صورة "شاطئ الموت"... دموع أوروبية لا تفتح الأبواب للاجئين

لندن
avata
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.
03 سبتمبر 2016
39B7D59A-5C3D-4A0E-BFAF-6B9611182DE2
+ الخط -

في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2015، ألقت أمواج البحر الأبيض المتوسط جثة الطفل السوري عيلان الكردي على شاطئ الموت. قبل عام، مات عيلان الهارب من جحيم الحرب في سورية، ولم تنج منه إلا صورة جسده الصغير وقد فارقته الحياة. هزت صورة عيلان الميت ضمير الإنسانية، وكشفت اللثام عن هول ما يجري في المتوسط، حيث يواجه ملايين الأطفال وأُسَرهم الموت. انتشرت صورة عيلان الغريق، فتنادت الإنسانية للتكاتف من أجل توفير ملاجئ آمنة للهاربين من لظى الحرب في أوطانهم.

"بعد عام من موت عيلان لم يتغيّر إلا القليل"، بحسب الكاتب في صحيفة "غارديان" البريطانية، باتريك كينغسلي، الذي رأى أن "حادثة غرق الطفل السوري حرّكت ضمير العالم، ودفعت بقضية اللاجئين السوريين الفارين من الحرب إلى صدارة الأجندة الدولية. ومع ذلك لم يتغيّر الكثير، إذ لا يزال آلاف الأطفال السوريين يموتون في مخيمات اللجوء".

وبعد أن عدّد الكاتب أهم التحركات التي اتخذتها دول أوروبية بعد مأساة الطفل عيلان، مثل قرار ألمانيا استقبال مئات الآلاف من اللاجئين، وقبول بريطانيا استقبال عدد منهم، وإقامة ممر إنساني للاجئين من شمال اليونان إلى جنوب ألمانيا، عاد واستدرك قائلاً إن "أوروبا التي كانت مصدومة بسبب موت عيلان، وصور جثته الملقاة على شاطئ البحر، ما لبثت أن أدارت ظهرها للاجئين".

وتبدو الاستدارة الأوروبية جلية في الحالة البريطانية، فبعد التذكير بتعهّد رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، بعد مشاهدته صورة عيلان، باستقبال 20 ألف لاجئ سوري حتى عام 2020، تساءل الكاتب في صحيفة "إندبندنت"، جون ستون، عما تحقق من ذلك الوعد. وكتب "لم يتحقق الكثير، فقد منحت وزارة الداخلية اللجوء لنحو 2800 سوري فقط، وهو رقم أقلّ بكثير من رقم الأربعة آلاف لاجئ الذي التزمت به الحكومة حتى عام 2020".

وأضاف ستون أن "بريطانيا لم تستقبل في الربع الأول من العام الحالي سوى 517 لاجئاً سورياً، كما أنها لم تستقبل حتى اللحظة أي من الأطفال غير المصحوبين بعائلات، على الرغم من المطالبات التي وجّهتها منظمات أهلية وشخصيات عامة لوزيرة الداخلية آمبر رود، لاتخاذ إجراءات فورية بالسماح لـ387 طفلاً من اللاجئين العالقين في مخيم كاليه الفرنسي، بالدخول إلى بريطانيا.



يُذكر أن حكومة المحافظين البريطانية لم تكن، حتى السابع من سبتمبر/ أيلول من عام 2015، مستعدة لاستقبال أي من المهاجرين واللاجئين الفارين من الحروب المشتعلة في أكثر من دولة عربية وغير عربية، لولا الضغوط الخارجية والانتقادات الداخلية التي تعرّضت لها من قبل نشطاء سياسيين ونواب في مجلس العموم البريطاني، اتهموها بالتقصير وعدم بذل ما يكفي من الجهود في قضية اللاجئين. وتضاعفت الضغوط على الحكومة البريطانية بعد انتشار صورة عيلان الكردي، وبعد توقيع منظمات مدنية على عريضة تطالب السلطات البريطانية بفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين. وفي استجابة للضغوط، أعلن كاميرون في 7 سبتمبر من العام الماضي استعداد بلاده لاستقبال 20 ألف شخص من السوريين اللاجئين في مخيمات لبنان والأردن على دفعات حتى عام 2020، لكنه رفض استقبال أي من المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا.

وبالفعل بدأت بريطانيا العمل ببرنامج خاص لاستقبال اللاجئين السوريين ممن وصفتهم بالفئات الأكثر ضعفاً، والأكثر تضرراً من الصراع في سورية، وفي مقدمتهم النساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي، وكذلك كبار السن والناجين من عمليات التعذيب وذوي الاحتياجات الخاصة. وقد وصلت الدفعة الأولى ممن تنطبق عليهم شروط البرنامج إلى اسكتلندا منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وفي تطور لاحق، وافقت وزارة الداخلية البريطانية في شهر مايو/ أيار الماضي على استقبال ثلاثة آلاف طفل لاجئ، ممن فُصلوا عن عائلاتهم بسبب النزاعات في سورية وفي بلدان أخرى، بمعدل 700 طفل كل عام حتى عام 2020.

ويخشى كثر من أن تتراجع رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، تيريزا ماي، عن التعهّدات التي التزمت بها حكومة كاميرون العام الماضي، وتغلق الباب تماماً أمام اللاجئين السوريين، ذلك لأنه لطالما تبنّت ماي سياسة صارمة ضد الهجرة واللاجئين، وقد جاهرت عندما كانت وزيرة للداخلية أن "الهجرة تعرقل بنية المجتمع وتماسكه". واعتبرت أن "اللاجئين تسببوا في طرد الكثير من البريطانيين من سوق العمل وتحويلهم إلى عاطلين".

وتزايدت مخاوف منظمات حقوق الإنسان والهيئات الإنسانية الناشطة في إغاثة اللاجئين، بعد إلغاء ماي منصب "وزير اللاجئين السوريين"، الذي استحدثه كاميرون. وقد وصف زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، تيم فارون، إلغاء هذا المنصب في يوليو/ تموز الماضي بـ"المخزي تماماً". كما اعتبرت رئيسة فريق العمل لإغاثة اللاجئين في حزب العمال، النائبة إيفيت كوبر، أن إلغاء المنصب سيعقد مهمة الإيفاء بالتعهدات التي قطعتها بريطانيا لمساعدة اللاجئين، لا سيما الأطفال المعرضين أكثر من غيرهم لمخاطر الاتجار والاستغلال والعبودية.

مع العلم أنه بمناسبة مرور عام على وفاة عيلان الكردي، ناشد والده، عبدالله، أوروبا بإبقاء أبوابها مفتوحة أمام المهاجرين. وقال الأب لمحطة "بي بي سي"، إنه "لا يزال يأمل في أن يتمكن قادة العالم من وقف الحرب في سورية"، مضيفاً أنه "في البداية كان العالم متلهّفاً لمساعدة اللاجئين، لكن هذا لم يستمر حتى لشهر واحد. في الحقيقة ازداد الموقف سوءاً، فالحرب تفاقمت والمزيد من الناس يفرون من سورية". وأردف قائلاً "أتمنى من كل قادة العالم أن يوقفوا الحرب، لكي يتمكن الناس من العودة إلى حياتهم الطبيعية".

ذات صلة

الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة