04 نوفمبر 2024
صواريخ حماس على واشنطن وتل أبيب
يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استفادت من دروس الحرب الإسرائيلية على غزة العام 2014، وتكلفتها المرتفعة فلسطينيا، لتنتهج اليوم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية "عنف الحد الأدنى" الهادفة إلى ضمان ردود فعل إسرائيلية محدودة في الزمان والمكان.
مسيرات العودة وفعالياتها الأسبوعية على حدود التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، الإرباك الليلي بإطلاق بالونات مفخخة باتجاه المستوطنات الحدودية، وإطلاق عدد محدود من الصواريخ، أو قذائف الهاون، هي بعض أدوات هذه الاستراتيجية التي تمثل جديدها في انتفاضات السجون التي قادها أسرى "حماس"، فأشعلوا النار في سجن رامون، وهاجموا الحراس في سجن كتزيوت بأدوات حادة، فأصابوا اثنين منهم.
وفي 14 مارس/ آذار الجاري، أطلقت خلية صغيرة تابعة لحركة حماس صاروخين باتجاه تل أبيب سقطا في مناطق غير مأهولة، اتفقت تصريحات "حماس" وتقديرات الجيش الإسرائيلي على أنهما أطلقا بالخطأ. مع ذلك، اكتفى الجيش الإسرائيلي بقصف حوالي مائة هدف لحركة حماس. تكرر ذلك في 25 مارس/ آذار، حين أصاب صاروخٌ، أطلق من قطاع غزة نحو شمال مستوطنة شمال تل أبيب، سبعة أفراد من عائلة واحدة (بينهم ثلاثة أطفال) بجروح، لحظة إخلائهم المنزل نحو ملجأ قريب بعد سماعهم دوي صفارات الإنذار. اجتاز الصاروخ حوالي 120 كيلومترا، وهو أبعد مدى يصل إليه صاروخ يطلق على إسرائيل منذ حرب العام 2014. وحاولت "حماس"، هذه المرة أيضا، التنصل من الأمر، فأعلنت أنها، وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، غير مهتمة بإطلاق الصواريخ. لكن مصادر عسكرية وإعلامية إسرائيلية تحدثت عن صاروخ من طراز J-80 طورته "حماس"، ويحمل اسم أحد قادتها العسكريين، أحمد الجعبري (اغتيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) سبق للحركة أن استخدمته في حرب العام 2014، ولأنه يسير على طريق غير خطي؛ لم يكن في وسع القبة الحديدية اعتراضه.
أصاب الصاروخ الذي أطلق قبيل أسابيع من الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكرة، المقرّرة في 9 إبريل/ نيسان المقبل، هدفا سياسيا، حين تزامن مع وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي،
بنيامين نتنياهو، في واشنطن، والذي أراده نتنياهو والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن يكون مناسبة يحتفل فيها الأول بما يعتبره نصرا بانتزاعه اعترافا أميركيا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، بينما يحتفل فيها الثاني ببراءته المعلنة في نتائج تقرير مولر بعد 22 شهرا من التحقيق. أفسد الصاروخ بهجة الاحتفال، واضطر نتنياهو، بناء على اقتراح مستشاريه العسكريين والأمنيين، لقطع زيارته، وإلغاء خطابه أمام "أيباك"، والعودة إلى إسرائيل كي يقود بنفسه معركة "تأديب حماس"، إرضاءً لناخبيه الإسرائيليين، في ظل انتقادات حادة لسياسته تجاه الحركة الفلسطينية حمّلته المسؤولية عن التصعيد في غزة، بتركه إسرائيل عرضةً للابتزاز من حركة حماس لضمان الهدوء خلال معركته الانتخابية. ووجد معارضو نتنياهو في قطع الزيارة هيستيريا غير مبرّرة، تصب في صالح "حماس".
دعا خبراء ومسؤولون عسكريون وأمنيون إسرائيليون (أمثال عاموس يادلين رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي السابق) الجيش ليرد بقوة، وأن يكون أكثر إيلاما، طالما أن ما يشجّع "حماس" على المضي في استفزازاتها هو تقديراتها بأن إسرائيل لا تريد حربا جديدة، مذكّرين باعتراف أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، بعد حرب لبنان الثانية، بأنه لو علم أن جيش الدفاع الإسرائيلي سيرد بشن تلك الحرب لما أسر جنودا إسرائيليين وأشلاءهم. وبات مزيد من الإسرائيليين يعتقدون اليوم بفشل استراتيجية نتنياهو، المتمثلة في محاولة الإبقاء على سلطتين فلسطينيتين منفصلتين، ضعيفتين، وبدون تكاليف تترتب على إسرائيل.
على الرغم من وعيده بردّ قوي، يعلم نتنياهو مسبقا أن ردّه سيكون محدودا. وعادة ما يلجأ اليمين الإسرائيلي في حالة أعمالٍ تخلّ بالأمن الإسرائيلي، لا سيما التي تقودها "حماس"، إلى قرع طبول الحرب، وخطاب الوعيد، للمزاودة على خصومهم من يسار الوسط، وإظهارهم متردّدين عديمي الجدوى. لكن نتنياهو قلق بشكل حقيقي من أن ناخبيه من الإسرائيليين لم يحصدوا منه سوى وعودٍ غير منجزة بالقضاء على "حماس". وفي الوقت نفسه، يخشى أن يتحول أي هجوم عسكري موسع فخّا انتخابيا مع سقوط أول ضحية إسرائيلية. وبالنسبة لحركة حماس وإسرائيل، هناك مصلحة مشتركة في الاستجابة لجهود الوساطة المصرية الساعية إلى التهدئة.
ولن تكون معركة نتنياهو الانتخابية سهلة في حال خوضه حربا واسعة، يعلم أنها من دون
معاودة احتلال القطاع تدمر غزة، لكنها لا تقضي على "حماس". أما إن تمكنت الأخيرة من تحقيق خرق نوعي خلف صفوف الجيش الإسرائيلي، أو أسر جنود إسرائيليين، فسيُعَدّ ذلك فشلا ذريعا، لا سيما أن خصوم نتنياهو، هذه المرة، ليسوا يساريين تقليديين، بل هناك على الأقل ثلاثة من رؤساء أركان الجيش السابقين، لديهم سيرة عسكرية تحظى بثقة الناخب الإسرائيلي الذي قد يجد فيهم الجدارة لاتخاذ خطوات ناجحة تلجم "حماس"، أو تقضي عليها. أما احتمال أن يكثّف الفلسطينيون عملياتهم الانتقامية، بطعن جنود ومستوطنين إسرائيليين، والتي تتخذ طابعا فرديا تصعب السيطرة عليها أمنيا واستخباراتيا، فربما يؤدي إلى تكرار سيناريو العام 1992 حين مهد طعن مستوطنة إسرائيلية، قبل أيام من الانتخابات، الطريق لهزيمة الليكود، وصعود إسحاق رابين إلى السلطة.
وبالنسبة للحركة الإسلامية، المتمسّكة بتفردها في غزة، والمصرّة على الجمع بين نقيضين؛ السلطة والمقاومة، وفي مواجهة حالة الإحباط والاحتقان في غزة الذي انفجر ضد سياساتها في إدارة شؤون القطاع، تحت عنوان "بدنا نعيش"، تفضّل الهروب إلى الأمام لتخوض أكثر من معركة. وبعد التوصل إلى اتفاقٍ للتهدئة (يبدو هشّا ومعرّضا للانهيار، بعد تلكؤ إسرائيلي في وقف إطلاق النار) طمأنت "حماس" أنصارها بأن جميع قادتها بخير. لكن يبقى أن تطمئنّا حركة حماس عن أحوال سكان قطاع غزة المدنيين، هل هم أيضا بخير؟
مسيرات العودة وفعالياتها الأسبوعية على حدود التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، الإرباك الليلي بإطلاق بالونات مفخخة باتجاه المستوطنات الحدودية، وإطلاق عدد محدود من الصواريخ، أو قذائف الهاون، هي بعض أدوات هذه الاستراتيجية التي تمثل جديدها في انتفاضات السجون التي قادها أسرى "حماس"، فأشعلوا النار في سجن رامون، وهاجموا الحراس في سجن كتزيوت بأدوات حادة، فأصابوا اثنين منهم.
وفي 14 مارس/ آذار الجاري، أطلقت خلية صغيرة تابعة لحركة حماس صاروخين باتجاه تل أبيب سقطا في مناطق غير مأهولة، اتفقت تصريحات "حماس" وتقديرات الجيش الإسرائيلي على أنهما أطلقا بالخطأ. مع ذلك، اكتفى الجيش الإسرائيلي بقصف حوالي مائة هدف لحركة حماس. تكرر ذلك في 25 مارس/ آذار، حين أصاب صاروخٌ، أطلق من قطاع غزة نحو شمال مستوطنة شمال تل أبيب، سبعة أفراد من عائلة واحدة (بينهم ثلاثة أطفال) بجروح، لحظة إخلائهم المنزل نحو ملجأ قريب بعد سماعهم دوي صفارات الإنذار. اجتاز الصاروخ حوالي 120 كيلومترا، وهو أبعد مدى يصل إليه صاروخ يطلق على إسرائيل منذ حرب العام 2014. وحاولت "حماس"، هذه المرة أيضا، التنصل من الأمر، فأعلنت أنها، وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، غير مهتمة بإطلاق الصواريخ. لكن مصادر عسكرية وإعلامية إسرائيلية تحدثت عن صاروخ من طراز J-80 طورته "حماس"، ويحمل اسم أحد قادتها العسكريين، أحمد الجعبري (اغتيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) سبق للحركة أن استخدمته في حرب العام 2014، ولأنه يسير على طريق غير خطي؛ لم يكن في وسع القبة الحديدية اعتراضه.
أصاب الصاروخ الذي أطلق قبيل أسابيع من الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكرة، المقرّرة في 9 إبريل/ نيسان المقبل، هدفا سياسيا، حين تزامن مع وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي،
دعا خبراء ومسؤولون عسكريون وأمنيون إسرائيليون (أمثال عاموس يادلين رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي السابق) الجيش ليرد بقوة، وأن يكون أكثر إيلاما، طالما أن ما يشجّع "حماس" على المضي في استفزازاتها هو تقديراتها بأن إسرائيل لا تريد حربا جديدة، مذكّرين باعتراف أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، بعد حرب لبنان الثانية، بأنه لو علم أن جيش الدفاع الإسرائيلي سيرد بشن تلك الحرب لما أسر جنودا إسرائيليين وأشلاءهم. وبات مزيد من الإسرائيليين يعتقدون اليوم بفشل استراتيجية نتنياهو، المتمثلة في محاولة الإبقاء على سلطتين فلسطينيتين منفصلتين، ضعيفتين، وبدون تكاليف تترتب على إسرائيل.
على الرغم من وعيده بردّ قوي، يعلم نتنياهو مسبقا أن ردّه سيكون محدودا. وعادة ما يلجأ اليمين الإسرائيلي في حالة أعمالٍ تخلّ بالأمن الإسرائيلي، لا سيما التي تقودها "حماس"، إلى قرع طبول الحرب، وخطاب الوعيد، للمزاودة على خصومهم من يسار الوسط، وإظهارهم متردّدين عديمي الجدوى. لكن نتنياهو قلق بشكل حقيقي من أن ناخبيه من الإسرائيليين لم يحصدوا منه سوى وعودٍ غير منجزة بالقضاء على "حماس". وفي الوقت نفسه، يخشى أن يتحول أي هجوم عسكري موسع فخّا انتخابيا مع سقوط أول ضحية إسرائيلية. وبالنسبة لحركة حماس وإسرائيل، هناك مصلحة مشتركة في الاستجابة لجهود الوساطة المصرية الساعية إلى التهدئة.
ولن تكون معركة نتنياهو الانتخابية سهلة في حال خوضه حربا واسعة، يعلم أنها من دون
وبالنسبة للحركة الإسلامية، المتمسّكة بتفردها في غزة، والمصرّة على الجمع بين نقيضين؛ السلطة والمقاومة، وفي مواجهة حالة الإحباط والاحتقان في غزة الذي انفجر ضد سياساتها في إدارة شؤون القطاع، تحت عنوان "بدنا نعيش"، تفضّل الهروب إلى الأمام لتخوض أكثر من معركة. وبعد التوصل إلى اتفاقٍ للتهدئة (يبدو هشّا ومعرّضا للانهيار، بعد تلكؤ إسرائيلي في وقف إطلاق النار) طمأنت "حماس" أنصارها بأن جميع قادتها بخير. لكن يبقى أن تطمئنّا حركة حماس عن أحوال سكان قطاع غزة المدنيين، هل هم أيضا بخير؟