فيتو روسي يفشل قراراً أممياً لوقف القتال وحماية المدنيين في السودان

18 نوفمبر 2024
مسلحون موالون للجيش السوداني في مدينة القضارف، 28 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن لوقف الأعمال العدائية في السودان، مما أثار انتقادات دولية، حيث وصف وزير الخارجية البريطاني الفيتو بأنه "عار" واتهم روسيا بزيادة النزاعات في أفريقيا.

- يواجه السودان صراعاً دامياً بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، مما أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين. ترفض روسيا مشروع القرار البريطاني، معتبرةً أنه يعكس "وجه الاستعمار الجديد" للمملكة المتحدة.

- رحبت الحكومة السودانية بالفيتو الروسي، بينما زار المبعوث الأميركي السودان لمناقشة الأزمة وسبل إيصال المساعدات الإنسانية، مؤكداً دعم الولايات المتحدة للشعب السوداني.

أفشل فيتو روسي تبني مجلس الأمن في نيويورك اليوم الاثنين قراراً يدعو أطراف النزاع في السودان إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط في حوار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل وسريع وآمن ومستدام عبر خطوط النزاع والحدود دون عوائق. وحصل مشروع القرار، الذي صاغته المملكة المتحدة وسيراليون، على تأييد 14 دولة (يحتاج أي قرار لتبنيه إلى تسعة أصوات) شريطة ألا تستخدم أي من الدولة دائمة العضوية فيتو ضده، وهو ما حدث اليوم مما أفشل المجلس بتبني القرار.

وخلال الجلسة وجه وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الذي ترأسُ بلاده مجلس الأمن في دورة الشهر الحالي، انتقادات شديدة اللهجة لروسيا بسبب استخدامها حق النقض (الفيتو). وقال لامي "لأكثر من 18 شهراً يعاني المدنيون في السودان عنفاً لا يمكن تخيله، بما في ذلك اختطاف الأطفال والعنف الجنسي ومهاجمة العاملين في المجال الإنساني والكره الإثني وعرقلة دخول المساعدات والهجوم على المدارس والمستشفيات وقوافل المساعدات... هذه المعاناة تشكل وصمة عار على ضميرنا الجماعي".

وأضاف وزير الخارجية البريطاني الذي ترأس الجلسة "استخدام روسيا للفيتو هو عار ويظهر حقيقتها. وعار على الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين لشنه حرباً على أوكرانيا، والعار عليه لاستخدام مرتزقته لزيادة النزاعات في أفريقيا". وتساءل موجهاً حديثه لمندوب روسيا "ممثل روسيا الذي يجلس وينظر إلى هاتفه النقال... كم عدد المدنيين السودانيين الذين يجب أن يقتلوا والنساء اللواتي يغتصبن والأطفال الذين يقتلوا قبل أن يتصرف الاتحاد الروسي". ووصف الفيتو الروسي بـ"القذر".

ويخوض الجيش السوداني قتالاً ضد قوات الدعم السريع منذ منتصف إبريل/نيسان 2023، في صراع دام خلّف حتى اليوم نحو 18 ألفاً و800 قتيل وقرابة عشرة ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة. وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء هذه الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

روسيا: القرار فيه رؤية خاطئة

من جهته وصف نائب المندوب الروسي، ديمتري بوليانسكي، تصريحات الوزير البريطاني بأنها "تظهر وجه الاستعمار الجديد في المملكة المتحدة"، مضيفاً "صوّت الاتحاد الروسي ضد مشروع القرار بشأن السودان، على الرغم من اتفاقنا مع جميع الأعضاء على ضرورة التوصل إلى حل سريع، ونعتقد أن الطريقة الأفضل لتحقيق ذلك هو أن تتوصل الأطراف المتحاربة لاتفاق وقف إطلاق نار ودور المجلس هو مساعدتهم على تحقيق ذلك... ولكن يجب ألا يفرض مجلس الأمن على السلطات السودانية من خلال قرارته ما تريده بعض الدول الأعضاء، وبطريقة استعمارية، حول ما تريد أن تكون عليه صورة الدولة ومستقبلها".

واتهم بوليانسكي بريطانيا بالرغبة "في تسجيل نقاط لدى الجاليات السودانية والناخبين في المملكة المتحدة"، وقال إن الإشكالية في مشروع القرار بالنسبة لبلاده تكمن في "أن فيه رؤية خاطئة حول من يتحمل المسؤولية لحماية المدنيين في السودان والرقابة والسيطرة على الحدود في البلاد، ومن يجب أن يتخذ القرار بشأن نشر قوات في السودان، ومع من يجب التعامل في التصدي للتحديات".

وأضاف "نحن واضحون بأن الحكومة السودانية هي التي يجب أن تلعب هذا الدور، وحصرياً". وادعى المندوب الروسي أن بريطانيا، أثناء التفاوض على القرار "بذلت جهوداً كبيرة لحذف كل إشارة للسلطات الشرعية في السودان، وهذا موقف غير مقبول، خاصة أن ممثلي السودان في المنظمات الدولية، ويشاركون في توزيع المساعدات الإنسانية ويسعى السودانيون للحماية في المناطق الخاصة بالحكومة".

وقال إن بلاده ترفض كذلك "ما ورد في نص القرار حول استخدام آليات المساءلة الخارجية لضمان المساءلة عن الانتهاكات، مثل محكمة العدل الدولية التي أظهرت أنها لا تتحلى بالكفاءة للمساءلة حول ما يحدث في السودان ومناطق أخرى. النظام القضائي الوطني يجب أن يكون من صلاحيات الحكومة السودانية حصرياً". وتطرق إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حول سبل الحماية وآليات المراقبة الذي صدر الشهر الماضي حول السودان، وقال "لقد قال تقريره إنه، ومن أجل نشر قوات دولية في البلاد، فإن الظروف غير مواتية بعد، ونريد الإضافة أنه يجب أن يكون تفاهم بين الدول في المنطقة حول وقف إطلاق النار وكيف يجب وقف إطلاق النار ويجب أن ينبع من القيادة السودانية".

نص مشروع القرار بشأن السودان

ومن أبرز ما جاء في نص المشروع إدانته "الهجوم المستمر الذي تشنه قوات الدعم السريع في الفاشر، ويطالب قوات الدعم السريع بوقف جميع هجماتها ضد المدنيين في دارفور وولاية الجزيرة وولاية سنار وأماكن أخرى في السودان على الفور، ويدعو أطراف النزاع إلى وقف الأعمال العدائية فوراً والانخراط بحسن نية في حوار للاتفاق على خطوات للتهدئة بهدف الوصول إلى اتفاق عاجل لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني".

وطالب المشروع "القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع باحترام وتنفيذ التزاماتها الواردة في إعلان جدة بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان بالكامل". كما طالب أطراف النزاع بالامتثال مباشرةً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان حسب الاقتضاء. ودعا أطراف النزاع كذلك إلى ضمان حماية الأهداف المدنية والامتناع عن استهدافها بما فيها المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى والمدارس وأماكن العبادة والمرافق الإنسانية والعاملون في المجال الإنساني والطبي.

كما دعا "الأطراف إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف الجنسي المرتبط بالصراع ومنعه وضمان عدم استخدامه أداة حرب وتحسين الحماية ووصول الناجين إلى الخدمات". وطلب مشروع القرار من "الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتشاور مع مجلس السيادة الانتقالي السوداني وأطراف أخرى في الصراع، والاتحاد الأفريقي، أن يضع مقترحاً لآلية تسهل تنفيذ التزامات إعلان جدة"، على أن يقدم الأمين العام تحديثاً مكتوباً بشأن الخطوات العملية لدعم جهود الوساطة، بما في ذلك وقف الأعمال العدائية محلياً وتدابير خفض التصعيد، وتنفيذ التزامات إعلان جدة وتطوير آلية الامتثال، قبل الإحاطة القادمة حول السودان لمجلس الأمن الدولي بموجب القرار 2715 (2023).

وتضمن المشروع، الذي لم يتم تبنيه، دعوة "أطراف النزاع إلى الدخول في حوار بحسن نية، والاتفاق على هدن إنسانية وترتيبات مستدامة، لضمان المرور الآمن للمدنيين وتسليم المساعدات الإنسانية الكافية، وإصلاح البنية التحتية المدنية والخدمات الأساسية لضمان قدرة المدنيين على الوصول إلى الخدمات الطارئة والأساسية". ونص على الترحيب "بجهود الوساطة التي يبذلها المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة للمساعدة في تعزيز السلام وعملية سياسية شاملة بقيادة وملكية سودانية، تعكس تطلعات الشعب السوداني (...) بالإضافة إلى الاستمرار في التواصل والتنسيق مع الاتحاد الأفريقي وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين".

ونص على تشجيع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل تكثيف التخطيط بغية تقديم الدعم اللازم والمستدام لأي اتفاق لوقف إطلاق النار بمجرد التوصل له. وهذا يشمل رصداً وتحققاً من أي اتفاق. ويشجعه على مواصلة التشاور، في هذا الصدد، مع الاتحاد الأفريقي وأطراف النزاع. ورحب المشروع بقرار "جميع الأطراف المعنية السماح بالعمليات الجوية الإنسانية في جنوب كردفان وقرار مجلس السيادة الانتقالي السوداني بفتح معابر إضافية وكذلك السماح باستمرار فتح معبر أدري الحدودي بناءً على الاتفاق والتنسيق المسبقين لمجلس السيادة الانتقالي السوداني، ويدعوهم لإبقائها مفتوحة.

كما "كرر دعواته جميع أطراف النزاع للعمل في شراكة وثيقة مع وكالات الأمم المتحدة والأطراف الأخرى الفاعلة في المجال الإنساني، بما في ذلك المنظمات المحلية، لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وحث على انسحاب المقاتلين لتمكين الأنشطة الزراعية طوال موسم الزراعة لتجنب المزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد". وشجع المشروع المجتمع الدولي على تقديم الدعم اللازم فوراً لتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية اللازمة لمنع المزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية وتوفير المزيد من التمويل والدعم للمبادرات المختلفة بما فيها المحلية. وحث على اتخاذ خطوات ملموسة لضمان محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي... وإجراء التحقيقات بطريقة مستقلة وشفافة ونزيهة.

ودعا المشروع "جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يؤجج الصراع وعدم الاستقرار، وبدلاً من ذلك دعا إلى دعم جهود الوساطة من أجل تحقيق سلام دائم، وذكّر جميع أطراف الصراع والدول الأعضاء التي تُسهّل نقل الأسلحة والمواد العسكرية إلى دارفور بالتزاماتها بالامتثال لتدابير حظر الأسلحة المنصوص عليها في الفقرتين 7 و8 من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1556 (2004)، وأكد من جديد أن أولئك الذين ينتهكون حظر الأسلحة قد يخضعون لتدابير مستهدفة وفقاً للفقرة 3 (ج) من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1591 (2005)".

السودان يرحب بالفيتو الروسي

إلى ذلك، رحبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض"الفيتو" بمجلس الأمن في مواجهة مشروع القرار البريطاني بشأن السودان. وأشادت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها، صدر مساء اليوم الاثنين، بالموقف الروسي الذي جاء تعبيرا عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي، ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية، على حد ما جاء في البيان.

وذكرت وزارة الخارجية السودانية في بيانها أن الحكومة السودانية تأمل أن تضع هذه السابقة التاريخية حدا لنهج استخدام منبر مجلس الأمن لفرض الوصاية على الشعوب، ولخدمة الأجندة الضيقة لبعض القوى، مع تغييب الشفافية والديمقراطية وتكريس ازدواجية المعايير، ما يضعف دور المجلس في إرساء السلم والأمن الدوليين. وبالمقابل، لم تُصدر الدعم السريع حتى الآن بياناً حول التطورات في مجلس الأمن الدولي.

من جهة ثانية، أنهى المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو زيارة إلى مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة، هي الأولي له منذ تعيينه العام الماضي في المنصب، والتقى بيرييلو، خلال الزيارة التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة، كلا من رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، ونائبه في مجلس السيادة مالك عقار، ووزير الخارجية علي يوسف الشريف، وزعيم قبيلة المساليت سعد بحر الدين.

وقال سفير السودان لدى الولايات المتحدة محمد عبدالله، الذي شارك في اللقاءات، إن لقاء رئيس المجلس السيادي بالمبعوث الأميركي إلى السودان كان لقاء مطولاً وشاملاً وصريحاً، وجرى فيه تناول كل ما يدور بشأن الأزمة الراهنة، خاصة في ما يتعلق بالأضرار الكبيرة التي لحقت بالمواطنين جراء الاستهداف الممنهج الذي مارسته "مليشيا التمرد" في حق المدنيين والنازحين واللاجئين.

وأبان السفير في تصريحات صحافية أن الحديث بين البرهان والمبعوث الأميركي تناول أيضا خريطة الطريق وكيفية إيقاف الحرب، وإيصال المساعدات الإنسانية، ورتق النسيج الاجتماعي، عدا العملية السياسية بصفتها مخرجاً نهائياً لما بعد الحرب، مشيراً إلى أن المبعوث الأميركي قدم مقترحات في هذا الصدد، ووافق عليها رئيس مجلس السيادة، مبيناً أن الحكومة السودانية أوفت بكل الالتزامات التي قطعتها بشأن فتح المعابر والمطارات من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ومؤكداً انفتاح الحكومة نحو كل ما من شأنه إيصال هذه المساعدات إلى المحتاجين. وأضاف السفير محمد عبد الله أن رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان أكد عدم موافقة حكومة السودان على استغلال معبر أدري على الحدود السودانية التشادية لتوصيل السلاح إلى التمرد.

من جانبه، نقل بيان من مجلس السيادة عن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو قوله إن زيارته إلى السودان تحمل رسالة واضحة من الولايات المتحدة بأنها تقف بجانب الشعب السوداني مثل ما كان يحدث دائما خلال العقود الماضية، وذكر أنه من دواعي الفخر والاعتزاز أن تكون الولايات المتحدة من أكبر الداعمين للمساعدات الإنسانية للنازحين داخل السودان أو للاجئين الذين عبروا الحدود نحو دول الجوار، معرباً عن سعادته لما حدث من تقدم خلال الفترة الماضية، الأمر الذي وسع من فرص حصول المواطنين على الدواء والغذاء.

وأضاف بيرييلو أن الولايات المتحدة ستظل تعمل مع السودان لضمان حصول أي شخص على المساعدات اللازمة من دواء وغذاء وماء بكرامة، وأنها تشارك كثيرين طموحهم لنهاية الحرب حتى تقف الفظائع والانتهاكات التي شاهدناها مؤخراً في ولاية الجزيرة وغيرها، كما تشارك الولايات المتحدة، حسب بريلييو، الشعب السوداني طموحه نحو مستقبل ديمقراطي شامل.

إلى ذلك، قال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، خلال اجتماعه بالمبعوث الأميركي، أن العلاقات السودانية الأميركية شهدت فترات مد وجزر في مراحل مختلفة، لافتاً إلى تطلع حكومة السودان إلى بناء علاقات صحية متناسقة مع أهداف الشعب السوداني ومبنية على الاحترام المتبادل.

وعدّ عقار زيارة المبعوث الأمريكي بداية جيدة لبناء علاقة صحية جديدة، لا سيما أنها بدأت من مقار الحكومة السودانية وليس عبر المطارات أو من خارج السودان أو عن طريق مكالمات هاتفية. وأوضح أن الأزمة التي يمر بها السودان الآن هي صنيعة أيدٍ سودانية ومباركة أميركية وأوروبية إلى جانب الدعم المادي من دولة الإمارات العربية المتحدة، "وإذا رغبت الولايات المتحدة فعلاً في إنهاء هذه الحرب، فعليها بحكم علاقاتها مع دولة الإمارات أن تطلب منها أن تكف عن دعم مليشيا الدعم السريع"، مبيناً أن الحكومة تنظر إلى اتفاق جدة الموقع بين الجيش والدعم السريع باعتباره اتفاقاً جيداً، "ولكن ما يعيبه هو أنه يفتقر إلى آليات التنفيذ".