وتبدل على وقع ذلك إيقاع الحياة في العاصمة، إذ لا زحام في وسائل المواصلات كما هي العادة في مدينة كان يسكنها أكثر من ثمانية ملايين يمني، ولا اكتظاظ في حركة المرور. كما تقلصت أيضاً المظاهر الحربية التي اعتادها الأهالي في صنعاء منذ بدء الحرب في البلاد، إذ رُفِعت النقاط الأمنية التي استحدثتها جماعة الحوثي في الشوارع الرئيسية، كما اختفى عناصر "جيش" صالح الذين كانوا يديرون، إلى جوار المسلحين الحوثيين، نقاط التفتيش على مداخل ومخارج العاصمة. لكنك سترى مظاهر أخرى مسلحة في المدينة، إذ ستشاهد مقاتلين قبليين بأعمار مختلفة، وأطفالاً مسلحين في الشوارع الرئيسية. وستعرف من ملصقات شعار الجماعة، وكذلك ارتدائهم للزي الشعبي أنهم لا ينتمون إلى "جيش" صالح، وإنما يتبعون إلى اللجان الشعبية، الذراع العسكرية لجماعة الحوثي.
وعلى إيقاع مدينة تحشد فيها الجماعة الأهالي للحرب والمواجهة وإعلان التعبئة للقتال، أصبح الخوف حالة مجتمعية لافتة في حياة أهالي صنعاء، يمكنك أن تعرفه من الأحاديث المتبادلة بين المثقفين الذين جازفوا بالبقاء في المدينة، ووجوم العابرين، وغضب سائقي الحافلات، وتذمر عمال المطاعم والمحلات التجارية من الوضع المتردي. مظاهر الخوف تتعدى ما خبره أهالي المدينة من اقتتال الحليفين السابقين إلى الخطر الذي يتهدد حياتهم كل يوم. وتركز خوف أحد طلاب جامعة صنعاء، فضل عدم ذكر اسمه، من إرساله قسراً إلى جبهات القتال. وقال "كل يوم، نسمع عن دعوة التجنيد التي أعلنتها جماعة الحوثي، واختفاء بعض الطلاب، لذا منعني أبي من الذهاب إلى الجامعة". وقالت مها، الموظفة في أحد المرافق الحكومية في صنعاء، "نذهب إلى أعمالنا رغم أننا لم نحصل على رواتبنا منذ عام وثلاثة أشهر، لكن الوضع تغير في المرفق الذي أعمل فيه، إذ إن المشرفين أصبحوا أكثر صرامة بمراقبة الموظفين، ويجبروننا على الدوام. نحن لا نتحدث عما يدور في الخارج، ونخشى التقارير الأمنية الكيدية".
وعن كيفية تدبر المواطنين لحياتهم في صنعاء في ظل تحديات الحياة الصعبة والمعارك التي تدور في مديرية نهم، على الحدود الشمالية الشرقية من المدينة، قال الصحافي، بشير السيد، "لا يوجد معيار ثابت لتدبر الحياة. لم نعد أصحاب قرار تدبير شؤون حياتنا. اليمنيون يواجهون كل يوم معركة متعددة الأبعاد من أجل توفير التزاماتهم اليومية والشهرية. إنهم يخوضون معركة من أجل البقاء". تقترب المعارك التي تدور في مديرية نهم بين الحوثيين والجيش الموالي للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، مدعوماً بطيران التحالف العربي، من المدينة، إذ يسمع الأهالي أصوات الانفجارات النابعة من غارات التحالف العربي ودوي قذائف المتصارعين. واعتبر سائق سيارة الأجرة، عادل سعيد، أن "الأخبار الواردة من جبهة نهم متضاربة، لكن هناك أشياء أخرى علينا أن نقلق حيالها أكثر من حرب نهم"، فيما قال عبد الخالق القباطي "لا يهتم أهالي صنعاء كثيراً بحرب نهم، لأنها لا تشكل في رأيي خطراً على المواطنين، على الأقل في الوقت الراهن، فمديرية نهم، مساحتها الجغرافية كبيرة، وهي منطقة وعرة، ومن الصعب أن ينتصر فيها أي طرف. فقوات الشرعية ترابط منذ ثلاث سنوات في نهم، ولم تحقق تقدماً يذكر".
أما فهمي العزي فله رأي مغاير، إذ اعتبر أن "مقتل صالح غير موازين القوى في جبهة نهم لصالح السلطة الشرعية. أصبحت المليشيات في موقع الدفاع عن العاصمة بعد سيطرة قوات الشرعية على مواقع استراتيجية". ورأى أكرم علي أنه "من المبكر أن يقلق المواطنون في صنعاء من الحرب التي تدور في نهم، لأن الصراعات بين أطراف الشرعية والحسابات السياسية للسعودية والإمارات تصب في صالح الحوثيين". وقال الصحافي بشير السيد إن "الخوف الحقيقي ليس من اقتراب الحرب، فهذا أمر بديهي، الخوف الحقيقي الذي يلازم المواطنين بشكل دائم هو استمرار حالة اللاحرب واللاسلم. الخوف من استمرار هذه الحالة المائعة، وبقاء الأفق مسدوداً وحياتهم بلا وجهة. الخوف من مواصلة إهدار أيامهم من دون جدوى أو نتيجة. اقتراب الحرب من العاصمة يخيف جميع المدنيين الذين يسكنون المدينة، لكن الخوف باعتقادي ليس من الحرب كحرب بل أن تكون نسخة مشابهة للحرب في معظم المدن اليمنية التي حولتها الحرب إلى مربعات مُدَمرة تحكمها المليشيات".
ورأى المحلل السياسي والمدير التنفيذي لمركز صنعاء، ماجد المذحجي، أن "أي تقدم حقيقي في جبهة نهم يكشف العاصمة أمنياً من جهتها الشمالية الشرقية، وبالتالي سيكون أول تماس عسكري فعلي مع صنعاء من قبل قوات التحالف والشرعية مع دفاعات الحوثيين في صنعاء المدينة ومحيطها المباشر. وبالنظر إلى تاريخ الطرفين في الحرب فلا يبدو أي منهما حريصاً على الكلفة الإنسانية لخوض هذه المعارك في مدينة مكتظة بالملايين من سكانها، علاوة على النازحين إليها. هذا الأمر يبرر بالتأكيد مخاوف السكان من أي تقدم في هذه الجبهة. لقد اختبرت صنعاء عينة من حرب الشوارع في الأيام الأخيرة، وهي أصبحت تعرف بالتأكيد ماذا تعني لو شملتها بأكملها هذه الحرب". وبين معارك تقترب كل يوم باتجاه مدينة صنعاء، وسلطة مليشياوية تدير المدينة وفق شرعة الغلبة، يعيش الأهالي في صنعاء في خطر يكتم على أنفاسهم وحياتهم، منتظرين بقلق ما سيأتي به المستقبل.