صور تغير نظرتنا

15 سبتمبر 2015
+ الخط -
أشير، في البداية، إلى أن العنوان أعلاه اقتبسته من أحد مواضيع الملف الذي خصصته المجلة الفرنسية، باري ماتش، الأسبوع الماضي، لقضية اللاجئين السوريين الفارين إلى أوروبا براً وبحراً. وهو (العنوان) أعطى قوة كبيرة للصورة التي قد تصل إلى حد تغيير الآراء ووجهات النظر، بل وتغيير قرارات الحكومات، كما حصل مع دول الاتحاد الأوروبي في موضوع اللاجئين، بعد انتشار صورة الطفل السوري، وهو يتوسد رمال البحر، بدلا من وسادة دافئة في أحد غرف منزله بقريته الكردية التي غادرها خائفاً مكرهاً، ورجع إليها جثة هامدة.
هذا الاهتمام الذي أولته المجلة للموضوع، بتخصيص ملف أخذ من الجريدة 24 صفحة، بالإضافة إلى الغلاف الذي احتلته صورة لاجئ يحمل ابنته، مع عنوان مثقل بالأسى، يستجدي الأوربيين ويستعطفهم "استقبلونا". هذا الاهتمام لم يكن استثناء في وسائل الإعلام الغربية وغير الغربية، وبمختلف أنواعها، فقد اتفقت جميعها فجأة على تسليط كل اهتمامها حول الإنسانية الضائعة في مهب رياح البحر، وهي تقذف بجثة عيلان أمام عدسة مصوّرة حالفها الحظ، في أن تكون في الوقت المناسب والمكان المناسب، ليوّجه اهتمام العالم، ويغيّر نظرة الحكومات نحو سيل الهجرات التي حجّت إلى أوروبا، هربا من قدر مخيف إلى قدر مجهول.
شبّه الروائي واسيني الأعرج في مقال له مشهد السوريين المكتظين في القطارات المتوجهة إلى ألمانيا، بمشهد اليهود الذين جرّهم النازيون في قطارات شبيهة إلى غرف الغاز، مع فارق الاتجاه والإرادة والعرق، والسياق طبعا. فألمانيا ميركل نجحت في توظيف الصورة لصالحها، وتوّشحت ثوب المنقذ الحنون، وصارت بعد السماح لبضعة آلاف من اللاجئين بدخول أراضيها أشبه بالجنية الطيبة التي تظهر في الوقت بدل الضائع، لتنقذ قصص الأطفال من نهايةٍ توشك أن تكون مأساوية.
إنه عصر الصورة التي تبني واقعا إعلاميا قد يكون رمزيا كما يراه عبد الرحمن عزي، لكنه واقع قوي، يضاهي الواقع الحقيقي، فالصورة الفوتوغرافية أوالتلفزيونية أوالسينمائية تحمل قدرة كبيرة على التحول إلى صور ذهنية غير محصنة، للتحول، هي الأخرى، إلى صور نمطية يصعب تغييرها. هذه الحقيقة صار الجميع يدركها. ولكن، لا يحسن الجميع تطبيقها وتوظيفها. خصوصاً مع السلطة التي صار يتحلى بها الجمهور المتلقي الذي ودّع منذ انتشار الميديا الجديدة سلبيته، وصار مشاركاً في صنع الصور وترويجها، وإن كان، في أحيان كثيرة، من دون وعي وبتلقائية وعاطفية، قد تستخدمها ضده الجهات التي تمتلك الوعي بالأهداف والرؤى والاستراتيجيات.
لا شك أن لدى "باري ماتش" وأخواتها من هذا الوعي ما يكفي لتختار بعناية فائقة صور أغلفتها.

avata
avata
باديس لونيس (الجزائر)
باديس لونيس (الجزائر)