09 نوفمبر 2024
طهران تطمح إلى "حياد فلسطيني"
زار "وفد قيادي فلسطيني" طهران في التاسع من فبراير/شباط الماضي، تلبية لدعوة رسمية بمناسبة الاحتفالات بالذكرى السابعة والثلاثين لانتصار الثورة الإيرانية. وامتدت الزيارة خمسة أيام، وخرج الوفد الزائر منها مرتاحاً كما تشي متابعات تولاها إعلام الفصائل. ضم الوفد ممثلين لحركات حماس وفتح وفتح الانتفاضة والجهاد الإسلامي، الجبهتين الديمقراطية والشعبية، ومنظمة الصاعقة، وجبهة النضال الشعبي، والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة. ولوحظ أن "حماس" تمثلت بعضوين، محمد نصر وأسامة حمدان، وكذلك الديمقراطية، فهد سليمان ومحمد مصطفى، فيما تمثلت باقي الفصائل، بما فيها فتح بممثل واحد عنها (عباس زكي).
لم تحظ الزيارة بأضواء إعلامية، لسخونة الأحداث على الساحات السورية واليمنية والعراقية، وللحركية الدائمة التي يشهدها الملف السوري بالذات. بما يقلص الاهتمام بتطورات سياسية أخرى، فضلاً عن تراجع الوزن السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية " الرسمية"، ممثلة بفصائل منظمة التحرير، وتلك التي خارج المنظمة أيضاً.
غلب على الزيارة طابع احتفالي، ولم ترتق إلى مستوى مباحثات. وقد عبّر هذا الحدث عن حاجة الطرفين إليه، فطهران بحاجة إلى غطاء سياسي عربي، بما يصرف النظر عن سياستها التدخلية والتوسعية في العالم العربي. وتوفر مشاركة ممثلين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي تغطية إسلامية سنيّة مطلوبة دائماً، لإقصاء النظر عن السياسات المذهبية التي تتبعها طهران بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الوضوح والتخفي. أما الفصائل الفلسطينية التي لبت الدعوة، فهي بحاجة ماسّة إلى مساحةٍ للحركة السياسية، وذلك بعد أن ضاقت هوامش التحرك، وقد جاءت الدعوة بمثابة فرصة للفصائل، وبعضها يتردد على طهران، لكي تعلن عن دوام حضورها في المشهد السياسي الفلسطيني والعربي، حتى لو كاد هذا الحضور يقتصر على الجانب الإعلامي.
وبينما تنتصب خلافات كبيرة بين الفصائل على خلفية الانقسام بين سلطتين في رام الله وغزة، وكذلك على خلفية الموقف من الوضع السوري، ويتشابك الأمران مع السياسات الإيرانية في المنطقة، إلا أن أجواء الزيارة أوحت بأنه يمكن فصل الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية عن باقي السياسات الإيرانية، مع تنزيه الموقف الإيراني بخصوص فلسطين من أي شائبة أو مثلبة. فقد أبرزت مجلة الحرية، الناطقة باسم الجبهة الديمقراطية (العدد 1568)، في تقريرٍ نشرته عن الزيارة، حرص طهران على توحيد صفوف المقاومة الفلسطينية، وعلى إبقاء القضية الفلسطينية محوراً رئيسياً للسياسة الإيرانية، كما أبرزت المجلة دعوة طهران إلى الفصائل بأن تبقى بعيدة عن الخلافات الإقليمية، من أجل كسب الجميع! ولعل النقطة الأخيرة هي الأكثر مدعاة للاهتمام.
يعرف القاصي والداني أن السياسة الإيرانية تجاه فلسطين هدفت إلى إرساء نفوذ إيراني، فقد
شجعت طهران الانقسام الكبير بين حركتي حماس وفتح، واجتذبت "الجهاد الإسلامي" للضغط على حماس، بينما كانت الأقرب عملياً إلى طهران فصائل دمشق المنضوية في السياسة السورية. وقد افترقت طهران عن "حماس" ليس لسبب يتعلق بالأداء ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل لموقف الحركة الإسلامية الذي لم يؤيد القمع الدموي للسوريين. قبل أسابيع، ظهرت خريطة فلسطين على منصة الخطابة التي يلقي منها أمين عام حزب الله خطاباته موشحة بالعلم الإيراني وليس بالعلم الفلسطيني! كما لو أنها فلتة من اللاشعور عن التطلع الإيراني للاستحواذ على فلسطين وقضيتها.
ترى طهران في الجانب الفسطيني طرفاً ضعيفاً يمكن التأثير والضغط عليه، من أجل خدمة مصالحها الآنية والبعيدة. وهذا الطرف، ممثلاً بالفصائل، وعلى الرغم من فوارق نوعية بينها، يعاني، في هذه المرحلة، من حالةٍ تكاد تبلغ درجة افتقاد الوزن السياسي في الخارج، كما في داخل الوطن. وبالنظر للطبيعة البيروقراطية لغالبية هذه الفصائل، فهي تشكو من انقطاع الدعم المالي، كما تشكو داخلياً من غياب الشفافية المالية. ولهذا، لوحظ أن التقرير المشار إليه جاء على أهمية الإفراج عن مليارات الدولارات الإيرانية، بما يوفر انطلاقة جديدة لإيران في الملف السوري، وغيره من الملفات الإقليمية. تريد الفصائل، كما هو بادٍ، أن لا تكون بعيدةً عن بركات الانطلاقة الجديدة، حتى لو كان ذلك على حساب شعبٍ شقيق مثل الشعب السوري، وكذلك على حساب مئات الآلاف من فلسطينيي المخيمات الذين تم اقتلاعهم وتجويعهم وتشتيتهم، لمجرد أنهم رفضوا الانخراط في معركة النظام ضد شعبه. وذلك كله بدعم فعلي ومتعدد الأشكال من طهران.
يتحدّث التقرير الذي نشرته المجلة اليسارية (نشأ كثيرون، ومنهم كاتب هذه السطور على قراءتها) عن "تعزيز التعاون بين الثورتين الإيرانية والفلسطينية"، وذلك جرياً على طريقةٍ عربيةٍ في منح صفةٍ ثوريةٍ دائمةٍ، لا تحول ولا تزول، على أنظمةٍ وكياناتٍ وهياكلَ تخلقت بفعل ثوري، في البداية، لكنها لم تلبث أن اتخذت طابع السلطة والنظام، كحال إيران الثورية التي دشنت عهدها السلطوي بمناوأة كل الشركاء في الثورة، وتصفيتهم مادياً وسياسياً، وذلك قبل أن تستوي على نهجٍ محافظ ثيوقراطي، مفعم بتجديد النزعة الامبراطورية خارج الحدود، مع إسباغ طابع إسلامي عليها، وما انفك الطابع المحافظ يزداد رسوخاً وتكلساً. ومع ذلك، هناك من يصف الوضع القائم بالثورة.
والتقرير بمجمله تلخيص لنياتٍ حميدة وسياسات إيجابيةٍ، عبّر عنها الجانب الإيراني للوفد الضيف المستمع، من قبيل أن القيادة الإيرانية تعهدت بأن تكون القضية الفلسطينية قضيتها الأولى في علاقاتها الدولية (!!). ومن قبيل "تشديد الجانب الإيراني على أن لا تكون فلسطين طرفاً في أية خلافات أو نزاعات أو صراعات إقليمية قد تشهدها بعض الدول الإسلامية"، ولعل هذه الملاحظة التي تم التشديد عليها هي الدافع وراء توجيه الدعوة إلى الوفد الفلسطيني لزيارة طهران، وذلك من أجل تشجيع الوفد والفصائل على النأي عن المحيط العربي، وعن العمق القومي، وعن التواصل مع الشعوب العربية الشقيقة، ومن أجل دفعه في النتيجة إلى حيادٍ سلبيٍّ يعتصم باللاموقف، للامتناع عن توجيه أي اعتراضٍ أو نقد للسياسات الإيرانية.. وهذا هو جُل المراد.
لم تحظ الزيارة بأضواء إعلامية، لسخونة الأحداث على الساحات السورية واليمنية والعراقية، وللحركية الدائمة التي يشهدها الملف السوري بالذات. بما يقلص الاهتمام بتطورات سياسية أخرى، فضلاً عن تراجع الوزن السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية " الرسمية"، ممثلة بفصائل منظمة التحرير، وتلك التي خارج المنظمة أيضاً.
غلب على الزيارة طابع احتفالي، ولم ترتق إلى مستوى مباحثات. وقد عبّر هذا الحدث عن حاجة الطرفين إليه، فطهران بحاجة إلى غطاء سياسي عربي، بما يصرف النظر عن سياستها التدخلية والتوسعية في العالم العربي. وتوفر مشاركة ممثلين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي تغطية إسلامية سنيّة مطلوبة دائماً، لإقصاء النظر عن السياسات المذهبية التي تتبعها طهران بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الوضوح والتخفي. أما الفصائل الفلسطينية التي لبت الدعوة، فهي بحاجة ماسّة إلى مساحةٍ للحركة السياسية، وذلك بعد أن ضاقت هوامش التحرك، وقد جاءت الدعوة بمثابة فرصة للفصائل، وبعضها يتردد على طهران، لكي تعلن عن دوام حضورها في المشهد السياسي الفلسطيني والعربي، حتى لو كاد هذا الحضور يقتصر على الجانب الإعلامي.
وبينما تنتصب خلافات كبيرة بين الفصائل على خلفية الانقسام بين سلطتين في رام الله وغزة، وكذلك على خلفية الموقف من الوضع السوري، ويتشابك الأمران مع السياسات الإيرانية في المنطقة، إلا أن أجواء الزيارة أوحت بأنه يمكن فصل الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية عن باقي السياسات الإيرانية، مع تنزيه الموقف الإيراني بخصوص فلسطين من أي شائبة أو مثلبة. فقد أبرزت مجلة الحرية، الناطقة باسم الجبهة الديمقراطية (العدد 1568)، في تقريرٍ نشرته عن الزيارة، حرص طهران على توحيد صفوف المقاومة الفلسطينية، وعلى إبقاء القضية الفلسطينية محوراً رئيسياً للسياسة الإيرانية، كما أبرزت المجلة دعوة طهران إلى الفصائل بأن تبقى بعيدة عن الخلافات الإقليمية، من أجل كسب الجميع! ولعل النقطة الأخيرة هي الأكثر مدعاة للاهتمام.
يعرف القاصي والداني أن السياسة الإيرانية تجاه فلسطين هدفت إلى إرساء نفوذ إيراني، فقد
ترى طهران في الجانب الفسطيني طرفاً ضعيفاً يمكن التأثير والضغط عليه، من أجل خدمة مصالحها الآنية والبعيدة. وهذا الطرف، ممثلاً بالفصائل، وعلى الرغم من فوارق نوعية بينها، يعاني، في هذه المرحلة، من حالةٍ تكاد تبلغ درجة افتقاد الوزن السياسي في الخارج، كما في داخل الوطن. وبالنظر للطبيعة البيروقراطية لغالبية هذه الفصائل، فهي تشكو من انقطاع الدعم المالي، كما تشكو داخلياً من غياب الشفافية المالية. ولهذا، لوحظ أن التقرير المشار إليه جاء على أهمية الإفراج عن مليارات الدولارات الإيرانية، بما يوفر انطلاقة جديدة لإيران في الملف السوري، وغيره من الملفات الإقليمية. تريد الفصائل، كما هو بادٍ، أن لا تكون بعيدةً عن بركات الانطلاقة الجديدة، حتى لو كان ذلك على حساب شعبٍ شقيق مثل الشعب السوري، وكذلك على حساب مئات الآلاف من فلسطينيي المخيمات الذين تم اقتلاعهم وتجويعهم وتشتيتهم، لمجرد أنهم رفضوا الانخراط في معركة النظام ضد شعبه. وذلك كله بدعم فعلي ومتعدد الأشكال من طهران.
يتحدّث التقرير الذي نشرته المجلة اليسارية (نشأ كثيرون، ومنهم كاتب هذه السطور على قراءتها) عن "تعزيز التعاون بين الثورتين الإيرانية والفلسطينية"، وذلك جرياً على طريقةٍ عربيةٍ في منح صفةٍ ثوريةٍ دائمةٍ، لا تحول ولا تزول، على أنظمةٍ وكياناتٍ وهياكلَ تخلقت بفعل ثوري، في البداية، لكنها لم تلبث أن اتخذت طابع السلطة والنظام، كحال إيران الثورية التي دشنت عهدها السلطوي بمناوأة كل الشركاء في الثورة، وتصفيتهم مادياً وسياسياً، وذلك قبل أن تستوي على نهجٍ محافظ ثيوقراطي، مفعم بتجديد النزعة الامبراطورية خارج الحدود، مع إسباغ طابع إسلامي عليها، وما انفك الطابع المحافظ يزداد رسوخاً وتكلساً. ومع ذلك، هناك من يصف الوضع القائم بالثورة.
والتقرير بمجمله تلخيص لنياتٍ حميدة وسياسات إيجابيةٍ، عبّر عنها الجانب الإيراني للوفد الضيف المستمع، من قبيل أن القيادة الإيرانية تعهدت بأن تكون القضية الفلسطينية قضيتها الأولى في علاقاتها الدولية (!!). ومن قبيل "تشديد الجانب الإيراني على أن لا تكون فلسطين طرفاً في أية خلافات أو نزاعات أو صراعات إقليمية قد تشهدها بعض الدول الإسلامية"، ولعل هذه الملاحظة التي تم التشديد عليها هي الدافع وراء توجيه الدعوة إلى الوفد الفلسطيني لزيارة طهران، وذلك من أجل تشجيع الوفد والفصائل على النأي عن المحيط العربي، وعن العمق القومي، وعن التواصل مع الشعوب العربية الشقيقة، ومن أجل دفعه في النتيجة إلى حيادٍ سلبيٍّ يعتصم باللاموقف، للامتناع عن توجيه أي اعتراضٍ أو نقد للسياسات الإيرانية.. وهذا هو جُل المراد.