة الأنباء الرسمية المصرية نشرت خبرا "عاجلا" لمشتركيها في العالم عن التقاط السيسي صور تذكارية مع المشاركين، فيما يسمى "المنتدى الأفريقي الثالث للعلوم والتكنولوجيا"، باعتباره خبرا يمكن أن يهم المشتركين في الوكالة، كما نشرت صحيفة الوطن خبرا عاجلا آخر بعنوان "عاجل.. السيسي يمازح وزير النقل".
أما إذا كان السيسي في زيارة إلى خارج البلاد فحدّث ولا حرج عن الأخبار "العاجلة" التي
يبتلى بها هاتفي المحمول، بدءا من وصول السيسي إلى المطار ووداع المسؤولين له (ما أهمية أن يذهب المسؤولون إلى المطار لتوديع رئيس الجمهورية)، مرورا بانطلاق الطائرة مصحوبة بطائرات حربية مصرية لحراستها، ثم وصول طائرة السيسي إلى مطار الدولة المضيفة، ونزوله من الطائرة، واستقباله في المطار، ثم استقباله في قصر الزعيم الأجنبي الذي يزوره، وعواجل أخرى على المنوال نفسه تغطي كل حركات السيسي وسكناته، وكأنه ذاهب في رحلة ملحمية أسطورية.
وليس الأمر في المجالات غير السياسية أسعد حالا، فقد تلقيت خبرا عاجلا عن تعاقد فيفي عبده مع قناة فضائية لتقديم برنامج رمضاني، وخبرا آخر عن بدء عزاء والد ممثلة لم أسمع بها من قبل، بالإضافة إلى عشرات الأخبار الأخرى عن نشاطات شخصيات لا أهمية لها ولآرائها في جميع المجالات، فما أهمية رأي ممثل أو رياضي في الشؤون السياسية أو تحليل العلاقات الدولية، حتى نجد أخبارا عاجلة تنشر آراءه وخلاصة حكمته؟ ولماذا أجد خبرا عاجلا عن توجيه رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، ما وصفه الموقع بـ"رسالة نارية للشباب"، يدعوهم فيها إلى المشاركة في انتخابات الرئاسة، وكأنه شخصية ذو حيثية؟
وقد كانت ما تسمى "الانتخابات الرئاسية" التي جرت أخيرا، مناسبةً لتجتمع فيها آفات تغطية المواقع الإخبارية في مصر، فعلى الرغم من هزلية الحدث وانعدام المنافسة، إلا أن المواقع الإخبارية حاولت أن تصور الأمر كأنه حدث مهم، لا يعرف أحد نتيجته، فوجدت أخبارا عاجلة عن وصول "الكومبارس" المنافس للسيسي إلى لجان الاقتراع للإدلاء بصوته، ثم عاجلا آخر يدعوني إلى التعرف على المرشح الذي اختاره هذا المنافس، عندما أدلى بصوته، وكأنه يمكن أن يختار السيسي ولا يختار نفسه! ويبدو أن إدارة الموقع الذي نشر هذا الخبر العاجل تعرف أن الأمر كله مهزلة، وأن منافس السيسي يمكن فعلا أن يختاره بدلا من أن يصوت لنفسه، كما يعرف القائمون على الموقع أن الجمهور يمكن أن يصدّق هذا الأمر، وسيذهب إلى الخبر ليعرف اختيار هذا "المنافس".
بعد انفضاض المولد، انتقلت الأخبار العاجلة إلى مستوى آخر من الهزل، إذ دارت حول موعد انعقاد مؤتمر هيئة الانتخابات لإعلان النتيجة، وما إذا كان سيعقد في الساعة الثالثة أم السادسة مساء، كأن هناك ملايين من المصريين يتحرّقون شوقا لمعرفة المرشح الفائز في الانتخابات، ثم تناولت الأخبار العاجلة بدء المؤتمر، وعملت مواقع أخرى "بثا مباشرا" لوقائع مؤتمر الهيئة، وتوالت الأخبار العاجلة عن "لحظة إعلان فوز السيسي في الانتخابات"، وكيف استقبل السيسي الخبر مع أنصاره، وكيف عبّروا عن فرحتهم بالنتيجة!
كتبت في مقال سابق أن المصريين لم يعودوا يهتمون بما يقوله أو يفعله عبد الفتاح السيسي،
وأن الانتخابات لا تهم السواد الأعظم منهم، وبالفعل سخروا من انعدام الاهتمام بالانتخابات، ومن المحاولات المستميتة لجذب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، من قبيل توزيع الأموال والسلع التموينية والإعلان عن رحلات للحج والعمرة، وأخيرا تهديد الموظفين الحكوميين إن لم يذهبوا إلى الإدلاء بصوتهم، ثم انتقلت مرحلة السخرية إلى الإعلان عن النتيجة المحسومة سلفا، وكيف تحاول الأذرع الإعلامية جذب القراء والمشاهدين إلى متابعة المهزلة بالإيحاء بوجود منافسة، وإغراقهم بالأخبار العاجلة عن أشياء تافهة لا معنى لها. وبالفعل، كانت لحظة الإعلان عن فوز السيسي مناسبة لصفحات السخرية على مواقع التواصل لنشر نكات ورسومات ساخرة عن نتيجة الانتخابات، وكيف يتصنّع الشباب الإعراب عن مفاجأتهم بها، بدلا من أن يصبح الموضوع مجالا للنقاش الجاد، قبل أن يأتي خبر عاجل حقيقي استحوذ على اهتمام الشباب، وهو وفاة الأديب أحمد خالد توفيق، ليفجر الحزن على الرجل، والحديث عن مآثره وفضله على الشباب، حتى قيل إن عدد من حضروا جنازته يفوق عدد من ذهبوا إلى الانتخابات، وينصرف الحديث كليا عن مسخرة الانتخابات وأخبارها العاجلة الزائفة، وهو مصير تستحقه تماما.
لعل الأخبار التي تتناول أنشطة عبد الفتاح السيسي أبرز تلك الأخبار، فهناك أخبار "عاجلة" عن وصول السيسي إلى المكان الفلاني، وعاجل آخر عن بدء الاحتفالية الفلانية التي يحضرها السيسي، وثالث عن بدء السيسي إلقاء كلمته، ورابع وخامس وسادس أهم المقتطفات في كلمته (ولا أهمية لها)، ثم عواجل أخرى عن إنهائه كلمته ثم مغادرته المكان، إلى درجة أن وكالة الأنباء الرسمية المصرية نشرت خبرا "عاجلا" لمشتركيها في العالم عن التقاط السيسي صور تذكارية مع المشاركين، فيما يسمى "المنتدى الأفريقي الثالث للعلوم والتكنولوجيا"، باعتباره خبرا يمكن أن يهم المشتركين في الوكالة، كما نشرت صحيفة الوطن خبرا عاجلا آخر بعنوان "عاجل.. السيسي يمازح وزير النقل".
أما إذا كان السيسي في زيارة إلى خارج البلاد فحدّث ولا حرج عن الأخبار "العاجلة" التي
وليس الأمر في المجالات غير السياسية أسعد حالا، فقد تلقيت خبرا عاجلا عن تعاقد فيفي عبده مع قناة فضائية لتقديم برنامج رمضاني، وخبرا آخر عن بدء عزاء والد ممثلة لم أسمع بها من قبل، بالإضافة إلى عشرات الأخبار الأخرى عن نشاطات شخصيات لا أهمية لها ولآرائها في جميع المجالات، فما أهمية رأي ممثل أو رياضي في الشؤون السياسية أو تحليل العلاقات الدولية، حتى نجد أخبارا عاجلة تنشر آراءه وخلاصة حكمته؟ ولماذا أجد خبرا عاجلا عن توجيه رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، ما وصفه الموقع بـ"رسالة نارية للشباب"، يدعوهم فيها إلى المشاركة في انتخابات الرئاسة، وكأنه شخصية ذو حيثية؟
وقد كانت ما تسمى "الانتخابات الرئاسية" التي جرت أخيرا، مناسبةً لتجتمع فيها آفات تغطية المواقع الإخبارية في مصر، فعلى الرغم من هزلية الحدث وانعدام المنافسة، إلا أن المواقع الإخبارية حاولت أن تصور الأمر كأنه حدث مهم، لا يعرف أحد نتيجته، فوجدت أخبارا عاجلة عن وصول "الكومبارس" المنافس للسيسي إلى لجان الاقتراع للإدلاء بصوته، ثم عاجلا آخر يدعوني إلى التعرف على المرشح الذي اختاره هذا المنافس، عندما أدلى بصوته، وكأنه يمكن أن يختار السيسي ولا يختار نفسه! ويبدو أن إدارة الموقع الذي نشر هذا الخبر العاجل تعرف أن الأمر كله مهزلة، وأن منافس السيسي يمكن فعلا أن يختاره بدلا من أن يصوت لنفسه، كما يعرف القائمون على الموقع أن الجمهور يمكن أن يصدّق هذا الأمر، وسيذهب إلى الخبر ليعرف اختيار هذا "المنافس".
بعد انفضاض المولد، انتقلت الأخبار العاجلة إلى مستوى آخر من الهزل، إذ دارت حول موعد انعقاد مؤتمر هيئة الانتخابات لإعلان النتيجة، وما إذا كان سيعقد في الساعة الثالثة أم السادسة مساء، كأن هناك ملايين من المصريين يتحرّقون شوقا لمعرفة المرشح الفائز في الانتخابات، ثم تناولت الأخبار العاجلة بدء المؤتمر، وعملت مواقع أخرى "بثا مباشرا" لوقائع مؤتمر الهيئة، وتوالت الأخبار العاجلة عن "لحظة إعلان فوز السيسي في الانتخابات"، وكيف استقبل السيسي الخبر مع أنصاره، وكيف عبّروا عن فرحتهم بالنتيجة!
كتبت في مقال سابق أن المصريين لم يعودوا يهتمون بما يقوله أو يفعله عبد الفتاح السيسي،