طاقم ترامب

22 نوفمبر 2016
+ الخط -
تتواتر التكهنات والتوقعات بشأن الأسماء التي سيعتمد عليها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، لقيادة السياسة الأميركية في الداخل والخارج، على الرغم من أن الرجل كان صريحاً وطريفاً، ومتطرّفاً أحياناً، في بيان ما ستكون عليه سياسته. وسيكون على المرشحين المحتملين لشغل المناصب فهم مواقف ترامب التي أعلن عنها، والعمل بموجبها.
من المفيد الإشارة إلى أن الدستور الأميركي يجعل الرئيس المسؤول في المقام الأول، من دون أن يعني ذلك أن الطاقم الرئاسي مجرد سكرتاريا، لكن الموظف الذي سيتم تعيينه لن يحيد كثيراً عما يرغب به الرئيس، أو ما أعلن عنه في حملته الانتخابية. ويمكن التدليل على ذلك بمقارنة السياسة الخارجية لأميركا في مرحلتي هيلاري كلينتون وجون كيري، حيث لا يمكن تلمس فروق جوهرية في معظم المواقف الدولية، سواء تجاه روسيا أو إيران أو العلاقات مع إسرائيل والمنطقة العربية، فقد نفذ الوزيران سياسةً عامةً، وضعها أوباما، لم تتغير بتغير الشخص الذي شغل المنصب.
جاء ترامب من خلفية جمهورية، وهي بيئة كلاسيكية ذات طبيعة محافظة أقرب إلى التديّن، أو تقترب أخلاقياتها من تعاليم الكنيسة، وتشجّع المبادرات الشخصية، وتحاول إزالة القيود، وخفض الضرائب، وتعتبر العالم كله مجالاً مفتوحاً لنشاطها، وقد تكون متحفّظةً إزاء التورّط في حروب خارجية كبيرة، وخصوصاً بعد نتائج حربي العراق وأفغانستان الهزيلتين والمكلفتين. لكن، مع المحافظة على أمن دفاعي قوي جداً ومسيطر. وترامب سليل عائلةٍ غنيةٍ، وقد ولد بمستقبل مضمون. ومع ذلك، برهن على نجاحات عريضة ضمن المجتمع الأميركي، والنجاح الذي يهم الأوساط التي تؤمن بترامب، هو تحقيق الثروة من دون إثارة شبهاتٍ كبيرة، وهو الأمر الذي حققه ترامب بالفعل، ما يجعله جمهورياً نموذجياً، أما رؤية ترامب الانتخابية فقد بينت عن كراهية للآخر، ممزوجةٍ بعنصريةٍ واضحة، دلل عليها في أثناء دعوته إلى بناء جدار مع المكسيك وحرمان المسلمين من دخول أميركا، وإيجاد قاعدة بيانات للاجئين السوريين.
جاء الحسم عبر صندوق الانتخابات الذي أظهر ميل الناخبين نحو الجمهوريين بتوجهاتهم المعروفة، وتبدو الأجواء العامة شبيهة بالتي أعقبت فوز جورج بوش الابن، بعد ثماني سنوات ديمقراطية، وعد فيها بوش ناخبيه بالالتفات إلى الداخل، من خلال تخفيض الضرائب وإصلاح الضمان الاجتماعي والمساعدة الدوائية لكبار السن، وهي تطابق وعود ترامب مع صخبٍ إعلاميٍّ أقل. ولكن، سرعان ما فوجئ بوش بهجمات "11 سبتمبر"، فانقلب الحزب المحافظ الكلاسيكي إلى طغمةٍ عسكريةٍ، أطلقت على نفسها اسماً لطيفاً هو "حزب الشاي".
يرى ترامب في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خطراً كبيراً على الأمن القومي الأميركي، وقد كرّر في خطاباته مفهوم "التطرّف الإسلامي"، وذكر تنظيم الدولة بالاسم، وأكّد أولوية التصدّي له، على الرغم من عدم شرح طريقة التصدي تلك، والتي قد لا تتجاوز ما كان أوباما يقوم به. يرى ترامب، أيضاً، وبحكم ما يمثله، إيران خطراً كبيراً آخر، وهي تمثل العدو المباشر بعد "داعش"، وقد يكون الاتفاق النووي الذي اعتبرته إيران انتصاراً، في خطر، فقد لمح ترامب أنه سيعمل على تعديله، فيما ظهر شديد الحذر بما يخص الملف السوري، على الرغم من انتقاده العلني والواضح بشار الأسد، وقد فصل بين الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية، واعتبرهما قضيتين مختلفتين، وأظهر تساهلاً تجاه روسيا، فيما يخص المسألة السورية. وقد لا يأخذ هذا التساهل مدى بعيداً، بحكم الخلفيات التي يستند إليها ترامب، واستراتيجيات فلاديمير بوتين اللامحدودة، ما قد يعجل الشقاق أسرع مما نتصوّر، خصوصاً بتداخل الملف الإيراني مع السوري والروسي.
قد تبذل روسيا جهوداً لتعزيز فهم ترامب الموضوع السوري، لكن إيران ستظهر من جديد عقدة منشار، وقد تقلب رؤية ترامب، ليكون حازماً بعض الشيء تجاهها على الأرض السورية بالذات، بما قد لا يرضي الروس، ومن ثم سنشهد استعادةً للعداوات وللتحالفات التقليدية، وقد يجد ترامب نفسه ثانيةً، يلحس كل تصريحاته بشأن السعودية ودول الخليج.